مِنْهَا مَا يَجْهَرُ بِهِ وَمِنْهَا مَا يُسِرُّ بِهِ شَرَعَ يُبَيِّنُ حَقِيقَةَ كُلٍّ مِنْهُمَا، فَقَالَ: (وَالْقِرَاءَةُ الَّتِي يُسِرُّ بِهَا فِي الصَّلَاةِ كُلُّهَا) بِالرَّفْعِ تَأْكِيدٌ لِلْقِرَاءَةِ (هِيَ بِتَحْرِيكِ اللِّسَانِ) هَذَا أَدْنَى السِّرِّ وَأَعْلَاهُ أَنْ يُسْمِعَ نَفْسَهُ فَقَطْ، وَاحْتُرِزَ بِتَحْرِيكِ اللِّسَانِ مِنْ أَنْ يَقْرَأَ فِي الصَّلَاةِ بِقَلْبِهِ فَإِنَّهَا لَا تُجْزِئُهُ.
(وَ) اُحْتُرِزَ (بِالتَّكَلُّمِ بِالْقُرْآنِ) أَيْ بِالْعِبَارَةِ الدَّالَّةِ عَلَى الْقُرْآنِ مِنْ أَنْ يَقْرَأَ فِيهَا بِغَيْرِهِ مِنْ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ الْكُتُبِ الْمُنَزَّلَةِ فَإِنَّهَا تَبْطُلُ (وَأَمَّا الْجَهْرُ فَ) أَقَلُّهُ (أَنْ يُسْمِعَ نَفْسَهُ وَمَنْ يَلِيه) وَأَعْلَاهُ لَا حَدَّ لَهُ ك: وَانْظُرْ مَا مَعْنَى قَوْلِهِ (إنْ كَانَ وَحْدَهُ) وَاَلَّذِي يَظْهَرُ لِي وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّهُ يَحْتَرِزُ بِهِ مِنْ الْإِمَامِ فَإِنَّهُ يُسْمِعُ نَفْسَهُ وَمَنْ خَلْفَهُ غَالِبًا وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ الْفَرْقِ بَيْنَ السِّرِّ وَالْجَهْرِ فَهُوَ فِي حَقِّ الرَّجُلِ.
(وَأَمَّا الْمَرْأَةُ فَهِيَ دُونَ الرَّجُلِ فِي الْجَهْرِ) وَهِيَ أَنْ تُسْمِعَ نَفْسَهَا خَاصَّةً كَالتَّلْبِيَةِ فَيَكُونُ أَعْلَى جَهْرِهَا وَأَدْنَاهُ وَاحِدًا، وَعَلَى هَذَا يَسْتَوِي فِي حَقِّهَا
ــ
[حاشية العدوي]
قَالَهُ ابْنُ عَرَفَةَ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ مِثْلَ ذَلِكَ إذَا قَامَ طَوِيلًا بِحَيْثُ يُصَلِّي الصُّبْحَ مَغْلُوبًا عَلَيْهِ.
[قَوْلُهُ: هَذَا أَدْنَى السِّرِّ] بُحِثَ فِيهِ بِأَنَّ الْأَدْنَى هُوَ مَا لَمْ تَكْثُرْ الْمُبَالَغَةُ فِيهِ، وَالْأَعْلَى مَا كَثُرَتْ الْمُبَالَغَةُ فِيهِ فَقَضِيَّةُ ذَلِكَ أَنَّ أَعْلَى السِّرِّ حَرَكَةُ اللِّسَانِ فَقَطْ وَأَدْنَاهُ سَمَاعُ نَفْسِهِ. [قَوْلُهُ: فَإِنَّهَا لَا تُجْزِئُهُ] وَمِنْ ذَلِكَ لَوْ حَلَفَ أَنَّهُ لَا يَقْرَأُ الْقُرْآنَ فَأَجْرَاهُ عَلَى قَلْبِهِ لَا يَحْنَثُ أَوْ حَلَفَ لَيَقْرَأَنَّهُ لَا يَبَرُّ بِهِ [قَوْلُهُ: أَيْ بِالْعِبَارَةِ الدَّالَّةِ إلَخْ] أَرَادَ بِالْعِبَارَةِ اللَّفْظَ الْحَادِثَ الَّذِي يَجْرِي عَلَى أَلْسِنَتِنَا، وَأَرَادَ بِالْقُرْآنِ الصِّفَةُ الْقَدِيمَةُ الْقَائِمَةُ بِهِ جَلَّ وَعَلَا فَإِنَّهُ يُطْلَقُ عَلَيْهَا قُرْآنٌ أَيْضًا وَلَكِنْ لَا حَاجَةَ لِذَلِكَ التَّكَلُّفِ إذْ يَصِحُّ أَنْ يُرَادَ بِالْقُرْآنِ فِي عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ اللَّفْظَ الْحَادِثَ، وَالْمَعْنَى عَلَيْهِ بِالتَّكَلُّمِ بِاللَّفْظِ الْحَادِثِ وَهَذَا لَا غُبَارَ عَلَيْهِ.
[قَوْلُهُ: فَإِنَّهَا تَبْطُلُ] إمَّا لِأَنَّ ذَلِكَ مَنْسُوخٌ أَوْ لِأَجْلِ التَّبْدِيلِ وَالتَّحْرِيفِ. أَقُولُ: لَا حَاجَةَ لِذَلِكَ بَلْ الْمُنَاسِبُ أَنْ يُعَلِّلَ الْبُطْلَانَ بِالْمُخَالَفَةِ لِفِعْلِ الْمُصْطَفَى.
وَقَوْلُهُ: «صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي» نُسِخَ أَوْ لَا غُيِّرَ وَبُدِّلَ أَوْ لَا وَالتَّغْيِيرُ مُرَادِفٌ لِلتَّبْدِيلِ [قَوْلٌ: وَمَنْ يَلِيه] يَعْنِي أَنَّهُ لَوْ كَانَ هُنَاكَ مَنْ يَسْمَعُهُ [قَوْلُهُ: غَالِبًا] أَيْ إنَّ الْغَالِبَ أَنْ يُسْمِعَ نَفْسَهُ وَمَنْ خَلْفَهُ، وَمِنْ غَيْرِ الْغَالِبِ لَا يَسْمَعُهُ مَنْ خَلْفَهُ وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّهُ لَا مَعْنَى لِهَذَا الْكَلَامِ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي مَقَامِ مَا يُطْلَبُ إمَّا فَعَلَهُ أَوْ تَرَكَهُ، فَالْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: إنَّهُ يَحْتَرِزُ عَنْ الْإِمَامِ فَإِنَّهُ يَطْلُبُ مِنْهُ أَنْ يُسْمِعَ نَفْسَهُ وَمَنْ خَلْفَهُ، فَلَوْ لَمْ يَسْمَعْهُ مَنْ خَلْفَهُ فَصَلَاتُهُ صَحِيحَةٌ وَحَصَلَتْ السُّنَّةُ بِسَمَاعِهِ مَنْ يَلِيه، بَلْ لَوْ أَسْمَعَ الْإِمَامُ وَالْفَذُّ نَفْسَهُ وَزَادَ وَلَكِنْ لَمْ يَحْصُلْ إسْمَاعُ مَنْ يَلِيه فَإِنَّهُ لَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ سُجُودٌ كَمَا ذَكَرُوهُ، عَلَى أَنَّ كَلَامَهُ بِقَرِينَةِ قَوْلِهِ سَابِقًا أَقَلُّهُ يَقْتَضِي أَنَّ ذَلِكَ أَقَلُّ الْجَهْرِ بِالنِّسْبَةِ لِلْإِمَامِ وَهُوَ مُنَافٍ لِمَا قَالَهُ ابْنُ عُمَرَ الَّذِي هُوَ ظَاهِرٌ.
وَنَصُّهُ وَإِنَّمَا سَكَتَ عَنْ الْإِمَامِ لِأَنَّ فِي جَهْرِهِ أَدْنَى وَأَعْلَى، فَأَدْنَاهُ أَنْ يُسْمِعَ نَفْسَهُ وَمَنْ يَلِيه وَأَعْلَاهُ أَنْ يُسْمِعَ نَفْسَهُ وَمَنْ خَلْفَهُ وَهُوَ مُسْتَحَبٌّ فِي حَقِّهِ. وَأَمَّا الْفَذُّ فَلَا يُسْتَحَبُّ فِي حَقِّهِ الزَّائِدِ عَلَى أَنْ يُسْمِعَ نَفْسَهُ وَمَنْ يَلِيه انْتَهَى كَلَامُ ابْنِ عُمَرَ.
وَقَالَ ق: إنْ كَانَ وَحْدَهُ اُحْتُرِزَ بِهِ مِمَّنْ يَقْرَبُ مِنْهُ مُصَلٍّ آخَرَ، فَحُكْمُهُ فِي جَهْرِهِ حُكْمُ الْمَرْأَةِ انْتَهَى وَنَحْوُهَا لِلزَّنَاتِيِّ فِي شَرْحِهِ.
تَنْبِيهٌ:
مَحَلُّ طَلَبِ الْجَهْرِ كَمَا فِي شَرْحِ الشَّيْخِ حَيْثُ كَانَ لَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ تَخْلِيطُ الْغَيْرِ وَإِلَّا نُهِيَ عَمَّا يَحْصُلُ بِهِ التَّخْلِيطُ وَلَوْ أَدَّى إلَى إسْقَاطِ السُّنَّةِ لِأَنَّهُ لَا يَرْتَكِبُ مَحْرَمٌ لِتَحْصِيلِ السُّنَّةِ.
[وَقَوْلُهُ: وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ الْفَرْقِ إلَخْ] الْمُنَاسِبُ لِلَّفْظِ الْمَتْنِ أَنْ يَقُولَ: وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ الْجَهْرِ إنَّمَا هُوَ فِي حَقِّ الرَّجُلِ. [قَوْلُهُ: كَالتَّلْبِيَةِ] أَيْ فَتُسْمِعُ نَفْسَهَا خَاصَّةً بِالتَّلْبِيَةِ. [قَوْلُهُ: فَيَكُونُ أَعْلَى جَهْرِهَا وَأَدْنَاهُ وَاحِدًا] أَيْ وَهُوَ إسْمَاعُ نَفْسِهَا فَقَطْ، لَكِنْ أَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ تَقْدِيرَ الشَّارِحِ الْأَقَلِّيَّةُ يُؤْذِنُ بِأَنَّ قَوْلَهُ: وَالْمَرْأَةُ إلَى آخِرِهِ فِي الْأَقَلِّ فَلَا يَظْهَرُ تَفْرِيعٌ قَوْلُهُ: فَيَكُونُ