(وَتَصِيرُ خَلْفَهُ لَيْسَ بَيْنَ يَدَيْهِ وَلَا بِحِذَائِهِ مِنْهَا شَيْءٌ) مُكَرَّرٌ مَعَ مَا قَبْلَهُ زِيَادَةً فِي الْبَيَانِ فَكَأَنَّهُ يَقُولُ: وَذَلِكَ بِأَنْ تَصِيرَ خَلْفَهُ لَيْسَ بَيْنَ يَدَيْهِ وَلَا بِحِذَائِهِ مِنْهَا شَيْءٌ أَيْ لَيْسَ أَمَامَهُ وَلَا عَنْ يَمِينِهِ وَلَا عَنْ شِمَالِهِ مِنْهَا شَيْءٌ، وَلَمَّا بَيَّنَ مَبْدَأَ الْقَصْرِ انْتَقَلَ يُبَيِّنُ مُنْتَهَاهُ فَقَالَ: (ثُمَّ لَا يُتِمُّ حَتَّى يَرْجِعَ إلَيْهَا) أَيْ إلَى الْبُيُوتِ (أَوْ يُقَارِبَهَا بِأَقَلَّ مِنْ الْمِيلِ) اسْتَشْكَلَ ع لَفْظَ الشَّيْخِ فَقَالَ: هَذَا اللَّفْظُ مُشْكِلٌ لِأَنَّ أَوَّلَ الْكَلَامِ جَعَلَهُ فِي أَقَلَّ مِنْ الْمِيلِ مُسَافِرًا وَآخِرَ الْكَلَامِ جَعَلَهُ فِيهِ مُقِيمًا، وَهَذَا لَا يَصِحُّ.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: قَوْلُهُ حَتَّى يَرْجِعَ إلَيْهَا، يَعْنِي عَلَى قَوْلٍ. وَقَوْلُهُ: أَوْ يُقَارِبَهَا يَعْنِي عَلَى قَوْلٍ آخَرَ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: قَوْلُهُ حَتَّى يَرْجِعَ إلَيْهَا أَيْ حَتَّى يَدْنُوَ مِنْهَا وَيَكُونَ قَوْلُهُ: أَوْ يُقَارِبَهَا هُوَ قَوْلُهُ حَتَّى يَرْجِعَ إلَيْهَا، وَهَذَا التَّأْوِيلُ يُوَافِقُ مَا فِي الْمُدَوَّنَةِ وَالْأَوَّلُ يُخَالِفُهَا لِأَنَّ مَا فِي الْمُدَوَّنَةِ إلَّا قَوْلٌ وَاحِدٌ.
(وَإِنْ نَوَى الْمُسَافِرُ إقَامَةَ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ بِمَوْضِعٍ أَوْ مَا يُصَلِّي فِيهِ عِشْرِينَ صَلَاةً أَتَمَّ الصَّلَاةَ حَتَّى يَظْعَنَ) أَيْ يَرْتَحِلَ (مِنْ مَكَانِهِ ذَلِكَ) تَقَدَّمَ أَنَّهُ إذَا أَتَى بِأَوْ يَكُونُ أَرَادَ أَنَّ الْمَسْأَلَةَ ذَاتُ قَوْلَيْنِ، وَمَعْنَى كَلَامِهِ أَنَّ الْقَصْرَ بِشَرْطِهِ يَقْطَعُهُ نِيَّةُ إقَامَةِ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ صِحَاحٍ فَأَكْثَرَ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ أَوْ مَا يُصَلِّي فِيهِ عِشْرِينَ صَلَاةً عِنْدَ سَحْنُونَ وَعَبْدِ الْمَلْكِ، وَفَائِدَةُ الْخِلَافِ تَظْهَرُ إذَا دَخَلَ فِي وَقْتِ الظُّهْرِ فَإِنْ قَدَّرَ بِالصَّلَوَاتِ حَسَبَ ظُهْرَ يَوْمِهِ وَعَصْرَهُ فَيُتِمُّ الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ، وَإِنَّ قَدَّرَ بِالْأَيَّامِ أَلْغَى الْيَوْمَ الَّذِي دَخَلَ فِيهِ وَقَصَرَ ظُهْرَ
ــ
[حاشية العدوي]
جُمُعَةٍ لَا يَقْصُرُ حَتَّى يُجَاوِزَ ثَلَاثَةَ أَمْيَالٍ مِنْ سُوَرِ الْبَلَدِ وَإِلَّا فَمِنْ آخِرِ بُنْيَانِهَا، وَمَحَلُّ الْخِلَافِ فِي الزَّائِدِ عَلَى الْبَسَاتِينِ لِلِاتِّفَاقِ عَلَى اعْتِبَارِ مُجَاوَرَةِ الْبَسَاتِينِ، وَالْعَمُودِيُّ بِمُجَاوَزَتِهِ مَحِلَّتِهِ بِكَسْرِ الْحَاءِ أَيْ مَنْزِلَ إقَامَتِهِ وَلَوْ تَفَرَّقَتْ بُيُوتُهَا فَلَا بُدَّ مِنْ مُجَاوَزَةِ الْجَمِيعِ حَيْثُ جَمَعَهُمْ اسْمُ الْحَيِّ وَالدَّارِ، أَوْ اسْمُ الدَّارِ فَقَطْ أَوْ اسْمُ الْحَيِّ حَيْثُ كَانَ يَرْتَفِقُ بَعْضُهُمْ بِبَعْضٍ، وَإِلَّا قَصَرَ بِمُجَرَّدِ انْفِصَالِهِ عَنْ مَنْزِلِهِ.
[قَوْلُهُ: وَهَذَا التَّأْوِيلُ يُوَافِقُ عَلَى مَا فِي الْمُدَوَّنَةِ] فِيهِ أَنَّ لَفْظَ الْمُدَوَّنَةِ كَلَفْظِ الْمُصَنِّفِ، وَنَصُّهَا: وَإِذَا رَجَعَ مِنْ سَفَرِهِ فَلْيَقْصُرْ حَتَّى يَدْخُلَ الْبُيُوتَ أَوْ قُرْبَهَا، وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ بِأَنَّ الْمُدَوَّنَةَ وَإِنْ سَاوَتْ الْمُصَنِّفَ إلَّا أَنَّ الْمُدَوَّنَةَ لَمْ يَكُنْ شَأْنُهَا أَنْ تُشِيرَ بِأَوْ إلَى قَوْلَيْنِ بِخِلَافِ الرِّسَالَةِ.
بَقِيَ أَنَّ مُلَخَّصَ هَذَا التَّأْوِيلِ أَنَّهُ مَتَى كَانَ أَقَلَّ مِنْ الْمِيلِ يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ الْإِتْمَامُ سَوَاءٌ كَانَ بِهَا بَسَاتِينُ أَمْ لَا، كَانَتْ الْبَسَاتِينُ قَلِيلَةً بِحَيْثُ تَكُونُ ثُلُثَ مِيلٍ مَثَلًا أَوْ أَكْثَرَ، وَالظَّاهِرُ لَيْسَ كَذَلِكَ وَاَلَّذِي ارْتَضَاهُ بَعْضُ الشَّارِحِينَ أَنَّ دُخُولَ الْبَسَاتِينِ الْمَسْكُونَةِ الْمُتَّصِلَةِ وَلَوْ حُكْمًا كَدُخُولِ الْبَلَدِ، أَيْ فَيُتِمُّ بِهِ وَالْقُرْبُ مِنْهَا بِأَقَلَّ مِنْ مِيلٍ كَالْقُرْبِ مِنْ الْبَلَدِ بِأَقَلَّ مِنْهُ أَيْ فَيَقْصُرُ عَلَى مَا اقْتَضَاهُ ابْنُ نَاجِي خِلَافًا لِشَيْخِهِ فِي عَدِّهَا أَيْ عَدِّ الْبَسَاتِينِ مِنْ الْمَسَافَةِ، فَظَهْرَ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ الصَّوَابَ الْجَوَابُ الْأَوَّلُ وَاعْتِمَادُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ، وَأَنَّ الْمَعْنَى حَتَّى يَرْجِعَ لِلْبُيُوتِ أَيْ أَوْ مَا فِي حُكْمِهَا مِنْ الْبَسَاتِينِ الْمُتَّصِلَةِ فَتَدَبَّرْ.
[قَوْلُهُ: وَإِنْ نَوَى الْمُسَافِرُ إلَخْ] أَيْ قَبْلَ الدُّخُولِ فِي الصَّلَاةِ، وَاعْلَمْ أَنَّ نِيَّةَ الْإِقَامَةِ تَكُونُ إمَّا تَحْقِيقًا أَوْ ظَنًّا أَوْ شَكًّا، وَأَمَّا لَوْ ظَنَّ عَدَمَ الْإِقَامَةِ تِلْكَ الْمُدَّةِ فَإِنَّهُ يَقْصُرُ قَرَّرَهُ بَعْضُ الشُّيُوخِ، وَأَمَّا إنْ نَوَى ذَلِكَ فِيهَا فَإِنْ صَلَّى رَكْعَةً نُدِبَ لَهُ شَفْعُهَا وَلَمْ تُجْزِئْ لَا حَضَرِيَّةً وَلَا سَفَرِيَّةً ثُمَّ صَلَّاهَا حَضَرِيَّةً، وَأَمَّا إنْ نَوَى الْإِقَامَةَ بَعْدَهَا أَعَادَهَا فِي الْوَقْتِ حَضَرِيَّةً أَيْ نَدْبًا قَالَ سَنَدٌ: لِاحْتِمَالِ أَنْ تَكُونَ حَدَثَتْ لَهُ نِيَّةُ الْإِقَامَةِ فِي الصَّلَاةِ أَيْ وَقَدْ غَفَلَ عَنْهَا.
[قَوْلُهُ: حَتَّى يَظْعَنَ] بِالظَّاءِ الْمُعْجَمَةِ أَيْ يَرْتَحِلَ وَيَصِيرَ إذَا ظَعَنَ كَالظَّاعِنِ مِنْ بَلَدِهِ فَيَقْصُرَ إذَا جَاوَزَ الْبَلَدَ وَمَا فِي حُكْمِهَا، وَاعْتَمَدَ ذَلِكَ ابْنُ نَاجِي.
[قَوْلُهُ: عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ] اعْلَمْ أَنَّ ابْنَ الْقَاسِمِ يُرَاعِي فِي قَطْعِ حُكْمِ السَّفَرِ الْأَرْبَعَةَ الْأَيَّامِ الصِّحَاحَ وَالْعِشْرِينَ صَلَاةً، مَنْ دَخَلَ قَبْلَ فَجْرِ يَوْمٍ وَنَوَى الْخُرُوجَ بَعْدَ غُرُوبِ الرَّابِعِ فَإِنَّهُ يَقْصُرُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقُمْ مُدَّةَ عِشْرِينَ صَلَاةً فَالْإِقَامَةُ الْقَاطِعَةُ لِحُكْمِ السَّفَرِ أَنْ يُقِيمَ إلَى عِشَاءِ الرَّابِعِ: وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِمْ أَرْبَعَةُ أَيَّامٍ صِحَاحٌ بِلَيَالِيِهَا وَفِي كَلَامِ التَّوْضِيحِ إشَارَةٌ لَهُ، وَصَرَّحَ بِهِ ابْنُ الْجَلَّابِ وَصَاحِبُ الْمَعُونَةِ وَغَيْرُهُمَا حَيْثُ قَالُوا: لَا بُدَّ مِنْ كَوْنِ الْأَرْبَعَةِ أَيَّامٍ الصِّحَاحِ بِلَيَالِيِهَا ذَكَرَهُ عَجَّ.
[قَوْلُهُ: وَقَصَرَ ظُهْرَ إلَخْ] هَذَا غَيْرُ مُعَوَّلٍ عَلَيْهِ، وَالْمُعَوَّلُ