للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَوْمِهِ وَعَصْرَهُ، وَأُخِذَ مِنْ قَوْلِهِ: نَوَى أَنَّ الْإِتْمَامَ يَكُونُ بِالنِّيَّةِ خَاصَّةً بِخِلَافِ الْقَصْرِ فَإِنَّهُ كَمَا تَقَدَّمَ لَا يَكُونُ إلَّا بِالنِّيَّةِ وَالْفِعْلِ، وَذَلِكَ أَنَّ الْإِتْمَامَ هُوَ الْأَصْلُ فَلَا يُنْتَقَلُ عَنْهُ إلَّا بِشَيْئَيْنِ، وَالْقَصْرُ فَرْعٌ يُنْتَقَلُ عَنْهُ بِشَيْءٍ وَاحِدٍ. وَأُخِذَ مِنْهُ أَيْضًا أَنَّهُ إذَا قَامَ مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ يَقْصُرُ مَا دَامَ نَاوِيًا لِلسَّفَرِ، وَاسْتَثْنَوْا مِنْ كَوْنِ نِيَّةِ إقَامَةِ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ فَأَكْثَرَ يُبْطِلُ حُكْمَ الْقَصْرِ نِيَّةُ الْعَسْكَرِ الْإِقَامَةَ بِدَارِ الْحَرْبِ فَإِنَّهُمْ يَقْصُرُونَ وَلَوْ نَوَوْا إقَامَةَ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ فَأَكْثَرَ.

قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَالْعَسْكَرُ يُقِيمُ بِدَارِ الْحَرْبِ يَقْصُرُونَ إنْ طَالَ مُقَامُهُمْ وَلَيْسَ دَارُ الْحَرْبِ كَغَيْرِهَا، وَمِمَّا يَقْطَعُ الْقَصْرَ أَيْضًا الْعِلْمُ بِالْإِقَامَةِ عَادَةً كَمَا عُلِمَ مِنْ عَادَةِ الْحَاجِّ إذَا نَزَلَ الْعَقَبَةَ أَوْ دَخَلَ مَكَّةَ أَنْ يُقِيمَ أَرْبَعَةَ أَيَّامٍ فَكَانَ الْعِلْمُ بِهَذِهِ الْإِقَامَةِ كَافِيًا فِي الْإِبْطَالِ وَلَوْ لَمْ يَنْوِ الْإِقَامَةَ.

ثُمَّ انْتَقَلَ يَتَكَلَّمُ عَلَى الْمَسَائِلِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِصَلَاةِ السَّفَرِ وَهِيَ أَرْبَعَةٌ لِأَنَّهُ إمَّا أَنْ يَخْرُجَ لِلسَّفَرِ نَهَارًا قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ الصَّلَاتَيْنِ الْمُشْتَرِكَتَيْ الْوَقْتِ وَإِمَّا أَنْ يَدْخُلَ لِلْحَضَرِ نَهَارًا قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَهُمَا، وَإِمَّا أَنْ يَدْخُلَ لَيْلًا قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَهُمَا، وَإِمَّا أَنْ يَخْرُجَ لَيْلًا قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَهُمَا. وَقَسَّمَ الْأَوَّلَ قِسْمَيْنِ لِأَنَّهُ إمَّا أَنْ يَخْرُجَ وَقَدْ بَقِيَ مِنْ النَّهَارِ مَا يَسَعُ الصَّلَاتَيْنِ مَعًا أَوْ لَا، وَقَدْ أَشَارَ إلَى الْأَوَّلِ بِقَوْلِهِ: (وَمَنْ خَرَجَ) أَيْ شَرَعَ فِي السَّفَرِ (وَ) الْحَالُ أَنَّهُ (لَمْ يُصَلِّ الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ وَقَدْ بَقِيَ مِنْ النَّهَارِ قَدْرُ ثَلَاثِ رَكَعَاتٍ) (صَلَّاهُمَا سَفَرِيَّتَيْنِ) اتِّفَاقًا إنْ كَانَ تَرَكَهُمَا نَاسِيًا، وَعَلَى الْمَنْصُوصِ إنْ كَانَ تَرَكَهُمَا عَامِدًا، وَيَكُونُ آثِمًا وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ لِأَنَّهُ سَافَرَ فِي وَقْتَيْهِمَا إذْ يُقَدَّرُ لِلظُّهْرِ رَكْعَتَانِ وَتَبْقَى رَكْعَةُ الْعَصْرِ، وَاخْتُلِفَ فِي هَذَا التَّقْدِيرِ هَلْ يُرَاعَى قَبْلَهُ تَقْدِيرُ الطَّهَارَةِ إنْ لَمْ يَكُنْ عَلَى طَهَارَةٍ أَمْ لَا.

وَالثَّانِي أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ: (فَإِنْ بَقِيَ) أَيْ مِنْ النَّهَارِ بَعْدَ أَنْ خَرَجَ وَالْحَالُ أَنَّهُ لَمْ يُصَلِّهِمَا (قَدْرُ مَا يُصَلِّي فِيهِ رَكْعَتَيْنِ أَوْ رَكْعَةً صَلَّى الظُّهْرَ حَضَرِيَّةً) لِأَنَّهُ فَاتَ وَقْتُهَا وَهُوَ غَيْرُ مُسَافِرٍ فَتَرَتَّبَتْ فِي ذِمَّتِهِ حَضَرِيَّةً.

(وَ) صَلَّى (الْعَصْرَ سَفَرِيَّةً) لِأَنَّهُ مُسَافِرٌ فِي وَقْتِهَا وَيَبْدَأُ بِالظُّهْرِ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ وَبِالْعَصْرِ عِنْدَ ابْنِ وَهْبٍ لِئَلَّا يُفَوِّتَهَا عَنْ وَقْتِهَا.

وَقَالَ أَشَهْبُ: يَبْدَأُ بِأَيَّتِهَا شَاءَ لِاخْتِلَافِ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي ذَلِكَ (وَلَوْ دَخَلَ) مِنْ سَفَرِهِ (لِخَمْسِ رَكَعَاتٍ) أَيْ وَإِذَا دَخَلَ وَقَدْ بَقِيَ مِنْ النَّهَارِ مِقْدَارُ مَا يُصَلِّي فِيهِ خَمْسَ رَكَعَاتٍ وَالْحَالُ أَنَّهُ لَمْ يُصَلِّ الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ (نَاسِيًا لَهُمَا صَلَّاهُمَا حَضَرِيَّتَيْنِ) لِأَنَّهُ مُدْرِكٌ لِوَقْتِهِمَا الظُّهْرِ بِأَرْبَعٍ

ــ

[حاشية العدوي]

عَلَيْهِ مَا عَلَيْهِ أَشْيَاخُ عج مِنْ أَنَّهُ إذَا نَوَى إقَامَةَ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ صِحَاحٍ فَإِنَّهُ يُتِمُّ مِنْ حِينِ دُخُولِهِ فِي الْمَحَلِّ الَّذِي نَوَى فِيهِ ذَلِكَ، فَإِذَا دَخَلَ وَقْتُ الظُّهْرِ أَتَمَّهُ وَأَتَمَّ الْعَصْرَ وَالْعِشَاءَ وَإِنْ كَانَ يَوْمَ دُخُولِهِ لَا يُحْسَبُ فِي الْأَيَّامِ الَّتِي يُقِيمُهَا وَلَا يُقَالُ: إنَّ فَرْضَ الْمَسْأَلَةِ فِيمَنْ نَوَى إقَامَةَ زَمَنٍ يُصَلِّي فِيهِ عِشْرِينَ صَلَاةً وَدَخَلَ وَقْتُ الظُّهْرِ؛ لِأَنَّهُ يُقْدَحُ فِيهِ.

قَوْلُهُ: وَإِنْ قَدَّرَ بِالْأَيَّامِ أَلْغَى الْيَوْمَ الَّذِي دَخَلَ فِيهِ وَقَصَرَ ظُهْرَ يَوْمِهِ وَعَصْرَهُ إذْ لَا خُصُوصِيَّةَ لِلدِّينِ بِالْقَصْرِ، بَلْ يَقْصُرُ مُدَّةَ إقَامَتِهِ فِي الْفَرْضِ الْمَذْكُورِ عِنْدَ هَذَا الْقَائِلِ وَعِنْدَ الْأَوَّلِ يُتِمُّ الْجَمِيعَ اهـ.

[قَوْلُهُ: وَالْفِعْلُ] وَهُوَ تَعَدِّي الْبَسَاتِينِ الْمَسْكُونَةِ [قَوْلُهُ: بِدَارِ الْحَرْبِ] الْمُرَادُ بِدَارِ الْحَرْبِ مَحَلُّ إقَامَةِ الْعَسْكَرِ وَلَوْ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ حَيْثُ لَا أَمْنَ وَأَفْهَمَ ذَلِكَ إتْمَامُ الْأَسِيرِ بِدَارِهِمْ، وَإِتْمَامُ الْعَسْكَرِ بِدَارِ الْإِسْلَامِ.

[قَوْلُهُ: وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ] أَيْ يُصَلِّيهِمَا سَفَرِيَّتَيْنِ [قَوْلُهُ: وَاخْتُلِفَ إلَخْ] أَيْ أَنَّهُ اُخْتُلِفَ هَلْ يُقَدَّرُ الظُّهْرُ فِي مَسْأَلَةِ الْحَاضِرِ إذَا سَافَرَ وَالْمُسَافِرِ إذَا قَدِمَ، فَقَالَ بِالْأَوَّلِ اللَّخْمِيُّ وَالْقَرَافِيُّ وَأَبُو الْحَسَنِ، وَقَالَ بِالثَّانِي آخَرُونَ.

وَمُفَادُ بَعْضٍ تَرْجِيحُهُ وَعَلَيْهِ ابْنُ عَرَفَةَ. وَقَوْلُهُ: إنْ لَمْ يَكُنْ عَلَى طَهَارَةٍ مَفْهُومُهُ لَوْ كَانَ عَلَى طَهَارَةٍ لَا يُعْتَبَرُ تَقْدِيرُ الظُّهْرِ بِفَرْضِ أَنْ لَوْ كَانَ غَيْرَ مُتَطَهِّرٍ.

وَانْظُرْ هَلْ يُعَوَّلُ عَلَيْهِ؟ [قَوْلُهُ: عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ] وَهُوَ الرَّاجِحُ [قَوْلُهُ: لِاخْتِلَافِ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي ذَلِكَ] أَيْ فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: يَبْدَأُ بِالْأُولَى، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَابْنِ شِهَابٍ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: يَبْدَأُ بِالْآخِرَةِ وَهُوَ قَوْلُ

<<  <  ج: ص:  >  >>