للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْإِمَامِ أَنَّهُ لَا يَجِبُ حُضُورُ الْخُطْبَةِ مِنْ أَوَّلِهَا لِأَنَّهُ إذَا كَانَ السَّعْيُ حِينَ يَجْلِسُ فَمَعْلُومٌ أَنَّهُ يَفُوتُهُ شَيْءٌ مِنْ الْخُطْبَةِ.

وَلَمَّا تَقَدَّمَ لَهُ ذِكْرُ الْأَذَانِ وَكَانَ لِلْجُمُعَةِ أَذَانَانِ أَحَدُهُمَا لَمْ يَكُنْ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْآخِرُ فِي زَمَنِهِ أَرَادَ أَنْ يُبَيِّنَ ذَا مِنْ ذَا فَقَالَ: (وَالسُّنَّةُ الْمُتَقَدِّمَةُ أَنْ يَصْعَدُوا) بِمَعْنَى يَرْتَفِعُوا أَيْ الْمُؤَذِّنُونَ (حِينَئِذٍ) أَيْ حِينَ جُلُوسِ الْإِمَامِ عَلَى الْمِنْبَرِ (عَلَى الْمَنَارِ فَيُؤَذِّنُونَ) أَرَادَ بِالسُّنَّةِ الْمُتَقَدِّمَةِ سُنَّةَ الصَّحَابَةِ إذْ لَمْ يَكُنْ فِي زَمَنِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَنَارٌ، وَإِنَّمَا كَانُوا يُؤَذِّنُونَ عِنْدَ بَابِ الْمَسْجِدِ قَالَهُ د: وَفِي كَلَامِ ك مُخَالَفَةٌ لَهُ اُنْظُرْهُ. (وَيَحْرُمُ حِينَئِذٍ) أَيْ حِينَ الْأَذَانِ بَيْنَ يَدَيْ الْإِمَامِ (الْبَيْعُ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى

ــ

[حاشية العدوي]

مُفَادُ ابْنِ عَرَفَةَ، فَحِينَئِذٍ يَكُونُ مُنَافِيًا لِقَوْلِهِ أَوَّلًا فِي مِقْدَارِ إلَخْ فَتَدَبَّرْ.

[قَوْلُهُ: أَنَّهُ لَا يَجِبُ حُضُورُ الْخُطْبَةِ مِنْ أَوَّلِهَا] يَرِدُ عَلَيْهِ أَنَّهُ إذَا كَانَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ فَلَا يَجِبُ عَلَى الْبَعِيدِ أَنْ يَسْعَى بِحَيْثُ يُدْرِكُ الزَّوَالَ كَمَا قَالَ أَوَّلًا فَهِيَ عِبَارَةٌ غَيْرُ مُحَرَّرَةٍ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا كُلَّهُ فِي غَيْرِ مَنْ تَنْعَقِدُ بِهِ الْجُمُعَةُ، وَأَمَّا مَنْ تَنْعَقِدُ بِهِ الْجُمُعَةُ فَيَجِبُ السَّعْيُ بِحَيْثُ يَسْمَعُ الْخُطْبَةَ مِنْ أَوَّلِهَا كَمَا هُوَ الْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ، فَلَا يُكْتَفَى بِحُضُورِ كُلِّهِمْ بَعْضَهَا وَلَا بِحُضُورِ بَعْضِهِمْ كُلَّهَا، فَإِذَا عَلِمْت ذَلِكَ فَنَقُولُ: الَّذِي يَتَحَرَّرُ أَنْ تَقُولَ مَا أَفَادَهُ مِنْ أَنَّهُ لَا يَجِبُ حُضُورُ الْخُطْبَتَيْنِ مِنْ أَوَّلِهِمَا مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ حُضُورَهُمَا لَيْسَ بِفَرْضِ عَيْنٍ عَلَى كُلِّ مَنْ يَجِبُ عَلَيْهِ الْجُمُعَةُ بَلْ هُوَ فَرْضُ كِفَايَةٍ إنْ زَادُوا عَلَى اثْنَيْ عَشَرَ، وَفَرْضُ عَيْنٍ إنْ لَمْ يَزِيدُوا عَلَيْهِ، فَحِينَئِذٍ يَجِبُ عَلَى كُلِّ شَخْصٍ أَنْ يَسْعَى بِحَيْثُ يُدْرِكُ سَمَاعَ الْخُطْبَتَيْنِ قَرُبَتْ دَارُهُ أَوْ بَعُدَتْ، وَلَا يَتَقَيَّدُ وُجُوبُ السَّعْيِ عَلَيْهِ بِالْأَذَانِ وَلَا بِالزَّوَالِ إلَّا عَلَى مَنْ عَلِمَ حُضُورَ الْقَدْرِ الَّذِي يَسْقُطُ بِهِ الْخِطَابُ بِفَرْضِ الْكِفَايَةِ، فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَسْعَى بِحَيْثُ يُدْرِكُ سَمَاعَ الْخُطْبَتَيْنِ، وَعَلَيْهِ يَأْتِي مَا قَدَّمْنَا عَنْ ابْنِ عَرَفَةَ مِنْ أَنَّهُ يَخْرُجُ عَنْ عُهْدَةِ الْوَاجِبِ بِإِدْرَاكِ رَكْعَةٍ فَقَطْ حَيْثُ حَضَرَ الْعَدَدُ الَّذِي تَنْعَقِدُ بِهِ، وَمَا أَفَادَهُ مِنْ قَوْلِهِ: يَجِبُ عَلَيْهِ السَّعْيُ فِي مِقْدَارِ مَا يَصِلُ إلَخْ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ حُضُورَ الْخُطْبَتَيْنِ فَرْضُ عَيْنٍ عَلَى كُلِّ مَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ، وَعَلَيْهِ فَيَجِبُ عَلَى كُلِّ شَخْصٍ أَنْ يَسْعَى بِحَيْثُ يُدْرِكُ الْخُطْبَتَيْنِ قَرُبَتْ دَارُهُ أَوْ بَعُدَتْ، وَلَا يَتَقَيَّدُ وُجُوبُ السَّعْيِ بِالْأَذَانِ وَلَا بِالزَّوَالِ خِلَافًا لِشَارِحِنَا فِي جَعْلِهِ ذَلِكَ فِي الَّذِي بَعُدَتْ دَارُهُ وَتَقْيِيدِهِ بِقَوْلِهِ: يَصِلُ عِنْدَ الزَّوَالِ.

[قَوْلُهُ: وَالسُّنَّةُ الْمُتَقَدِّمَةُ إلَخْ] أَيْ وَالطَّرِيقَةُ الْمَنْدُوبَةُ [قَوْلُهُ: أَيْ حِينَ جُلُوسِ الْإِمَامِ عَلَى الْمِنْبَرِ إلَخْ] حَاصِلُ كَلَامِ الشَّارِحِ عَلَى مُفَادِ زَرُّوقٍ أَنَّهُ كَانَ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَذَانٌ وَاحِدٌ يُفْعَلُ عِنْدَ بَابِ الْمَسْجِدِ، وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى الْمِنْبَرِ، ثُمَّ أَحْدَثَ سَيِّدُنَا عُثْمَانُ أَذَانًا آخَرَ يُفْعَلُ قَبْلَ هَذَا عَلَى الْمَنَارِ، وَأَنَّهُ يَكُونُ الْإِمَامُ جَالِسًا عَلَى الْمِنْبَرِ حِينَئِذٍ أَيْضًا. [قَوْلُهُ: وَفِي كَلَامِ الْفَاكِهَانِيِّ مُخَالَفَةٌ إلَخْ] فَإِنَّهُ قَالَ: قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: «كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إذَا دَخَلَ الْمَسْجِدَ رَقِيَ الْمِنْبَرَ فَجَلَسَ ثُمَّ يُؤَذِّنُ الْمُؤَذِّنُونَ وَكَانُوا ثَلَاثَةً يُؤَذِّنُونَ عَلَى الْمَنَارِ وَاحِدًا بَعْدَ وَاحِدٍ» فَإِذَا فَرَغَ الثَّالِثُ قَامَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَخْطُبُ وَكَذَا فِي زَمَنِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ، ثُمَّ لَمَّا كَثُرَتْ النَّاسُ أَمَرَ عُثْمَانُ بِإِحْدَاثِ أَذَانٍ سَابِقٍ عَلَى الَّذِي يُفْعَلُ عَلَى الْمَنَارِ وَأَمَرَهُمْ بِفِعْلِهِ عِنْدَ الزَّوَالِ عِنْدَ الزَّوْرَاءِ وَهُوَ مَوْضِعٌ بِالسُّوقِ لِيَجْتَمِعَ النَّاسُ وَيَرْتَفِعُوا مِنْ السُّوقِ، فَإِذَا خَرَجَ وَجَلَسَ عَلَى الْمِنْبَرِ أَذَّنَ الْمُؤَذِّنُونَ عَلَى الْمَنَارِ، ثُمَّ إنَّ هِشَامَ بْنَ عَبْدِ الْمَلِكِ فِي زَمَنِ إمَارَتِهِ نَقَلَ الْأَذَانَ الَّذِي كَانَ بِالزَّوْرَاءِ فَجَعَلَهُ مُؤَذِّنًا وَاحِدًا يُؤَذِّنُ عِنْدَ الزَّوَالِ عَلَى الْمَنَارِ، فَإِذَا خَرَجَ هِشَامٌ وَجَلَسَ عَلَى الْمِنْبَرِ أُذِّنَ أَوْ يُؤَذِّنُونَ كُلُّهُمْ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَإِذَا فَرَغُوا خَطَبَ وَلِهَذَا قَالَ ابْنُ الْجَلَّابِ: وَلَهَا أَذَانَانِ أَحَدُهُمَا عِنْدَ الزَّوَالِ وَالْآخَرُ عِنْدَ جُلُوسِ الْإِمَامِ عَلَى الْمِنْبَرِ اهـ. الْمُرَادُ مِنْهُ.

وَالْحَاصِلُ أَنَّ الَّذِي أَحْدَثَهُ عُثْمَانُ أَوَّلٌ فِي الْفِعْلِ وَثَانٍ فِي الْمَشْرُوعِيَّةِ وَهُوَ الْوَاقِعُ الْآنَ عَلَى الْمَنَارِ، وَالْوَاقِعُ بَيْنَ يَدَيْ الْخَطِيبِ ثَانٍ فِي الْفِعْلِ وَأَوَّلٌ فِي الْمَشْرُوعِيَّةِ؛ لِأَنَّ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْ الْمَشْرُوعِيَّةِ وَهُوَ الْوَاقِعُ الْآنَ عَلَى الْمَنَارِ، وَالْوَاقِعُ بَيْنَ يَدَيْ الْخَطِيبِ ثَانٍ فِي الْفِعْلِ وَأَوَّلٌ فِي الْمَشْرُوعِيَّةِ لِأَنَّ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْ الْخَطِيبِ الْآنَ هُوَ مَا كَانَ يُفْعَلُ عِنْدَ بَابِ الْمَسْجِدِ زَمَنَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -، وَحَوَّلَهُ هِشَامٌ بَيْنَ يَدَيْ الْخَطِيبِ، وَالْمُرَادُ بِالْمَنَارِ فِي كَلَامِ ابْنِ حَبِيبٍ

<<  <  ج: ص:  >  >>