للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{وَذَرُوا الْبَيْعَ} [الجمعة: ٩] فَإِنْ وَقَعَ الْبَيْعُ بَيْنَ اثْنَيْنِ تَلْزَمُهُمَا الْجُمُعَةُ أَوْ أَحَدُهُمَا فُسِخَ، فَإِنْ فَاتَ فَالْقِيمَةُ حِينَ قَبْضِهِ.

(وَ) كَذَلِكَ يَحْرُمُ حِينَئِذٍ (كُلُّ مَا يَشْغَلُ) بِفَتْحِ الْيَاءِ وَالْغَيْنِ (عَنْ السَّعْيِ إلَيْهَا) كَالْأَكْلِ وَالْخِيَاطَةِ وَالسَّفَرِ (وَهَذَا الْأَذَانُ الثَّانِي) فِي الْأَحْدَاثِ هُوَ الْأَوَّلُ فِي الْفِعْلِ (أَحْدَثَهُ بَنُو أُمَيَّةَ) يَعْنِي عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَهُوَ أَوَّلُ أُمَرَاءِ بَنِي أُمَيَّةَ، وَلَوْ صَرَّحَ بِاسْمِهِ لَكَانَ أُولَى لِأَنَّهُ أَمَسُّ فِي الِاقْتِدَاءِ وَسَمَّاهُ مُحْدِثًا لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِي الزَّمَنِ الْأَوَّلِ.

وَاعْلَمْ أَنَّ الْجُمُعَةَ لَهَا شَرَائِطُ وُجُوبٍ وَشَرَائِطُ أَدَاءِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ شَرَائِطَ الْوُجُوبِ مَا تَعْمُرُ بِهَا الذِّمَّةُ وَلَا يَجِبُ عَلَى الْمُكَلَّفِ تَحْصِيلُهَا، وَشَرَائِطُ الْأَدَاءِ مَا تَبْرَأُ بِهَا الذِّمَّةُ وَلَا يَجِبُ عَلَى الْمُكَلَّفِ تَحْصِيلُهَا، وَالْأُولَى عَشَرَةٌ:

ــ

[حاشية العدوي]

مَوْضِعُ التَّأْذِينِ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ الْفَاكِهَانِيُّ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ الْمَنَارُ الْمَعْهُودُ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمُرَادُهُ بِمَوْضِعِ التَّأْذِينِ عِنْدَ بَابِ الْمَسْجِدِ.

[قَوْلُهُ: أَيْ حِينَ الْأَذَانِ إلَخْ] الْمُعْتَبَرُ فِي الْأَذَانِ بِأَوَّلِهِ لَا بِتَمَامِهِ فَإِنْ كَبَّرَ الْمُؤَذِّنُ حَرُمَ الْبَيْعُ؛ لِأَنَّ التَّحْرِيمَ يَتَعَلَّقُ بِالنِّدَاءِ قَالَهُ سَنَدٌ.

[قَوْلُهُ: الْبَيْعُ] أَيْ وَالشِّرَاءُ عَلَى كُلِّ مَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ الْجُمُعَةُ مَعَ مِثْلِهِ أَوْ مَعَ مَنْ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ تَغْلِيبًا لِجَانِبِ الْحَظْرِ إلَّا مَنْ اُضْطُرَّ إلَيْهِ كَمَنْ أَحْدَثَ وَقْتَ النِّدَاءِ وَلَا يَجِدُ الْمَاءَ أَوْ الصَّعِيدَ إلَّا بِالثَّمَنِ فَيَجُوزُ كُلٌّ مِنْ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ إذَا كَانَ الْمَالِكُ مِمَّنْ لَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ الْبَيْعُ كَعَبْدٍ أَوْ صَبِيٍّ، وَأَمَّا إنْ لَمْ يَجِدْ الْمَاءَ إلَّا مَعَ مَنْ يَحْرُمُ عَلَيْهِ وَهُوَ الْمُخَاطَبُ بِحُضُورِ الْجُمُعَةِ وُجُوبًا فَهَلْ تَتَعَدَّى إلَيْهِ الرُّخْصَةُ وَيَجُوزُ لَهُ الْبَيْعُ لِضَرُورَةِ الْمُشْتَرِي أَوْ الرُّخْصَةُ قَاصِرَةٌ عَلَى الْمُشْتَرِي؟ تَرَدَّدَ فِي ذَلِكَ شُيُوخُ ابْنِ نَاجِي كَالْغُبْرِينِيِّ وَغَيْرِهِ. قُلْت: وَالظَّاهِرُ لِي الْأَوَّلُ كَمَا أَفَادَهُ تت لِأَنَّ هَذَا مِنْ بَابِ التَّعَاوُنِ عَلَى الْعِبَادَةِ، وَأَيْضًا فَالْبَيْعُ مَتَى جَازَ مِنْ أَحَدِ الطَّرَفَيْنِ جَازَ مِنْ الْآخَرِ وَمَتَى امْتَنَعَ امْتَنَعَ.

[قَوْلُهُ: فَإِنْ وَقَعَ الْبَيْعُ] ظَاهِرُهُ وَلَوْ كَانَا مَاشِيَيْنِ لِلْجَامِعِ، وَقَدْ قِيلَ بِذَلِكَ سَدًّا لِلذَّرِيعَةِ، وَقِيلَ: يَمْضِي حِينَئِذٍ لِكَوْنِهِ لَمْ يَشْغَلْهُمَا عَنْ السَّعْي، نَقَلَ ذَلِكَ ابْنُ عُمَرَ أَيْ وَأَمَّا لَوْ وَقَعَ بَيْنَ صَبِيَّيْنِ أَوْ عَبْدَيْنِ أَوْ عَبْدٍ وَصَبِيٍّ فَلَا سَبِيلَ لِلْفَسْخِ. [قَوْلُهُ: فَإِنْ فَاتَ إلَخْ] أَيْ بِمُفَوِّتٍ مِنْ الْمُفَوِّتَاتِ.

وَقَوْلُهُ: فَالْقِيمَةُ حِينَ قَبَضَهُ أَيْ فَالْقِيمَةُ مُعْتَبَرَةٌ حِينَ قَبَضَ الْمَبِيعَ وَهَذَا مُسْتَثْنَى مِنْ قَاعِدَةِ أَنَّ الْمُخْتَلَفَ فِيهِ يَمْضِي بِالثَّمَنِ وَهَذَا قَدْ مَضَى بِالْقِيمَةِ [قَوْلُهُ: كَالْأَكْلِ] أَدْخَلَتْ الْكَافُ الشَّرِكَةَ وَالْهِبَةَ وَالصَّدَقَةَ وَالْأَخْذَ بِالشُّفْعَةِ. [قَوْلُهُ: وَالسَّفَرِ] أَيْ وَأَمَّا السَّفَرُ قَبْلَ الْفَجْرِ فَهُوَ جَائِزٌ وَبَعْدَ الْفَجْرِ وَقَبْلَ الزَّوَالِ مَكْرُوهٌ، وَمَحَلُّ ذَلِكَ كُلِّهِ مَا لَمْ يَعْلَمْ أَنْ يُدْرِكَهَا فِي طَرِيقِهِ كَمُرُورٍ بِمَحَلِّ جُمُعَةٍ وَإِلَّا جَازَ لَهُ السَّفَرُ، وَلَوْ بَعْدَ الزَّوَالِ وَكَذَا إذَا اُضْطُرَّ لِلسَّيْرِ.

تَنْبِيهٌ:

إذَا وَقَعَ شَيْءٌ مِنْ تِلْكَ الْمَذْكُورَاتِ فَإِنَّهُ يُفْسَخُ كُلُّ مَا فِيهِ مُعَاوَضَةٌ مَالِيَّةٌ كَالتَّوْلِيَةِ لَا نَحْوُ النِّكَاحِ وَالْهِبَةِ لِغَيْرِ الثَّوَابِ وَالصَّدَقَةِ وَالْعِتْقِ، وَلَوْ كِتَابَةً لِأَنَّهَا عِتْقٌ فَلَا يُفْسَخُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ وَإِنْ حَرُمَ.

[قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ أَمَسُّ فِي الِاقْتِدَاءِ] أَيْ أَنْسَبُ

[قَوْلُهُ: وَشَرَائِطُ أَدَاءِ] أَيْ صِحَّةِ [قَوْلُهُ: أَنَّ شَرَائِطَ الْوُجُوبِ مَا تَعْمُرُ بِهَا الذِّمَّةُ] الذِّمَّةُ وَصَفٌّ قَائِمٌ بِالشَّخْصِ وَيَقْبَلُ الْإِلْزَامَ وَالِالْتِزَامَ، وَالْمُرَادُ أَنَّ الذِّمَّةَ تَصِيرُ عَامِرَةً لَيْسَتْ بِخَالِيَةٍ بِسَبَبِ تِلْكَ الْأَوْصَافِ كَعَمُرَ الْمَنْزِلُ بِأَهْلِهِ. وَقَوْلُهُ: وَلَا يَجِبُ عَلَى الْمُكَلَّفِ تَحْصِيلُهُمَا إمَّا لِكَوْنِ الشَّخْصِ لَيْسَتْ تِلْكَ الْأُمُورِ فِي قُدْرَتِهِ وَإِمَّا لِكَوْنِ الشَّارِعِ لَمْ يُوجِبْهَا عَلَيْهِ.

[قَوْلُهُ: مَا تَبْرَأُ بِهَا الذِّمَّةُ] أَيْ تَبْرَأُ الذِّمَّةُ بِسَبَبِهَا أَيْ بِسَبَبِ حُصُولِهَا [قَوْلُهُ: الْإِعْلَامُ] الْأَوْلَى الْعِلْمُ؛ إذْ لَيْسَ الْمُرَادُ الْإِعْلَامَ لِلْغَيْرِ، وَهَذِهِ الْأَرْبَعَةُ الْأُوَلُ لَيْسَتْ خَاصَّةً بِهَا بَلْ جَارِيَةً فِي غَيْرِهَا مِنْ الصَّلَوَاتِ الْمَفْرُوضَاتِ الَّتِي لَهَا وَقْتٌ، وَالْقَاعِدَةُ أَنَّهُ لَا يُعَدُّ مِنْ شُرُوطِ الشَّيْءِ إلَّا مَا كَانَ خَاصًّا بِهِ.

تَنْبِيهٌ:

الصَّحِيحُ أَنَّ دُخُولَ الْوَقْتِ سَبَبٌ لَا شَرْطٌ.

<<  <  ج: ص:  >  >>