أَشْرَفُ مَا يَتَزَيَّنُ بِهِ، وَجَعَلَ مُتَعَلِّقَ السَّعَادَةِ الِاعْتِقَادَ وَالْمُرَادُ بِهِ هُنَا الْإِخْلَاصُ وَالْمُرَادُ بِالسَّعَادَةِ هُنَا فِي الدُّنْيَا بِامْتِثَالِ الْأَوَامِرِ وَاجْتِنَابِ الْمَنْهِيَّاتِ، وَفِي الْآخِرَةِ بِالتَّمَتُّعِ فِي الْجَنَّةِ. (وَقَدْ جَاءَ أَنْ يُؤْمَرُوا) أَيْ الصِّغَارُ «بِالصَّلَاةِ لِسَبْعِ سِنِينَ وَيُضْرَبُوا عَلَيْهَا لِعَشْرٍ وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُمْ فِي الْمَضَاجِعِ» رَوَاهُ ابْنُ وَهْبٍ فِي الْمُدَوَّنَةِ. (ع) ذَكَرَهُ دَلِيلًا عَلَى قَوْلِهِ
وَأَوْلَى مَا عُنِيَ بِهِ النَّاصِحُونَ وَكَوْنُهُمْ مَأْمُورِينَ بِالصَّلَاةِ لِسَبْعِ سِنِينَ، قَالَ بِهِ مَالِكٌ وَابْنُ الْقَاسِمِ، فَإِنْ قِيلَ: إنَّ الصَّبِيَّ غَيْرُ مُكَلَّفٍ فَكَيْفَ يُخَاطَبُ بِالصَّلَاةِ؟ قُلْت: أُجِيبَ بِأَنَّ الصَّبِيَّ غَيْرُ مُخَاطَبٍ مِنْ جِهَةِ الشَّرْعِ، وَإِنَّمَا يُخَاطَبُ بِالشَّرْعِ الْوَلِيُّ لِيَأْمُرَ الصَّبِيَّ بِالصَّلَاةِ، أَوْ بِأَنَّ الصَّبِيَّ غَيْرُ مُخَاطَبٍ خِطَابَ تَكْلِيفٍ بَلْ خِطَابَ تَأْدِيبٍ، وَالْأَمْرُ فِي الْحَدِيثِ مَحْمُولٌ عَلَى النَّدْبِ عَلَى الْمَشْهُورِ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ الْوَلِيُّ ذَلِكَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا تَرَكَ
ــ
[حاشية العدوي]
الْعِلْمِ أَوْ فِي الْعِلْمِ مَا عَدَا هَذَا اُنْظُرْ الْمِصْبَاحَ. [قَوْلُهُ: وَجَعَلَ مُتَعَلِّقَ السَّعَادَةِ الِاعْتِقَادَ] حَقُّهُ أَنْ يَزِيدَ وَالْعَمَلَ؛ لِأَنَّ مُتَعَلِّقَ السَّعَادَةِ الْأَمْرَانِ الْمَذْكُورَانِ لَا الِاعْتِقَادُ وَحْدَهُ، وَقَضِيَّتُهُ أَنَّ السَّعَادَةَ الدُّنْيَوِيَّةَ غَيْرُ الِاعْتِقَادِ مَعَ أَنَّهَا نَفْسُ الِاعْتِقَادِ وَالْعَمَلِ.
[قَوْلُهُ: وَالْمُرَادُ بِهِ هُنَا الْإِخْلَاصُ إلَخْ] قَالَ عج: وَتَفْسِيرُهُ بِالْإِخْلَاصِ أَيْ كَمَا قَالَ الشَّارِحُ لَيْسَ بِمُتَعَيَّنٍ، إذْ يَجُوزُ إبْقَاؤُهُ عَلَى مَعْنَاهُ الْمُتَبَادَرُ مِنْهُ أَيْ الِاعْتِقَادُ فِيمَا يُطْلَبُ اعْتِقَادُهُ وَالْعَمَلُ أَيْ فِيمَا يَعْمَلُ، وَالْمُرَادُ الْعَمَلُ عَلَى وَجْهِ الْإِخْلَاصِ؛ لِأَنَّهُ الَّذِي يَحْصُلُ بِهِ السَّعَادَةُ اهـ. الْمُرَادُ مِنْهُ.
[قَوْلُهُ: فِي الدُّنْيَا] حَالٌ مِنْ السَّعَادَةِ، وَقَوْلُهُ: بِامْتِثَالِ إلَخْ الْبَاءُ لِلتَّصْوِيرِ وَفِي الْعِبَارَةِ حَذْفٌ وَالتَّقْدِيرُ شَيْءٌ مُصَوَّرٌ بِامْتِثَالِ الْأَوَامِرِ، وَكَذَا يُقَالُ فِي قَوْلِهِ بِالتَّمَتُّعِ فِي الْجَنَّةِ. [قَوْلُهُ: لِسَبْعِ سِنِينَ] أَيْ لِلدُّخُولِ فِيهَا، وَقَوْلُهُ: لِعَشْرٍ لِلدُّخُولِ فِيهَا. [قَوْلُهُ: رَوَاهُ ابْنُ وَهْبٍ] هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ مِنْ كِبَارِ أَصْحَابِ مَالِكٍ كَانَتْ الْهَدِيَّةُ تَأْتِي لِمَالِكٍ بِالنَّهَارِ فَيُهْدِيهَا لَهُ بِاللَّيْلِ.
وَقَالَ مَالِكٌ: ابْنُ وَهْبٍ عَالِمٌ وَابْنُ الْقَاسِمِ فَقِيهٌ. [قَوْلُهُ: دَلِيلًا إلَخْ] هُوَ أَخَصُّ مِنْ الْمُدَّعَى
[قَوْلُهُ: قَالَ بِهِ مَالِكٌ وَابْنُ الْقَاسِمِ] وَمُقَابِلُهُ مَا قَالَهُ يَحْيَى بْنُ عُمَرَ مِنْ أَنَّهُ يُؤْمَرُ بِهَا إذَا عَرَفَ يَمِينَهُ مِنْ شِمَالِهِ.
وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ ابْنِ الْمَاجِشُونِ: يُؤْمَرُ بِهَا إذَا أَطَاقَهَا وَإِنْ لَمْ يَحْتَلِمْ اهـ.
[قَوْلُهُ: فَكَيْفَ يُخَاطَبُ بِالصَّلَاةِ] أَيْ فَكَيْفَ يُخَاطِبُهُ الشَّرْعُ بِالصَّلَاةِ.، [قَوْلُهُ: غَيْرُ مُخَاطَبٍ مِنْ جِهَةِ الشَّرْعِ] جَوَابٌ بِالْمَنْعِ هَذَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْأَمْرَ بِالْأَمْرِ بِالشَّيْءِ لَيْسَ أَمْرًا بِذَلِكَ الشَّيْءِ، وَالصَّحِيحُ خِلَافُهُ وَهُوَ أَنَّ الْأَمْرَ بِالْأَمْرِ بِالشَّيْءِ أَمْرٌ بِذَلِكَ الشَّيْءِ وَأَنَّ كُلًّا مِنْ الصَّبِيِّ وَالْوَلِيِّ مُخَاطَبٌ مِنْ جِهَةِ الشَّرْعِ أَيْ النَّدْبِ وَالْكَرَاهَةِ، وَيَظْهَرُ أَنْ لَا ثَوَابَ لِلصَّبِيِّ عَلَى جَوَابِ الشَّارِحِ الْمَذْكُورِ إذْ الثَّوَابُ يَتْبَعُ الْأَمْرَ وَلَا أَمْرَ يَتَعَلَّقُ بِالصَّبِيِّ فَلَا ثَوَابَ، وَالصَّحِيحُ أَنَّ الصَّبِيَّ تُكْتَبُ لَهُ الْحَسَنَاتُ لِمَا تَقَدَّمَ أَنَّهُ الصَّحِيحُ. وَقَوْلُهُ: مِنْ جِهَةِ الشَّرْعِ أَيْ وَإِنَّمَا هُوَ مُخَاطَبٌ مِنْ جِهَةِ الْوَلِيِّ.
[قَوْلُهُ: وَإِنَّمَا يُخَاطَبُ إلَخْ] هَذَا إذَا كَانَ ثَمَّ وَلِيٌّ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ وَلِيٌّ تَعَلَّقَ الْأَمْرُ بِالْحَاكِمِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ تَعَلَّقَ بِجَامِعَةِ الْمُسْلِمِينَ. [قَوْلُهُ: أَوْ بِأَنَّ الصَّبِيَّ غَيْرُ مُخَاطَبٍ] جَوَابٌ بِالتَّسْلِيمِ أَيْ بِتَسْلِيمِ أَنَّهُ مُخَاطَبٌ مِنْ جِهَةِ الشَّرْعِ لَكِنْ لَا عَلَى وَجْهِ التَّكْلِيفِ بَلْ عَلَى وَجْهِ التَّأْدِيبِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْأَمْرَ بِالْأَمْرِ بِالشَّيْءِ أَمْرٌ بِذَلِكَ الشَّيْءِ وَإِنْ اخْتَلَفَ حَالُ الْآمِرِ فَهُوَ بِالنِّسْبَةِ لِلصَّبِيِّ تَأْدِيبٌ وَلِلْوَلِيِّ تَكْلِيفٌ، وَلَا ثَوَابَ لِلصَّبِيِّ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ أَيْضًا، وَمُلَخَّصُهُ أَنَّ هَذَيْنِ الْجَوَابَيْنِ مُتَّفِقَانِ عَلَى أَنَّ الصَّبِيَّ مُخَاطَبٌ خِطَابَ تَأْدِيبٍ، وَالْخِلَافُ بَيْنَهُمَا فِي الْمُخَاطِبِ لَهُ فَعَلَى الْأَوَّلِ الْوَلِيُّ وَاعْتُرِضَ عَلَى هَذَا الْجَوَابِ الْأَوَّلِ بِأَنَّ الْوَلِيَّ: إمَّا أَنْ يَكُونَ خِطَابُهُ أَصَالَةً أَوْ نِيَابَةً لَا جَائِزٌ أَنْ يَكُونَ أَصَالَةً إذْ الْإِنْسَانُ لَا يُخَاطَبُ بِعَمَلِ غَيْرِهِ، فَلَمْ يَبْقَ إلَّا أَنْ يَكُونَ نِيَابَةً عَنْ الصَّبِيِّ وَالصَّبِيُّ غَيْرُ مُخَاطَبٍ أَيْ مِنْ جِهَةِ الشَّرْعِ فَعَادَ السُّؤَالُ، وَعَلَى الثَّانِي الشَّرْعُ هَذَا وَالْحَقُّ مَا قُلْنَا سَابِقًا أَنَّ الْأَمْرَ بِالْأَمْرِ بِالشَّيْءِ أَمْرٌ بِذَلِكَ الشَّيْءِ، وَأَنَّ الصَّبِيَّ مُخَاطَبٌ مِنْ جِهَةِ الشَّرْعِ وَيُثَابُ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَلِذَلِكَ قَالَ الْقَرَافِيُّ: الْحَقُّ أَنَّ الْبُلُوغَ لَيْسَ شَرْطًا فِي الْخِطَابِ بِالنَّدْبِ وَالْكَرَاهَةِ خِلَافًا لِمَنْ زَعَمَهُ إنَّمَا هُوَ شَرْطٌ فِي التَّكْلِيفِ بِالْوُجُوبِ وَالْحُرْمَةِ اهـ.
[قَوْله: مَحْمُولٌ عَلَى