مُسْتَحَبًّا وَإِنَّمَا أُمِرَ الصَّبِيُّ بِالصَّلَاةِ دُونَ الصِّيَامِ؛ لِأَنَّ الصَّلَاةَ تَتَكَرَّرُ كُلَّ يَوْمٍ فَالْحَاجَةُ إلَيْهَا أَشَدُّ وَالضَّرْبُ عَلَيْهَا لِعَشْرِ سِنِينَ.
قَالَ بِهِ ابْنُ قَاسِمٍ وَهُوَ غَيْرُ مَحْدُودٍ ضَرْبًا غَيْرَ مُبَرِّحٍ، وَاخْتُلِفَ فِي الْوَقْتِ الَّذِي تَكُونُ فِيهِ التَّفْرِقَةُ بَيْنَهُمْ، فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إذَا بَلَغُوا سَبْعَ سِنِينَ.
وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ: إذَا بَلَغُوا عَشْرَ سِنِينَ لِظَاهِرِ الْحَدِيثِ، وَالْمُرَادُ بِالتَّفْرِيقِ هُنَا التَّفْرِيقُ بِالْأَثْوَابِ، وَإِنْ كَانُوا فِي لِحَافٍ وَاحِدٍ، وَالتَّفْرِقَةُ بَيْنَهُمْ عَلَى جِهَةِ الِاسْتِحْبَابِ كَالصَّلَاةِ، وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْأَمْرَ لِلنَّدَبِ قَوْلُهُ: (فَكَذَلِكَ يَنْبَغِي أَنْ يَعْلَمُوا) أَيْ الصِّغَارُ (مَا فَرَضَ اللَّهُ عَلَى الْعِبَادِ) الْمُكَلَّفِينَ (مِنْ قَوْلٍ) وَهُوَ شَهَادَةُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ وَقِرَاءَةُ أُمِّ الْقُرْآنِ فِي الصَّلَاةِ.
(وَ) مِنْ (عَمَلٍ) وَهُوَ
ــ
[حاشية العدوي]
النَّدْبِ عَلَى الْمَشْهُورِ] وَمُقَابِلُهُ مَا لِابْنِ بَطَّالٍ مِنْ أَنَّ أَمْرَ الشَّارِعِ لِلْوَلِيِّ أَمْرُ إيجَابٍ، فَإِنْ لَمْ يَأْمُرْ الْوَلِيُّ الْأَوْلَادَ يَأْثَمُ بِتَرْكِهِ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ.
[قَوْلُهُ: دُونَ الصِّيَامِ] أَيْ فَلَمْ يُؤْمَرْ بِهِ فَلَا ثَوَابَ لَهُ إذْ الثَّوَابُ فِي فِعْلِ الْمَطْلُوبِ لَا فِي فِعْلِ الْمُبَاحِ وَلَا لِلْمَنْهِيِّ عَنْهُ، هَذَا وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ شَارِحَنَا غَايَةُ مَا أَفَادَ نَفْيَ الْأَمْرِ، وَالْجَوَازُ وَعَدَمُهُ شَيْءٌ آخَرُ بَيَّنَهُ بَعْضُهُمْ بِقَوْلِهِ: وَأَمَّا الصِّيَامُ فَلَا يُنْدَبُ بَلْ يَجُوزُ عَلَى مَا يَظْهَرُ لِمَشَقَّتِهِ، وَالْوَلِيُّ لَا يَجُوزُ لَهُ إلْزَامُ الصَّبِيِّ مَا فِي فِعْلِهِ مَشَقَّةٌ. [قَوْلُهُ: فَالْحَاجَةُ إلَيْهَا أَشَدُّ] أَيْ إلَى حِفْظِهَا أَقْوَى؛ لِأَنَّ الْمُتَكَرِّرَ شَأْنُهُ الثِّقَلُ عَلَى النَّفْسِ فَيَحْتَالُ فِي تَحْصِيلِهِ بِالْأَمْرِ بِهِ نَدْبًا قَبْلَ وَقْتِهِ لِأَجْلِ التَّمَرُّنِ وَالِاعْتِيَادِ فَلَا يَحْصُلُ ثِقَلٌ فِي وَقْتِهِ فَتَدَبَّرْ.
[قَوْلُهُ: وَالضَّرْبُ عَلَيْهَا لِعَشْرِ سِنِينَ] أَيْ حَيْثُ ظَنَّ الْإِفَادَةَ وَإِلَّا فَيَضْرِبْ؛ لِأَنَّ الْوَسِيلَةَ إذَا لَمْ يَتَرَتَّبْ عَلَيْهَا مَقْصِدُهَا لَا تُشْرَعُ. [قَوْلُهُ: وَهُوَ غَيْرُ مَحْدُودٍ] أَيْ فَالْعِبْرَةُ بِحَالِ الصِّبْيَانِ، فَقَدْ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: قَدْ شَاهَدْت غَيْرَ وَاحِدٍ مِنْ الْمُعَلِّمِينَ الصُّلَحَاءَ يَضْرِبُ نَحْوَ الْعِشْرِينَ وَأَزْيَدَ اهـ.
[قَوْلُهُ غَيْرَ مُبَرِّحٍ] وَهُوَ الَّذِي لَا يَكْسِرُ عَظْمًا وَلَا يَهْشِمُ لَحْمًا وَلَا يَشِينُ جَارِحَةً، وَمَحَلُّ الضَّرْبِ عِنْدَ الْعَشْرِ إذَا دَخَلَ فِيهَا وَلَمْ يَمْتَثِلْ بِالْقَوْلِ. [قَوْلُهُ: وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ إذَا بَلَغُوا عَشْرَ سِنِينَ] وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ. [قَوْلُهُ: التَّفْرِيقُ بِالْأَثْوَابِ] ظَاهِرُهُ بِأَنْ يَكُونَ لِكُلِّ شَخْصٍ ثَوْبٌ، فَلَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا لَابِسًا ثَوْبًا وَالْآخَرُ غَيْرَ لَابِسٍ لَمْ يَكْفِ فِي التَّفْرِقَةِ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ. كَمَا قَالَ عج، أَقُولُ: وَكَمَا هُوَ ظَاهِرُ النَّقْلِ عَنْ ابْنِ حَبِيبٍ لَكِنْ نَقَلَ عج عَنْ بَعْضِهِمْ مَا يُفِيدُ الِاكْتِفَاءَ بِثَوْبٍ وَاحِدٍ وَيُؤَيِّدُهُ بَعْضُ الشُّرَّاحِ، وَمَا ذَكَرَهُ عج مِنْ أَنَّ سَبَبَ التَّفْرِيقِ مَخَافَةَ أَنْ يَأْنَسُوا بِمَا يَحْصُلُ مِنْ الِالْتِذَاذِ عِنْدَ بُلُوغِهِمْ وَهُوَ الظَّاهِرُ.
[قَوْلُهُ: وَالتَّفْرِقَةُ بَيْنَهُمْ عَلَى جِهَةِ الِاسْتِحْبَابِ] أَيْ وَهِيَ مُتَعَلِّقَةٌ بِالْوَلِيِّ وَعَدَمُهَا يُكْرَهُ وَهُوَ أَيْضًا مُتَعَلِّقَةٌ بِالْوَلِيِّ. [قَوْلُهُ: وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْأَمْرَ لِلنَّدَبِ قَوْلُهُ فَكَذَلِكَ إلَخْ] أَيْ مِنْ حَيْثُ الْإِتْيَانُ فَيَنْبَغِي فِي التَّنْظِيرِ وَإِنْ كَانَ هَذَا مُتَعَلِّقًا بِتَعْلِيمِهِمْ لِلْفُرُوضِ لَا بِأَمْرِهِمْ بِتَحْصِيلِهَا، وَإِنْ كَانَ الْقَصْدُ مِنْ التَّعَلُّمِ التَّحْصِيلُ وَتَوْضِيحُ ذَلِكَ أَنَّ الْقَوْلَ كَالشَّهَادَتَيْنِ يُعَلَّمُونَهُ لِأَجْلِ أَنْ تَكَرَّرَ عَلَى لِسَانِهِمْ وَهُوَ التَّحْصِيلُ بِالنِّسْبَةِ لَهُ وَقِرَاءَةُ أُمِّ الْقُرْآنِ يُعَلَّمُونَهَا لِأَجْلِ تَحْصِيلِهَا مِنْ قِرَاءَتِهَا فِي الصَّلَاةِ، وَأَنَّ الْعَمَلَ كَالصَّلَاةِ يُعَلَّمُونَهَا لِأَجْلِ تَحْصِيلِهَا وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَالِاعْتِقَادَاتُ يُعَلَّمُونَهَا لِأَجْلِ كَثْرَةِ وُرُودِهَا عَلَى الْقَلْبِ الَّذِي هُوَ عَمَلٌ بِالنِّسْبَةِ لَهَا، نَعَمْ يُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ الصَّوْمُ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُمْ يُعَلَّمُونَهُ وَلَا يُقْصَدُ تَحْصِيلُهُ لِمَا تَقَدَّمَ، وَعِبَارَةُ تَحْقِيقِ الْمَبَانِي وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْأَمْرَ فِي الْحَدِيثِ عِنْدَهُ لِلنَّدْبِ عَطْفُهُ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: فَكَذَلِكَ إلَخْ، ثُمَّ أَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ هَذَا مُكَرَّرٌ مَعَ قَوْلِهِ أَوَّلًا وَأَوْلَى مَا عُنِيَ بِهِ النَّاصِحُونَ إلَخْ بَلْ هُوَ أَبْلَغُ مِنْ هَذَا. [قَوْلُهُ: الْمُكَلَّفِينَ] إشَارَةٌ إلَى التَّخْصِيصِ فِي الْعِبَادِ لَا كُلِّ الْعِبَادِ فَإِنَّ الْفَرْضَ إنَّمَا يَتَعَلَّقُ بِالْمُكَلَّفِينَ إلَّا أَنَّ الْمَلَائِكَةَ مُكَلَّفُونَ مِنْ أَوَّلِ الْفِطْرَةِ قَطْعًا وَكَذَا آدَم وَحَوَّاءُ، وَأَوْلَادُ آدَمَ إنَّمَا كُلِّفُوا عِنْدَ الْبُلُوغِ وَفِي الْجِنِّ نِزَاعٌ، وَاسْتَظْهَرَ ابْنُ جَمَاعَةَ كَمَا ذَكَرَهُ عج أَنَّهُمْ مُكَلَّفُونَ مِنْ أَوَّلِ الْفِطْرَةِ [قَوْلُهُ: مِنْ قَوْلٍ] الْمُرَادُ بِهِ الْحَاصِلُ بِالْمَصْدَرِ لَا الْمَصْدَرُ وَلَا الْمَقُولُ؛ لِأَنَّ الْحَاصِلَ بِالْمَصْدَرِ هُوَ الَّذِي يَتَّصِفُ بِالْفَرْضِيَّةِ وَلَا عِبْرَةَ بِمَنْ يَتَوَهَّمُ خِلَافَ ذَلِكَ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ لِمَنْ وَقَفَ عَلَى التَّحْقِيقِ.
[قَوْلُهُ: وَهُوَ شَهَادَةُ] أَيْ التَّلَفُّظُ بِاللِّسَانِ بِأَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ إلَخْ