(وَلَا يُغَسَّلُ الشَّهِيدُ فِي الْمُعْتَرَكِ) وَهُوَ مَنْ مَاتَ بِسَيْفِ الْقِتَالِ مَعَ الْكُفَّارِ فِي وَقْتِ قِيَامِ الْقِتَالِ.
(وَ) كَذَلِكَ (لَا يُصَلَّى عَلَيْهِ) ظَاهِرُ كَلَامِهِ وَلَوْ قَتَلَهُ الْعَدُوُّ فِي بِلَادِ الْإِسْلَامِ وَهُوَ الْمَشْهُورُ، وَظَاهِرٌ أَيْضًا وَلَوْ لَمْ يُقَاتِلْ نَائِمًا كَانَ أَوْ غَيْرَ نَائِمٍ وَهُوَ كَذَلِكَ، وَظَاهِرُهُ أَيْضًا وَلَوْ كَانَ جُنُبًا، وَشَهَرَهُ صَاحِبُ الْمُخْتَصَرِ. ابْنُ شَاسٍ: فَإِنْ رُفِعَ مِنْ الْمُعْتَرَكِ حَيًّا ثُمَّ مَاتَ فَالْمَشْهُورُ يُغَسَّلُ وَيُصَلَّى عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ لَمْ يَبْقَ فِيهِ إلَّا مَا يَكُونُ مِنْ غَمْرَةِ الْمَوْتِ وَلَمْ يَأْكُلْ وَلَمْ يَشْرَبْ (وَ) كَمَا أَنَّهُ لَا يُغَسَّلُ وَلَا يُصَلَّى عَلَيْهِ (يُدْفَنُ بِثِيَابِهِ) وَلَا يُزَادُ عَلَيْهَا شَيْءٌ، فَإِنْ قَصُرَتْ ثِيَابُهُ عَنْ السِّتْرِ زِيدَ عَلَيْهَا مَا يَسْتُرُهُ بِلَا خِلَافٍ، وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ إلَّا دُونَ ذَلِكَ غُطِّيَ مِنْ سُرَّتِهِ إلَى رُكْبَتَيْهِ وَإِنَّمَا لَمْ يُغَسَّلْ الشَّهِيدُ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «زَمِّلُوهُمْ بِثِيَابِهِمْ اللَّوْنُ لَوْنُ الدَّمِ وَالرِّيحُ رِيحُ الْمِسْكِ» وَإِنَّمَا لَمْ يُصَلَّ عَلَيْهِ لِمَا قِيلَ لِمَالِكٍ أَبَلَغَك «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى عَلَى حَمْزَةَ فَكَبَّرَ سَبْعِينَ تَكْبِيرَةً» قَالَ: لَا وَلَا أَنَّهُ صَلَّى عَلَى أَحَدٍ مِنْ الشُّهَدَاءِ. وَاحْتُرِزَ بِقَوْلِهِ: فِي الْمُعْتَرَكِ مِنْ غَيْرِهِ مِنْ الشُّهَدَاءِ كَالْمَطْعُونِ وَالْغَرِيقِ وَالْمَبْطُونِ وَالْحَرِيقِ فَإِنَّهُمْ يُغَسَّلُونَ وَيُكَفَّنُونَ وَيُصَلَّى عَلَيْهِمْ.
ــ
[حاشية العدوي]
قَوْلُهُ: وَلَا يُغَسَّلُ إلَخْ] أَيْ يَحْرُمُ تَغْسِيلُهُ سَوَاءٌ قَاتَلَ لِإِعْلَاءِ كَلِمَةِ اللَّهِ أَوْ لِلْغَنِيمَةِ. [قَوْلُهُ: وَهُوَ مَنْ مَاتَ بِسَيْفِ الْقِتَالِ] أَيْ الْمُهَيَّأِ بِالْفِعْلِ لِلْقِتَالِ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ وُجُودُ قِتَالٍ بِالْفِعْلِ فَلِذَلِكَ احْتَاجَ لِقَوْلِهِ: فِي وَقْتِ قِيَامِ الْقِتَالِ.
وَقَوْلُهُ: مَعَ الْكُفَّارِ مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ الْقِتَالُ وَلَا مَفْهُومَ لِقَوْلِهِ بِسَيْفِ إلَخْ إذْ مِثْلُهُ مَنْ دَاسَتْهُ الْخَيْلُ أَوْ سَقَطَ عَنْ دَابَّتِهِ أَوْ حَمَلَ عَلَى الْعَدُوِّ فَتَرَدَّى فِي بِئْرٍ أَوْ سَقَطَ مِنْ شَاهِقٍ. [قَوْلُهُ: وَلَوْ قَتَلَهُ الْعَدُوُّ إلَخْ] وَمُقَابِلُهُ يَقُولُ: إذَا كَانَ فِي بَلَدِ الْإِسْلَامِ يُغَسَّلُ وَيُصَلَّى عَلَيْهِ لِأَنَّ دَرَجَتَهُ انْحَطَّتْ عَنْ الشَّهِيدِ الَّذِي دَخَلَ بِلَادَ الْعَدُوِّ.
[قَوْلُهُ: وَلَوْ كَانَ جُنُبًا] وَالْمُقَابِلُ يَقُولُ إذَا كَانَ جُنُبًا يُغَسَّلُ وَيُصَلَّى عَلَيْهِ. [قَوْلُهُ: فَإِنْ رُفِعَ مِنْ الْمُعْتَرَكِ حَيًّا ثُمَّ مَاتَ] أَيْ فِي أَهْلِهِ أَوْ فِي أَيْدِي الرِّجَالِ فَإِنَّهُ يُغَسَّلُ وَيُصَلَّى عَلَيْهِ، وَلَوْ كَانَ حِينَ الرَّفْعِ مَنْفُوذَ الْمَقَاتِلِ. [قَوْلُهُ: إلَّا أَنْ يَكُونَ لَمْ يَبْقَ فِيهِ إلَخْ] أَيْ سَوَاءٌ أُنْفِذَتْ مُقَاتِلُهُ أَمْ لَا، وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ مَتَى كَانَ مَغْمُورًا لَا يُغَسَّلُ وَلَا يُصَلَّى عَلَيْهِ أُنْفِذَتْ مُقَاتِلُهُ أَمْ لَا، وَمَتَى رُفِعَ حَيًّا غُسِّلَ وَصُلِّيَ عَلَيْهِ مَنْفُوذَ الْمُقَاتِلِ أَمْ لَا. هَذَا مُحَصَّلُ ذَلِكَ الْقَوْلِ عَلَى مَا يُسْتَفَادُ مِنْ بَعْضِ شُرُوحِ الْعَلَّامَةِ خَلِيلٍ، وَلَكِنَّ الْمَذْهَبَ أَنَّ مَنْفُوذَهَا لَا يُغَسَّلُ رُفِعَ مَغْمُورًا أَمْ لَا وَكَذَا غَيْرُ مَنْفُوذِهَا وَهُوَ مَغْمُورٌ.
تَنْبِيهٌ:
سُمِّيَ الشَّهِيدُ شَهِيدًا لِأَنَّ رُوحَهُ شَهِدَتْ دَارَ السَّلَامِ وَدَخَلَهَا قَبْلَ الْقِيَامَةِ بِخِلَافِ رُوحِ غَيْرِهِ لَا تَدْخُلُ الْجَنَّةَ إلَّا بَعْدَ دُخُولِ صَاحِبِهَا وَهُوَ بَعْدَ الْقِيَامَةِ.
[قَوْلُهُ: يُدْفَنُ بِثِيَابِهِ] أَيْ مَصْحُوبَةً بِخُفٍّ وَقَلَنْسُوَةٍ وَهِيَ الطَّرْبُوشُ وَمِنْطَقَةٍ قَلَّ ثَمَنُهَا وَأَنْ تَكُونَ مُبَاحَةً، وَخَاتَمٌ قَلَّ ثَمَنُ فَصِّهِ إلَّا الدِّرْعَ وَالسِّلَاحَ وَالْقِلَّةُ فِي ذَلِكَ بِالنِّسْبَةِ لِلْمَالِ فِي نَفْسِهِ. [قَوْلُهُ: وَلَا يُزَادُ] مُرُورٌ عَلَى الرَّاجِحِ إذَا اُخْتُلِفَ هَلْ تُمْنَعُ الزِّيَادَةُ أَوْ لَا بَأْسَ بِهَا؟ قَوْلَانِ حَكَاهُمَا صَاحِبُ الطِّرَازِ.
قَالَ: وَالْأَوَّلُ أَحَقُّ بِالِاتِّبَاعِ قَالَهُ الشَّيْخُ سَالِمٌ، وَجَزَمَ اللَّقَانِيُّ بِحُرْمَةِ الزِّيَادَةِ حَيْثُ لَمْ يَحْتَجْ إلَيْهَا. [قَوْلُهُ: زِيدَ عَلَيْهَا] أَيْ وُجُوبًا كَمَا أَنَّهُ يُكَفَّنُ إذَا وُجِدَ عُرْيَانًا. [قَوْلُهُ: وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ إلَّا دُونَ ذَلِكَ] أَيْ دُونَ مَا يَسْتُرُهُ أَيْ أَنَّنَا لَمْ نَجِدْ مَا يَسْتُرُهُ فَنَسْتُرُهُ مِنْ سُرَّتِهِ إلَى رُكْبَتِهِ، هَذَا إذَا وَجَدْنَا مَا يَسْتُرُ بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ فَقَطْ، فَلَوْ وَجَدْنَا أَزْيَدَ مِنْ ذَلِكَ غَطَّى مَا فَوْقَ ذَلِكَ إلَى صَدْرِهِ كَذَا ذَكَرَ بَعْضٌ.
[قَوْلُهُ: زَمِّلُوهُمْ] أَيْ لُفُّوهُمْ [قَوْلُهُ: «اللَّوْنُ لَوْنُ الدَّمِ» ] كَانَ فِي الْجَسَدِ أَوْ فِي الثَّوْبِ. وَقَوْلُهُ: وَالرِّيحُ أَيْ وَرَائِحَةُ الدَّمِ عِنْدَ اللَّهِ بِمَنْزِلَةِ رِيحِ الْمِسْكِ فِي الرِّضَا فَلِأَجْلِ ذَلِكَ لَا يُغَسَّلُ وَلَا يُزَالُ ذَلِكَ، [قَوْلُهُ: وَلَا أَنَّهُ] أَيْ وَلَمْ يَبْلُغْنَا أَنَّهُ [قَوْلُهُ: مِنْ غَيْرِهِ] أَيْ وَهُوَ شَهِيدُ الْآخِرَةِ.