(فَائِدَةٌ)
فِي الْمُوَطَّأِ وَغَيْرِهِ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى النَّاسُ عَلَيْهِ أَفْذَاذًا لَا يَؤُمُّهُمْ أَحَدٌ» .
قَالَ شَيْخُنَا الْحَافِظُ جَلَالُ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَهَذَا أَمْرٌ مَجْمَعٌ عَلَيْهِ وَاخْتُلِفَ فِي تَعْلِيلِهِ فَقِيلَ: هُوَ مِنْ بَابِ التَّعَبُّدِ الَّذِي يَعْسُرُ تَعَقُّلُ مَعْنَاهُ، وَقِيلَ: لِيُبَاشِرَ كُلُّ وَاحِدٍ الصَّلَاةَ عَلَيْهِ مِنْهُ إلَيْهِ.
قَالَ شَيْخُنَا الْحَافِظُ جَلَالُ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ: صَلَّى النَّاسُ إلَخْ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ جَمَاعَةٌ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يُصَلَّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ الْمُعْتَادَةُ وَإِنَّمَا كَانَ النَّاسُ يَأْتُونَ فَيَدْعُونَ وَيَتَرَحَّمُونَ. قَالَ الْبَاجِيُّ: وَوَجْهُهُ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَفْضَلُ مِنْ كُلِّ شَهِيدٍ وَالشَّهِيدُ يُغْنِيهِ فَضْلُهُ عَنْ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ فَهُوَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْلَى قَالَ: وَإِنَّمَا فَارَقَ الشَّهِيدَ فِي الْغُسْلِ لِأَنَّ الشَّهِيدَ حُذِرَ مِنْ تَغْسِيلِهِ إزَالَةُ الدَّمِ عَنْهُ وَهُوَ مَطْلُوبٌ بَقَاؤُهُ وَتَطَيُّبُهُ وَلِأَنَّهُ عِنْوَانُ شَهَادَتِهِ فِي الْآخِرَةِ، وَلَيْسَ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا تُكْرَهُ إزَالَتُهُ عَنْهُ فَافْتَرَقَا انْتَهَى.
(وَيُصَلَّى عَلَى قَاتِلِ نَفْسَهُ) زَادَ فِي الْكِتَابِ وَإِثْمُهُ عَلَى نَفْسِهِ وَظَاهِرُ كَلَامِهِ كَانَ الْقَتْلُ عَمْدًا أَوْ خَطَأً.
(وَ) كَذَلِكَ (يُصَلَّى عَلَى مَنْ قَتَلَهُ الْإِمَامُ فِي حَدٍّ) وَجَبَ عَلَيْهِ فِيهِ الْقَتْلُ كَتَارِكِ الصَّلَاةِ وَالْمُحَارِبِ وَمَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ الرَّجْمُ (أَوْ) قَتَلَهُ الْإِمَامُ فِي (قَوَدٍ) كَمَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ (وَلَا يُصَلِّي عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى مَنْ قَتَلَهُ الْإِمَامُ فِي حَدٍّ أَوْ قَوَدٍ (الْإِمَامُ) وَلَا أَهْلُ الْفَضْلِ، وَهَذَا النَّهْيُ نَهْيُ كَرَاهَةٍ «لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يُصَلِّ عَلَى مَاعِزٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَعَنَى بِهِ وَلَمْ يَنْهَ عَنْ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ» وَإِنَّمَا نُهُوا عَنْ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ لِيَكُونَ ذَلِكَ رَدْعًا لِغَيْرِهِ عَنْ مِثْلِ فِعْلِهِ إذَا رَأَوْا الْأَئِمَّةَ وَأَهْلَ الْفَضْلِ امْتَنَعُوا مِنْ
ــ
[حاشية العدوي]
فَائِدَةٌ:
نَقَلَ نُورُ الدِّينِ الزِّيَادِيُّ أَنَّ السُّؤَالَ عَامٌّ فِي كُلِّ مُكَلَّفٍ وَلَوْ شَهِيدَ الْحَرْبِ، وَيُحْمَلُ مَا وَرَدَ مِنْ عَدَمِ سُؤَالِ الشُّهَدَاءِ وَنَحْوِهِمْ عَلَى عَدَمِ الْفِتْنَةِ فِي الْقَبْرِ خِلَافًا لِلسُّيُوطِيِّ. [قَوْلُهُ: جَلَالُ الدِّينِ] أَيْ السُّيُوطِيّ. [قَوْلُهُ: مِنْهُ] أَيْ نَاشِئَةً مِنْ الْمُصَلِّي مُنْتَهِيَةً لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ تَفْسِيرٌ لِقَوْلِهِ يُبَاشِرُ إلَخْ. [قَوْلُهُ: وَالْمُرَادُ إلَخْ] الصَّوَابُ أَنْ يَقُولَ: وَعَلَى هَذَا فَالصَّلَاةُ عَلَيْهِ حَقِيقَةٌ وَهُوَ الصَّوَابُ، فَقَدْ قَالَ عِيَاضٌ: الصَّحِيحُ الَّذِي عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ أَنَّ الصَّلَاةَ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - كَانَتْ صَلَاةً حَقِيقَةً لَا مُجَرَّدَ الدُّعَاءِ فَقَطْ، وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِالصَّلَاةِ عَلَيْهِ مُجَرَّدُ الدُّعَاءِ فَقَطْ، فَقَوْلُهُ وَيَتَرَحَّمُونَ أَيْ بِالدُّعَاءِ بِلَفْظِ الصَّلَاةِ لَا بِلَفْظِ الرَّحْمَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ.
[قَوْلُهُ: فَهُوَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -] أُجِيبَ بِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ عَوْدُ التَّشْرِيفُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ مَعَ أَنَّ الْكَامِلَ يَقْبَلُ زِيَادَةَ التَّكَمُّلِ.
[قَوْلُهُ: حُذِّرَ مِنْ تَغْسِيلِهِ] أَيْ مُنِعَ مِنْ تَغْسِيلِهِ. وَقَوْلُهُ: إزَالَةُ أَيْ: كَرَاهَةُ إزَالَةِ، وَهُوَ إمَّا فَاعِلُ حُذِّرَ وَهُوَ مَبْنِيٌّ لِلْفَاعِلِ أَوْ مَنْصُوبٌ عَلَى أَنَّهُ مَفْعُولٌ لِأَجْلِهِ، وَيَكُونُ حُذِّرَ مَبْنِيًّا لِلْمَفْعُولِ. وَقَوْلُهُ: وَتَطَيُّبُهُ عِبَارَةُ التَّحْقِيقِ وَغَيْرِهِ لِطِيبِهِ وَهِيَ أَصْوَبُ. [قَوْلُهُ: وَلِأَنَّهُ عِنْوَانُ] أَيْ عَلَامَةُ شَهَادَتِهِ، وَقَوْلُهُ فِي الْآخِرَةِ مُتَعَلِّقٌ بِعَلَامَةُ.
[قَوْلُهُ: كَانَ الْقَتْلُ عَمْدًا أَوْ خَطَأً] أَيْ وَيُصَلِّي عَلَيْهِ أَهْلُ الْفَضْلِ فِي الْخَطَأِ لَا الْعَمْدِ خِلَافًا لِظَاهِرِ كَلَامِ تت، وَظَاهِرُ مَا لِلشَّارِحِ. [قَوْلُهُ: كَتَارِكِ الصَّلَاةِ] أَيْ كَسَلًا. وَقَوْلُهُ: وَالْمُحَارِبُ أَيْ قَاطِعُ الطَّرِيقِ. وَقَوْلُهُ: وَمَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ الرَّجْمُ أَيْ كَلَائِطٍ وَزَانِ مُحْصَنَيْنِ. [قَوْلُهُ: مَاعِزٍ] اعْتَرَفَ بِالزِّنَا [قَوْلُهُ: وَعَنَّا بِهِ] أَيْ وَرَضِيَ عَنَّا بِسَبَبِهِ أَيْ بِسَبَبِ التَّوَسُّلِ بِهِ. [قَوْلُهُ: وَلَمْ يَنْهَ] أَيْ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. أَقُولُ: وَلَا يَخْفَى أَنَّ قَوْلَهُ لِأَنَّ النَّبِيَّ إلَخْ لَا يُنْتِجُ كَوْنَهُ نَهْيَ كَرَاهَةٍ.
[قَوْلُهُ: وَإِنَّمَا نُهُوا] أَيْ الْإِمَامُ وَأَهْلُ الْفَضْلِ.
تَنْبِيهٌ:
مُقْتَضَى الْمُصَنِّفِ أَنَّ مَنْ قُتِلَ فِي تَعْزِيرٍ أَوْ فِي حَدٍّ غَيْرِ الْقَتْلِ لَا تُكْرَهُ صَلَاةُ الْإِمَامِ وَلَا مَنْ فِي حُكْمِهِ عَلَيْهِ وَهُوَ كَذَلِكَ حَيْثُ لَمْ يَكُنْ مَشْهُورًا بِالْمَعَاصِي، وَإِلَّا كُرِهَ وَمَحَلُّ الْكَرَاهَةِ مِنْ الْإِمَامِ وَمَا أُلْحِقَ بِهِ مَا لَمْ يَتَرَتَّبْ عَلَى عَدَمِ