للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الصَّلَاةِ عَلَيْهِ.

ثُمَّ انْتَقَلَ يَتَكَلَّمُ عَلَى مَسْأَلَتَيْنِ لَمْ تَدْخُلَا تَحْتَ التَّرْجَمَةِ عَلَى مَا قِيلَ إحْدَاهُمَا قَوْلُهُ: (وَلَا يُتْبَعُ الْمَيِّتُ بِمِجْمَرٍ) بِفَتْحِ الْمِيمِ الْأُولَى وَكَسْرِهَا اسْمٌ لِلشَّيْءِ الَّذِي يُجْعَلُ فِيهِ الْجَمْرُ، فَيُقَالُ: أَجْمَرْت النَّارَ مِجْمَرًا وَيُنْشَدُ هَذَا الْبَيْتُ بِالْوَجْهَيْنِ:

لَا تَصْطَلِي النَّارَ إلَّا مِجْمَرًا أَرِجًا ... قَدْ كَسَّرَتْ مِنْ يَلَنْجُوجٍ لَهُ وَقَصَا

قَالَهُ فِي الصِّحَاحِ، فَمُرَادُ الشَّيْخِ أَنَّهُ لَا يُتْبَعُ بِمِجْمَرٍ فِيهَا نَارٌ لِنَهْيِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ ذَلِكَ وَالْأُخْرَى قَوْلُهُ: (وَالْمَشْيُ أَمَامَ الْجِنَازَةِ) لِلرِّجَالِ (أَفْضَلُ) مِنْ الْمَشْيِ خَلْفَهَا وَإِذَا رَكِبُوا فَيُسْتَحَبُّ لَهُمْ أَنْ يَكُونُوا خَلْفَهَا، وَدَلِيلُ هَذَا التَّفْصِيلِ وَرَدَتْ بِهِ السُّنَّةُ وَقَدْ نَقَلْنَاهُ فِي الْأَصْلِ، وَقَيَّدْنَا بِالرِّجَالِ احْتِرَازًا مِنْ النِّسَاءِ فَإِنَّ الْأَفْضَلَ فِي حَقِّهِنَّ التَّأَخُّرُ خَلْفَ الرُّكْبَانِ.

، ثُمَّ

ــ

[حاشية العدوي]

صَلَاتِهِ تَرْكُ الصَّلَاةِ جُمْلَةً عَلَى مَنْ ذَكَرَ، وَإِلَّا وَجَبَتْ صَلَاةُ مَنْ ذَكَرَ لِوُجُوبِ صَلَاةِ الْجِنَازَةِ عَلَى كُلِّ مَحْكُومٍ عَلَيْهِ بِالْإِسْلَامِ.

[قَوْلُهُ: بِفَتْحِ الْمِيمِ إلَخْ] فِي الْقَامُوسِ أَنَّ الْمِجْمَرَ بِالْكَسْرِ الَّذِي يُوضَعُ فِيهِ الْجَمْرُ وَالْعُودُ نَفْسُهُ، وَكَذَا الْمُجْمَرُ بِالضَّمِّ فِيهِمَا فَقَدْ حُكِيَ الضَّمُّ وَلَمْ يَحْكِ الْفَتْحَ. [قَوْلُهُ: أَجْمَرْتُ النَّارَ] بِضَمِّ التَّاءِ مَبْنِيًّا لِلْفَاعِلِ، وَالنَّارَ مَفْعُولٌ.

وَقَوْلُهُ: مِجْمَرًا مَنْصُوبٌ عَلَى نَزْعِ الْخَافِضِ أَيْ أَجْمَرْت النَّارَ فِي مِجْمَرٍ عَلَى أَنَّهُ اسْمٌ لِلْآلَةِ الَّتِي لِلْجَمْرِ. [قَوْلُهُ: وَيُنْشَدُ هَذَا الْبَيْتَ بِالْوَجْهَيْنِ] أَيْ بِالْكَسْرِ وَالْفَتْحِ هَذَا مَدْلُولُهُ وَهُوَ غَيْرُ صَحِيحٍ لِأَنَّ الْمَوْجُودَ فِي الصِّحَاحِ الْكَسْرُ وَالضَّمُّ فَإِنَّهُ قَالَ: الْمِجْمَرُ بِالْكَسْرِ اسْمُ الشَّيْءِ الَّذِي يُجْعَلُ فِيهِ الْجَمْرُ وَبِالضَّمِّ الَّذِي هُيِّئَ لَهُ الْجَمْرُ، وَيُنْشَدُ هَذَا الْبَيْتُ بِالْوَجْهَيْنِ إلَى آخِرِ مَا ذَكَرَ، فَالْوَجْهَانِ الْكَسْرُ وَالضَّمُّ بِالْمَعْنَى الَّذِي ذَكَرَ، وَلَعَلَّ الْمَعْنَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ لَا تَسْتَدْفِئُ الْمَحْبُوبَةُ بِالنَّارِ إلَّا فِي مِجْمَرٍ عَلَى الْكَسْرِ. وَقَوْلُهُ: أَرِجًا أَيْ فَاحَتْ رَائِحَتُهُ بِاعْتِبَارِ مَا فِيهِ مِنْ عُودِ الْبَخُورِ.

وَقَالَ فِي الْمِصْبَاحِ: أَرِجَ الْمَكَانُ أَرَجًا فَهُوَ أَرِجٌ مِثْلُ تَعِبَ تَعَبًا فَهُوَ تَعِبٌ إذَا فَاحَتْ رَائِحَةٌ طَيِّبَةٌ أَوْ لَا تَصْطَلِي النَّارَ إلَّا إذَا كَانَتْ مُجْمَرًا أَيْ ذَاتَ مُجْمَرٍ أَيْ ذَاتَ عُودِ بَخُورٍ أَرِجًا أَيْ فَاحَتْ رَائِحَتُهُ عَلَى الضَّمِّ.

وَقَوْلُهُ: قَدْ كَسَرَتْ بِالْبِنَاءِ لِلْفَاعِلِ كَمَا رَأَيْته مَضْبُوطًا بِشَكْلِ الْقَلَمِ فِيمَا وَقَفْت عَلَيْهِ مِنْ بَعْضِ نُسَخِ الصِّحَاحِ وَفِي خَطِّ بَعْضِ الْمَشَايِخِ، فَيَكُونُ الْفَاعِلُ ضَمِيرًا يَعُودُ عَلَى الْمَحْبُوبَةِ. وَقَوْلُهُ: وَقْصًا مَفْعُولُهُ، وَالْيَلَنْجُوجُ عُودُ الْبَخُورِ، وَالْوَقْصُ كِسَارُ الْعُودِ يُلْقَى عَلَى النَّارِ كَمَا فِي الصِّحَاحِ، أَيْ قَدْ كَسَرَتْ تِلْكَ الْمَحْبُوبَةُ مِنْ الْيَلَنْجُوجِ وَقْصًا أَيْ كِسَارًا لَهُ أَيْ لِعُودِ الْبَخُورِ، فَلَهُ حَالٌ مِنْ: وَقَصًا مُقَدَّمٌ عَلَيْهِ أَيْ كِسَارًا مَنْسُوبَةً لَهُ مِنْ نِسْبَةِ الْجُزْءِ لِلْكُلِّ أَوْ اللَّامِ بِمَعْنَى مِنْ وَحِينَئِذٍ فَفِيهِ مَجَازُ الْأَوَّلِ، فَإِنْ قُلْت عَلَى قِرَاءَةِ مُجْمَرًا بِالضَّمِّ مُرَادًا مِنْهُ الْعُودُ نَفْسُهُ يَكُون الْأَصْلُ قَدْ كَسَرَتْ مِنْهُ فَلِمَ عَدَلَ عَنْهُ؟ قُلْت: إشَارَةً إلَى أَنَّهُ كَمَا يُسَمَّى مُجْمَرًا يُسَمَّى يَلَنْجُوجًا هَذَا مَا ظَهَرَ لَلذِّهْنِ الْفَاتِرِ وَالْفَهْمِ الْقَاصِرِ. [قَوْلُهُ: فَمُرَادُ الشَّيْخِ إلَخْ] أَيْ لَا حَقِيقَتُهَا الَّتِي هِيَ آلَةُ مَا يُجْعَلُ فِيهِ الْجَمْرُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ جَمْرٌ. [قَوْلُهُ: لِنَهْيِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَخْ] أَيْ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّفَاؤُلِ، فَإِنْ كَانَ فِيهِ طِيبٌ فَكَرَاهَةٌ ثَانِيَةٌ. [قَوْلُهُ: وَالْمَشْيُ أَمَامَ الْجِنَازَةِ] أَيْ فِي حَالِ الذَّهَابِ إلَى الصَّلَاةِ وَالدَّفْنِ أَفْضَلُ مِنْ الْمَشْيِ خَلْفَهَا، وَإِذَا رَكِبُوا أَيْ لَوْ وَقَعَ وَنَزَلَ أَنَّهُمْ رَكِبُوا إلَخْ أَيْ ارْتَكَبُوا الْمَكْرُوهَ؛ لِأَنَّهُ يُنْدَبُ الْمَشْيُ فَالْمَاشِي الْمُتَقَدِّمُ مُحَصِّلٌ لِفَضِيلَتَيْنِ.

[قَوْلُهُ: وَقَدْ نَقَلْنَاهُ فِي الْأَصْلِ إلَخْ] قَدْ ذَكَرَهُ فِي التَّحْقِيقِ فَقَالَ مَا نَصُّهُ: أَقُولُ: نَصَّ فِي الْمُخْتَصَرِ عَلَى أَنَّ الْمَشْيَ فِي الْجِنَازَةِ فَضِيلَةٌ مُسْتَقِلَّةٌ وَكَوْنُهُ أَمَامَهَا فَضِيلَةٌ أُخْرَى، دَلِيلُ الْأَوَّلِ مَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ ثَوْبَانَ قَالَ: «خَرَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي جِنَازَةٍ فَرَأَى نَاسًا رُكْبَانًا فَقَالَ: أَلَّا تَسْتَحْيُونَ إنَّ مَلَائِكَةَ اللَّهِ عَلَى أَقْدَامِهِمْ وَأَنْتُمْ عَلَى ظُهُورِ الدَّوَابِّ» .

وَدَلِيلُ الثَّانِي مَا رَوَاهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ مِنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>