انْتَقَلَ يَتَكَلَّمُ عَلَى صِفَةِ الدَّفْنِ وَلَمْ يَتَكَلَّمْ عَلَى حُكْمِهِ هُنَا، وَنَصَّ آخِرَ الْكِتَابِ عَلَى أَنَّهُ فَرْضٌ فَقَالَ: (وَيُجْعَلُ الْمَيِّتُ فِي قَبْرِهِ) سَوَاءٌ كَانَ لَحْدًا أَوْ شَقًّا عَلَى جِهَةِ الِاسْتِحْبَابِ (عَلَى شِقِّهِ الْأَيْمَنِ) إلَى الْقِبْلَةِ لِأَنَّهَا أَشْرَفُ الْمَجَالِسِ وَتُمَدُّ يَدُهُ الْيُمْنَى عَلَى جَسَدِهِ وَيُعْدَلُ رَأْسَهُ بِالتُّرَابِ وَرِجْلَاهُ بِرِفْقٍ وَيُجْعَلُ التُّرَابُ خَلْفَهُ وَأَمَامَهُ لِئَلَّا يَنْقَلِبَ، وَيَحُلُّ عُقَدَ كَفَنِهِ فَإِنْ لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ جَعْلِهِ عَلَى شِقِّهِ الْأَيْمَنِ فَعَلَى ظُهْرِهِ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ بِوَجْهِهِ، فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ فَعَلَى حَسَبِ الْإِمْكَانِ وَإِذَا خُولِفَ بِهِ الْوَجْهُ الْمَطْلُوبُ فِي دَفْنِهِ كَمَا إذَا جُعِلَ لِغَيْرِ الْقِبْلَةِ أَوْ عَلَى شِقِّهِ الْأَيْسَرِ وَلَمْ يَطُلْ فَإِنَّهُ يُتَدَارَكُ وَيُحَوَّلُ عَنْ حَالِهِ، وَالطُّولُ يَكُونُ بِالْفَرَاغِ مِنْ دَفْنِهِ فَإِنْ لَمْ يُوَارُوهُ أَوْ أَلْقَوْا عَلَيْهِ يَسِيرًا مِنْ التُّرَابِ فَلْيُحَوَّلْ إلَى مَا يَنْبَغِي.
(وَ) بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ وَضِعَ الْمَيِّتِ فِي لَحْدِهِ (يُنْصَبُ عَلَيْهِ اللَّبِنُ) بِفَتْحِ اللَّامِ وَكَسْرِ الْبَاءِ عَلَى الْأَصَحِّ جَمْعُ لَبِنَةٍ وَهُوَ مَا يُعْمَلُ مِنْ طِينٍ وَتِبْنٍ، وَرُبَّمَا عُمِلَ بِدُونِهِ وَهُوَ أَفْضَلُ مَا يُسَدُّ بِهِ لِمَا رُوِيَ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَلْحَدَ ابْنَهُ إبْرَاهِيمَ وَنَصَبَ اللَّبِنَ عَلَى لَحْدِهِ» ، وَيُسْتَحَبُّ سَدُّ الْخَلَلِ الَّذِي بَيْنَ اللَّبِنِ لِأَمْرِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِذَلِكَ فِي ابْنِهِ إبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - (وَيَقُولُ) وَاضِعُ الْمَيِّتِ فِي قَبْرِهِ أَوْ مَنْ حَضَرَ دَفْنَهُ (حِينَئِذٍ) أَيْ حِينَ نَصْبِ اللَّبِنِ عَلَيْهِ (اللَّهُمَّ إنَّ صَاحِبَنَا) الْمُرَادُ بِهِ هُنَا جِنْسُ
ــ
[حاشية العدوي]
حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قَالَ: «رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ يَمْشُونَ أَمَامَ الْجِنَازَةِ» ، ثُمَّ قَالَ: وَنَصَّ فِي الْمُخْتَصَرِ أَيْضًا عَلَى أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِلرَّاكِبِ التَّأَخُّرُ لِمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «الرَّاكِبُ يَسِيرُ خَلْفَ الْجِنَازَةِ» . [قَوْلُهُ: فَإِنَّ الْأَفْضَلَ فِي حَقِّهِنَّ التَّأَخُّرُ خَلْفَ الرُّكْبَانِ] أَطْلَقَ فِي النِّسَاءِ، وَالْحُكْمُ فِي خُرُوجِهِنَّ أَنَّ الْمُتَجَالَّاتِ كَالرِّجَالِ يُطْلَبُ مِنْهُنَّ الْخُرُوجُ لِتَشْيِيعِ الْجِنَازَةِ وَالصَّلَاةِ، لَا فَرْقَ بَيْنَ قَرِيبٍ وَأَجْنَبِيٍّ، وَأَمَّا النِّسَاءُ الْمُفَتِّنَاتُ فَلَا يَحِلُّ خُرُوجُهُنَّ، وَلَوْ لِجِنَازَةِ ابْنٍ أَوْ زَوْجٍ، وَأَمَّا الشَّابَّةُ الَّتِي لَيْسَتْ بِمُفْتِنَةٍ فَتَخْرُجُ لِجِنَازَةِ مَنْ يَشُقُّ عَلَيْهَا فَقْدُهُ كَابْنِهَا وَزَوْجِهَا وَأَخِيهَا وَيُكْرَهُ لِغَيْرِهِ. [قَوْلُهُ: فَإِنَّ الْأَفْضَلَ إلَخْ] وَانْظُرْ إذَا لَمْ يَكُنْ مَعَ الْمَيِّتِ إلَّا النِّسَاءُ فَقَطْ.
[قَوْلُهُ: وَيُجْعَلُ الْمَيِّتُ فِي قَبْرِهِ] لَا مَفْهُومَ لَهُ بَلْ مَيِّتُ الْبَحْرِ إنْ لَمْ يَرْجُ الْبَرَّ قَبْلَ تَغَيُّرِهِ يُغَسَّلُ وَيُصَلَّى عَلَيْهِ وَيُرْمَى عَلَى شِقِّهِ الْأَيْمَنِ، وَوَجْهُهُ إلَى الْقِبْلَةِ، وَهَلْ يُثْقَلُ بِشَيْءٍ فِي رَجُلَيْهِ أَوْ لَا قَوْلَانِ. [قَوْلُهُ: عَلَى جِهَةِ الِاسْتِحْبَابِ إلَخْ] يُفْهِمُ أَنَّ مَجْمُوعَ مَا ذُكِرَ مِنْ الْجَعْلِ عَلَى الشِّقِّ الْأَيْمَنِ مَعَ كَوْنِهِ إلَى الْقِبْلَةِ مُسْتَحَبٌّ وَاحِدٌ، وَكَذَا ظَاهِرُ خَلِيلٍ حَيْثُ قَالَ: وَضَجَعَ فِيهِ عَلَى أَيْمَنَ مُقْبِلًا وَالظَّاهِرُ أَنَّهُمَا مُسْتَحَبَّانِ وَحَرَّرَ.
[قَوْلُهُ: لِأَنَّهَا] أَيْ الْقِبْلَةَ أَشْرَفُ الْمَجَالِسِ لَا يَخْفَى أَنَّ الْمَجَالِسَ جَمْعُ مَجْلِسٍ وَهُوَ مَحَلُّ الْجُلُوسِ وَهُوَ لَمْ يَكُنْ جَالِسًا فِيهَا بَلْ هُوَ مُتَوَجِّهٌ إلَيْهَا فَجَعْلُهُ جَالِسًا فِيهَا تَسَامُحٌ. [قَوْلُهُ: وَتُمَدُّ يَدُهُ] أَيْ نَدْبًا.
وَقَوْلُهُ: عَلَى جَسَدِهِ ظَاهِرُهُ أَنَّهُ يَجْعَلُهَا فَوْقَ الْجَسَدِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِمُرَادٍ بَلْ الْمُرَادُ إلَى جَسَدِهِ أَيْ مَوْضُوعَةٌ عَلَى الْأَرْضِ مَضْمُومَةٌ إلَى جَسَدِهِ، فَعَلَى بِمَعْنَى إلَى. وَقَوْلُهُ: وَيَعْدِلُ إلَخْ الظَّاهِرُ أَنَّهُ مُسْتَحَبٌّ آخَرُ. وَقَوْلُهُ: وَرِجْلَاهُ أَيْ بِالتُّرَابِ. [قَوْلُهُ: وَيُجْعَلُ التُّرَابُ خَلْفَهُ وَأَمَامَهُ لِئَلَّا يَنْقَلِبُ] شَامِلٌ لِرَأْسِهِ وَرِجْلَيْهِ، فَلَوْ اقْتَصَرَ عَلَيْهِ مَا ضَرَّهُ. [قَوْلُهُ: وَيُحَلُّ عُقَدُ كَفَنِهِ] أَيْ نَدْبًا. [قَوْلُهُ: بِالْفَرَاغِ مِنْ دَفْنِهِ] أَيْ أَوْ بِوَضْعِ كَثِيرٍ بِحَيْثُ يَعْسُرُ إزَالَتُهُ. [قَوْلُهُ: أَوْ أَلْقَوْا عَلَيْهِ يَسِيرًا مِنْ التُّرَابِ] لَعَلَّ الْيَسِيرَ مَا لَا مَشَقَّةَ فِي إزَالَتِهِ. [قَوْلُهُ: عَلَى الْأَصَحِّ] وَمُقَابِلُهُ كَسْرُ اللَّامِ وَفَتْحُ الْبَاءِ.
[قَوْلُهُ: وَرُبَّمَا عَمِلَ بِدُونِهِ] أَيْ التِّبْنِ [قَوْلُهُ: وَهُوَ أَفْضَلُ مَا يُسَدُّ بِهِ] أَيْ مِنْ لَوْحٍ وَقُرْمُودٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ يُنْدَبُ سَدُّهُ بِاللَّبِنِ فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ فَبِالْأَلْوَاحِ، فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ فَبِقُرْمُودٍ وَهُوَ شَيْءٌ يُجْعَلُ مِنْ الطِّينِ عَلَى هَيْئَةِ وُجُوهِ الْخَيْلِ، فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ فَآجُرُّ الطُّوبِ الْمُحَرَّقِ، فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ فَحَجَرٌ، فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ فَقَصَبٌ، فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ فَيُسَدُّ اللَّحْدُ بِالتُّرَابِ فَهُوَ أَوْلَى مِنْ دَفْنِ الْمَيِّتِ بِالتَّابُوتِ أَيْ فِي الْخَشَبَةِ الْمُسَمَّاةِ بِالسِّحْلِيَّةِ. [قَوْلُهُ: أَلْحَدَ إلَخْ] لَعَلَّ الْمَعْنَى أَيْ أَمَرَ بِذَلِكَ، وَرُبَّمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ لِأَمْرِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِذَلِكَ أَيْ سَدِّ الْخَلَلِ الَّذِي بَيْنَ اللَّبِنِ، وَيُكْرَهُ كَمَا فِي كَبِيرِ الْخَرْشِيِّ جَعَلَ مُضْرِبَةً تَحْتَ أَوْ مِخَدَّةٍ تَحْتَ رَأْسِهِ لِأَنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ عَنْ السَّلَفِ، وَمَا رُوِيَ