الْمَيِّتِ لِيَدْخُلَ فِيهِ الذَّكَرُ وَالْأُنْثَى صَغِيرًا كَانَ أَوْ كَبِيرًا أَبًا أَوْ ابْنًا أَوْ غَيْرَهُمَا (قَدْ نَزَلَ بِك) أَيْ اسْتَضَافَك (وَخَلَّفَ) أَيْ نَبَذَ (الدُّنْيَا) الْمُرَادُ بِهَا أَهْلُهُ وَمَالُهُ وَوَلَدُهُ (وَرَاءَ ظَهْرِهِ) وَأَقْبَلَ عَلَى الْآخِرَةِ (وَافْتَقَرَ إلَى مَا عِنْدَكَ) وَهِيَ رَحْمَتُك وَهُوَ الْآنَ أَشَدُّ افْتِقَارًا إلَيْهَا (اللَّهُمَّ ثَبِّتْ عِنْدَ الْمَسْأَلَةِ) أَيْ سُؤَالِ الْمَلَكَيْنِ (مَنْطِقَهُ) أَيْ كَلَامَهُ (وَلَا تَبْتَلِهِ) أَيْ لَا تَخْتَبِرْهُ (فِي قَبْرِهِ بِمَا) أَيْ بِشَيْءٍ (لَا طَاقَةَ لَهُ بِهِ وَأَلْحِقْهُ بِنَبِيِّهِ) أَيْ اجْعَلْهُ فِي جِوَارِ نَبِيِّهِ (مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) .
(وَيُكْرَهُ الْبِنَاءُ عَلَى الْقُبُورِ) ظَاهِرُهُ مُطْلَقًا وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ فِيهِ تَفْصِيلٌ ذَكَرْنَاهُ فِي الْأَصْلِ (وَ) كَذَا يُكْرَهُ (تَجْصِيصُهَا) أَيْ تَبْيِيضُهَا بِالْجِصِّ وَهُوَ الْجِبْسُ لِمَا فِي مُسْلِمٍ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى أَنْ يُجَصَّصَ الْقَبْرُ وَأَنْ يُبْنَى عَلَيْهِ وَأَنْ يُقْعَدَ عَلَيْهِ» .
(وَلَا يُغَسِّلُ الْمُسْلِمُ أَبَاهُ الْكَافِرَ) لِأَنَّهُ لَا يُغَسَّلُ إلَّا مَنْ يُصَلَّى عَلَيْهِ، وَهَذَا لَا يُصَلَّى عَلَيْهِ فَلَا فَائِدَةَ فِي غُسْلِهِ.
(وَ) كَمَا أَنَّهُ لَا يُغَسِّلُهُ (لَا يُدْخِلُهُ قَبْرَهُ) لِأَنَّ بِالْمَوْتِ سَقَطَ بِرُّهُ اللَّهُمَّ (إلَّا أَنْ يَخَافَ أَنْ يَضِيعَ) إذَا تَرَكَهُ (فَلِيُوَارِهِ) أَيْ يَلُفُّهُ بِثَوْبِهِ وَيَدْفِنُهُ وَلَا
ــ
[حاشية العدوي]
مِنْ جَعْلِ قَطِيفَةٍ حَمْرَاءَ عَلَى قَبْرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَالْأَثْبَتُ أَنَّهَا أُخْرِجَتْ انْتَهَى.
[قَوْلُهُ: اسْتَضَافَك] أَيْ طَلَبَ مِنْك أَنْ تُضِيفَهُ أَيْ تُنْزِلَهُ وَتُقَرِّبَهُ، هَذَا إذَا جَعَلْنَا السِّينَ وَالتَّاءَ لِلطَّلَبِ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ النُّزُولَ حَاصِلٌ بِالْفِعْلِ فَيَكُونُ الطَّلَبُ مُتَوَجِّهًا إلَى التَّقْرِيبِ، وَيَجُوزُ أَنْ لَا يَكُونَ مَا ذُكِرَ لِلطَّلَبِ، وَالْمَعْنَى أَنَّهُ نَزَلَ عِنْدَك ضَيْفًا. [قَوْلُهُ: الْمُرَادُ بِهَا إلَخْ] لَيْسَ بِمُتَعَيَّنٍ إذْ يَصِحُّ أَنْ يُرَادُ بِهَا مَا كَانَ فِيهِ مِنْ الْفَرَاغِ الَّذِي بَيْنَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاءِ. [قَوْلُهُ: وَأَقْبَلَ عَلَى الْآخِرَةِ] ظَاهِرُ الْعِبَارَةِ أَنَّهُ لَيْسَ فِيهَا مَعَ أَنَّهُ فِيهَا. [قَوْلُهُ: وَهُوَ الْآنَ أَشَدُّ إلَخْ] الْأَوْلَى أَنْ يُفَسِّرَ افْتَقَرَ بِأَشَدَّ افْتِقَارًا. [قَوْلُهُ: أَيْ كَلَامُهُ] أَيْ فَأَرَادَ بِالْمَنْطِقِ الْمَنْطُوقَ بِهِ الَّذِي هُوَ الْكَلَامُ أَيْ ثَبَتَ كَلَامُهُ أَيْ بِحَيْثُ يُجِيبُ حِينَ السُّؤَالِ بِقَوْلِهِ: رَبِّي اللَّهُ وَنَبِيِّي مُحَمَّدٌ إلَخْ، وَيَجُوزُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ مَحَلَّ النُّطْقِ بِحَيْثُ يُجِيبُ بِمَا ذَكَرَ فَالْمَآلُ وَاحِدٌ. [قَوْلُهُ: لَا تَخْتَبِرْهُ إلَخْ] لَا يَخْفَى أَنَّ الِاخْتِبَارَ هُوَ الِامْتِحَانُ، وَالْوَارِدُ مِنْ ذَلِكَ إنَّمَا هُوَ السُّؤَالُ فَحِينَئِذٍ يَكُونُ دُعَاءً بِأَنْ يُلَطِّفَ بِهِ فِي السُّؤَالِ أَيْ بِحَيْثُ يُسْأَلُ بِرِفْقٍ، فَمَصْدُوقُ الشَّيْءِ السُّؤَالُ الَّذِي بِعُنْفٍ أَوْ أَنَّهُ أَرَادَ بِالِاخْتِبَارِ لَازِمَهُ مِنْ الْمَشَقَّاتِ. [قَوْلُهُ: أَيْ اجْعَلْهُ فِي جِوَارِ] أَيْ فِي الْبَرْزَخِ بِأَنْ تَكُونَ رُوحُهُ مُجَاوِرَةً لِرُوحِهِ، وَفِي الْجَنَّةِ بِأَنْ تَكُونَ بِجِوَارِهِ بِذَاتِهِ. وَاخْتَارَ الْمُصَنِّفُ هَذَا الدُّعَاءَ لِأَنَّهُ مَرْوِيٌّ عَنْ بَعْضِ السَّلَفِ لَا أَنَّهُ يَتَعَيَّنُ دُونَ غَيْرِهِ إذْ قَدْ وَرَدَ أَنَّهُ يَقُولُ: بِسْمِ اللَّهِ وَعَلَى سَنَةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اللَّهُمَّ تَقَبَّلْهُ بِأَحْسَنِ قَبُولٍ.
[قَوْلُهُ: وَيُكْرَهُ الْبِنَاءُ عَلَى الْقُبُورِ] أَيْ كَقُبَّةٍ أَوْ بَيْتٍ أَوْ سَقْفٍ وَكَذَا حَوَالَيْهِ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّفْضِيلِ عَلَى النَّاسِ. [قَوْلُهُ: ظَاهِرُهُ مُطْلَقًا] أَيْ ظَاهِرُهُ أَنَّهُ يُكْرَهُ مُطْلَقًا أَيْ فِي جَمِيعِ الْحَالَاتِ.
وَقَوْلُهُ: بَلْ فِيهِ تَفْصِيلٌ خُلَاصَتُهُ أَنَّ مَحَلَّ الْكَرَاهَةِ إذَا كَانَ بِأَرْضِ مَوَاتٍ أَوْ مَمْلُوكَةٍ حَيْثُ لَا يَأْوِي إلَيْهِ أَهْل الْفَسَادُ، وَجُرِّدَ عَنْ قَصْدِ الْمُبَاهَاةِ وَلَمْ يُقْصَدْ بِهِ التَّمْيِيزُ وَإِلَّا حُرِّمَ فِيمَا عَدَا الْأَخِيرَ، وَجَازَ فِي الْأَخِيرِ كَمَا يُحَرَّمُ فِي الْأَرْضِ الْمُحْبَسَةِ مُطْلَقًا كَالْقَرَافَةِ.
قَالَ فِي التَّحْقِيقِ: وَيَجِبُ عَلَى وَلِيِّ الْأَمْرِ أَنْ يَأْمُرَ بِهَدْمِهَا. [قَوْلُهُ: وَكَذَا يُكْرَهُ تَجْصِيصُهَا] مَا لَمْ يُقْصَدْ بِهِ التَّمْيِيزُ وَإِلَّا جَازَ كَمَا يَجُوزُ وَضْعُ حَجَرٍ أَوْ خَشَبَةٍ أَوْ عُودٍ عَلَى الْقَبْرِ لِيُعْرَفَ بِهِ إذَا لَمْ يُنْقَشْ فِي ذَلِكَ اسْمٌ أَوْ تَارِيخُ مَوْتٍ، وَإِلَّا كُرِهَ وَإِنْ بُوهِيَ بِهِ حَرُمَ هَذَا مَا لَمْ يَكُنْ قُرْآنًا، وَإِلَّا فَالْحُرْمَةُ كَمَا يَنْبَغِي. [قَوْلُهُ: وَأَنْ يَبْنِيَ عَلَيْهِ] أَيْ نَهْيَ كَرَاهَةٍ أَوْ تَحْرِيمٍ عَلَى مَا تَقَدَّمَ. [قَوْلُهُ: وَأَنْ يَقْعُدَ عَلَيْهِ] أَيْ لِبَوْلٍ أَوْ غَائِطٍ لِأَنَّ ذَلِكَ امْتِهَانٌ لِصَاحِبِهِ.
قَالَهُ عَبْدُ الْحَقِّ أَوْ غَيْرُهُ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ النَّهْيَ عَنْ ذَلِكَ لِلْحُرْمَةِ، وَأَمَّا الْجُلُوسُ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ ذَلِكَ فَيُكْرَهُ.
[قَوْلُهُ: وَلَا يُغَسِّلُ الْمُسْلِمُ أَبَاهُ الْكَافِرَ] النَّهْيُ لِلتَّحْرِيمِ وَأَوْلَى غَيْرُ أَبِيهِ. [قَوْلُهُ: لَا يُدْخِلُهُ قَبْرَهُ] أَيْ بَلْ يُوكِلُهُ إلَى أَهْلِ دِينِهِ يَلُونَهُ وَالْإِدْخَالُ مَكْرُوهٌ فِيمَا يَظْهَرُ. [قَوْلُهُ: إلَّا أَنْ يَخَافَ أَنْ يَضِيعَ] أَيْ بِأَنْ لَمْ يَجِدْ مَنْ يَدْفِنُهُ مِنْ أَهْلِ دِينِهِ فَلْيَلُفَّهُ بِثَوْبِهِ وَيَدْفِنْهُ. [قَوْلُهُ: فَلِيُوَارِهِ] أَيْ وُجُوبًا وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْكَافِرِ الْحَرْبِيِّ وَغَيْرِهِ، وَلَا خُصُوصِيَّةَ لِلْأَبِ بَلْ وُجُوبُ الْمُوَارَاةِ عِنْدَ خَوْفِ الضَّيْعَةِ عَامٌّ حَتَّى فِي الْأَجْنَبِيِّ، فَقَوْلُ الشَّارِحِ: وَإِنَّمَا أُمِرَ بِمُوَارَاتِهِ لِأَنَّ الْمَعَرَّةَ إلَخْ غَيْرُ ظَاهِرٍ، لِأَنَّهُ