للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إنَّ الْحَمْدَ) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَبِكَسْرِهَا وَاخْتَارَهُ الْجُمْهُورُ (وَالنِّعْمَةَ) بِالنَّصْبِ عَلَى الْأَشْهَرِ (لَك وَالْمُلْكَ) اخْتَارَ بَعْضُهُمْ الْوَقْفَ عَلَيْهِ وَالِابْتِدَاءَ بِقَوْلِهِ: (لَا شَرِيكَ لَك وَيَنْوِي عَمَّا أَرَادَ مِنْ حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ) اشْتَمَلَ كَلَامُهُ هَذَا عَلَى رُكْنٍ مِنْ أَرْكَانِ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ وَهُوَ الْإِحْرَامُ وَبَيَانُ حَقِيقَتِهِ وَعَلَى سُنَّتَيْنِ وَمُسْتَحَبٍّ أَمَّا حَقِيقَةً فَقَالَ ع: ظَاهِرُ كَلَامِهِ عَلَى قَوْلِ ابْنِ حَبِيبٍ الْقَائِلِ بِأَنَّ الْإِحْرَامَ إنَّمَا يَنْعَقِدُ بِالنِّيَّةِ وَالْقَوْلِ فِي مَنَاسِكِ خَلِيلٍ حَقِيقَةُ الْإِحْرَامِ الدُّخُولُ بِالنِّيَّةِ فِي أَحَدِ

ــ

[حاشية العدوي]

تَهْلِيلٍ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَمٌ كَمَا ذَكَرَهُ الْفَاكِهَانِيُّ، أَمَّا إنْ أَتَى عِوَضَهَا بِمَعْنَاهَا كَإِجَابَةٍ إلَخْ فَالظَّاهِرُ أَنَّ ذَلِكَ كَالْعَدَمِ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْتِ بِهَا وَإِنَّمَا أَتَى بِلَفْظٍ أَجْنَبِيٍّ. [قَوْلُهُ: أَيْ إجَابَةٌ] أَيْ أَنَّ لَبَّيْكَ وَكَذَلِكَ أَخَوَاتُهُ مِنْ سَعْدَيْكَ وَدَوَالَيْكَ مَصَادِرُ عِنْدَ سِيبَوَيْهِ مُثَنَّاةٌ لَفْظًا، مَعْنَاهَا التَّكَثُّرُ وَالتَّكْرِيرُ الدَّائِمُ عَامِلُهَا مُقَدَّرٌ مِنْ مَعْنَاهَا أَيْ أَجَبْتُك إجَابَةً بَعْدَ إجَابَةٍ.

قَالَ الْقَسْطَلَّانِيُّ: وَهُوَ مَنْصُوبٌ عَلَى الْمَصْدَرِ بِعَامِلٍ مُضْمَرٍ أَيْ أَجَبْت إجَابَةً بَعْدَ إجَابَةٍ إلَى مَا لَا نِهَايَةَ لَهُ اهـ. إلَّا أَنَّهُ يُنَافِيهِ قَوْلُ بَعْضٍ وَوَجْهُ قَوْلِهِ إجَابَةً بَعْدَ إجَابَةٍ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: {أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى} [الأعراف: ١٧٢] فَهَذِهِ الْإِجَابَةُ الْأُولَى وَالثَّانِيَةُ أَيْ الَّتِي أَرَادَهَا بِقَوْلِهِ: أَيْ إجَابَةٌ إجَابَةٌ قَوْله تَعَالَى: {وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ} [الحج: ٢٧] يُقَالُ: إنَّ إبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَمَّا أَمَرَهُ اللَّهُ بِبِنَاءِ الْبَيْتِ فَبَنَاهُ فَلَمَّا أَتَمَّهُ أَمَرَهُ اللَّهُ أَنْ يُنَادِيَ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ فَقَالَ: يَا رَبِّ وَأَيْنَ يَبْلُغُ صَوْتِي فَقَالَ: عَلَيْك النِّدَاءُ وَعَلَيْنَا الْبَلَاغُ، فَقِيلَ: إنَّهُ صَعِدَ عَلَى الْمَقَامِ وَقِيلَ عَلَى جَبَلِ أَبِي قُبَيْسٍ فَنَادَى أَيُّهَا النَّاسُ إنَّ لِلَّهِ بَيْتًا فَحُجُّوهُ، فَكَانُوا يُجِيبُونَهُ مِنْ مَشَارِقِ الْأَرْضِ وَمَغَارِبِهَا وَمِنْ بُطُونِ النِّسَاءِ وَأَصْلَابِ الرِّجَالِ.

فَائِدَةٌ:

أَوَّلُ مَنْ أَجَابَ أَهْلُ الْيَمَنِ قَالَ ابْنُ الْمُنِيرِ: وَفِي مَشْرُوعِيَّةِ التَّلْبِيَةِ تَنْبِيهٌ عَلَى إكْرَامِ اللَّهِ تَعَالَى لِعِبَادِهِ بِأَنَّ وُفُودَهُمْ عَلَى بَيْتِهِ إنَّمَا كَانَ بِاسْتِدْعَائِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.

[قَوْلُهُ: وَقِيلَ إخْلَاصًا لَك] أَيْ أَخْلَصْت إخْلَاصًا أَيْ فَالتَّنْبِيهُ مِنْ اللُّبِّ وَهُوَ الْخَالِصُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ أَفَادَهُ زَرُّوقٌ ق شَرْحُ الْإِرْشَادِ. [قَوْلُهُ: بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ] أَيْ عَلَى أَنَّهُ تَعْلِيلٌ لِمَا قَبْلَهُ، وَقَوْلُهُ وَكَسْرُهَا أَيْ عَلَى الِاسْتِئْنَافِ إشَارَةً إلَى اسْتِحْقَاقِ الْحَمْدِ عَلَى كُلِّ حَالٍ حَتَّى قَالَ الْخَطَّابِيُّ: إنَّ الْفَتْحَ رِوَايَةُ الْعَامَّةِ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ عَلَيْهِ أَنَّ الْحَمْدَ إنَّمَا هُوَ لِخُصُوصِ هَذَا السَّبَبِ، وَالْوَاقِعُ أَنَّ الْبَارِيَ يَسْتَحِقُّ الْحَمْدَ لِذَاتِهِ وَبُحِثَ فِيهِ بِأَنَّهُ مَعَ الْكَسْرِ لِلتَّعْلِيلِ أَيْضًا مِنْ حَيْثُ إنَّهُ اسْتِئْنَافٌ جَوَابًا عَنْ السُّؤَالِ عَنْ الْعِلَّةِ عَلَى مَا قُرِّرَ فِي الْبَيَانِ. [قَوْلُهُ: بِالنَّصْبِ عَلَى الْأَشْهَرِ] أَيْ لِعَطْفِهِ عَلَى مَنْصُوبِ " إنَّ " قَبْلَ الِاسْتِكْمَالِ، وَمُقَابِلُ الْأَشْهَرِ جَوَازُ الرَّفْعِ عَلَى الِابْتِدَاءِ وَخَبَرُهُ لَك الْمُصَرَّحُ بِهَا فِي الْمُصَنَّفِ، وَخَبَرُ إنَّ مَحْذُوفٌ دَلَّ عَلَيْهِ مَا بَعْدَهُ أَوْ خَبَرُهُ مَحْذُوفٌ، وَالْمُصَرَّحُ بِهِ خَبَرُ إنَّ، وَمَعْنَى: النِّعْمَةُ لَك أَنَّهَا ثَابِتَةٌ لَك لِأَنَّك الْمُنْعِمُ عَلَى الْحَقِيقَةِ. [قَوْلُهُ: وَالْمُلْكَ] بِالنَّصْبِ عَلَى الْمَشْهُورِ وَيَجُوزُ الرَّفْعُ، وَالْخَبَرُ مَحْذُوفٌ لِدَلَالَةِ الْخَبَرِ الْمُتَقَدِّمِ عَلَيْهِ، وَأَفْرَدَ الْمُلْكَ لِأَنَّ الْحَمْدَ مُتَعَلِّقُ النِّعْمَةِ وَلِهَذَا يُقَالُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى نِعَمِهِ فَجَمَعَ بَيْنَهُمَا كَأَنَّهُ قَالَ: لَا مَجْدَ إلَّا لَك، وَأَمَّا الْمُلْكُ فَهُوَ مَعْنًى مُسْتَقِلٌّ بِنَفْسِهِ ذُكِرَ لِتَحْقِيقِ أَنَّ النِّعْمَةَ كُلَّهَا لِلَّهِ لِأَنَّهُ صَاحِبُ الْمُلْكِ. وَمَعْنَى قَوْلِهِ: وَالْمُلْكَ لَك وَالتَّصَرُّفُ التَّامُّ فِي جَمِيعِ الْأُمُورِ لَك. [قَوْلُهُ: اخْتَارَ بَعْضُهُمْ إلَخْ] لَعَلَّ وَجْهَ ذَلِكَ أَنَّ عَدَمَ الْوَقْفِ عَلَيْهِ يُوهِمُ أَنَّ الْمُرَادَ لَا شَرِيكَ لَك أَيْ فِي الْمُلْكِ مَعَ أَنَّ الْمُرَادَ مَا هُوَ أَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ أَيْ لَا شَرِيكَ لَك فِي الذَّاتِ وَلَا فِي الصِّفَاتِ وَلَا فِي الْمُلْكِ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْوَقْفَ عَلَى الْمُلْكِ وَالِابْتِدَاءَ بِقَوْلِهِ: لَا شَرِيكَ لَك يُفِيدُ ذَلِكَ فَتَدَبَّرْ.

[قَوْلُهُ: وَهُوَ الْإِحْرَامُ] أَيْ الَّذِي أَفَادَهُ بِقَوْلِهِ: وَيَنْوِي أَيْ فَالْإِحْرَامُ النِّيَّةُ. [قَوْلُهُ: وَبَيَانُ إلَخْ] مَعْطُوفٌ عَلَى رُكْنٍ فَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ وَيَنْوِي إلَخْ تَفْسِيرٌ لِقَوْلِهِ وَيُحْرِمُ إلَخْ. [قَوْلُهُ: وَالْقَوْلُ] أَيْ التَّلْبِيَةُ. [قَوْلُهُ: الدُّخُولُ بِالنِّيَّةِ] فِي الْعِبَارَةِ تَسَامُحٌ لِأَنَّ الْإِحْرَامَ النِّيَّةُ مَعَ الْغَيْرِ. [قَوْلُهُ: مُتَعَلِّقٌ

<<  <  ج: ص:  >  >>