للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حَوَّاءَ، وَقِيلَ: لِأَنَّ الدِّمَاءَ تُمْنَى: أَيْ تُرَاقُ فِيهَا وَبَيْنَهَا وَبَيْنَ مَكَّةَ سِتَّةُ أَمْيَالٍ، فَإِذَا خَرَجَ إلَيْهَا يُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ خُرُوجُهُ إلَيْهَا بِقَدْرِ مَا إذَا وَصَلَ حَانَتْ الصَّلَاةُ (فَصَلَّى بِهَا الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ) يُسْتَحَبُّ لَهُ أَيْضًا عَلَى مَا فِي الْمُخْتَصَرِ أَوْ يُسَنُّ عَلَى مَا قَالَهُ الشَّيْخُ فِي بَابِ جُمَلٍ أَنْ يَبِيتَ بِهَا فَيُصَلِّيَ بِهَا (الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ وَالصُّبْحَ) وَالْأَصْلُ فِي هَذَا كُلِّهِ فِعْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمَنْ لَمْ يُصَلِّ بِهَا الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ وَبَاتَ بِهَا فَلَا دَمَ عَلَيْهِ اتِّفَاقًا، وَمَنْ تَرَكَ الْمَبِيتَ بِهَا كُرِهَ لَهُ ذَلِكَ وَلَا دَمَ عَلَيْهِ عَلَى الْمَشْهُورِ.

وَكَذَلِكَ يُكْرَهُ التَّقَدُّمُ إلَيْهَا قَبْلَ يَوْمِ التَّرْوِيَةِ وَإِلَى عَرَفَةَ قَبْلَ يَوْمِ عَرَفَةَ (ثُمَّ) إذَا صَلَّى الصُّبْحَ مِنْ الْيَوْمِ التَّاسِعِ بِمِنًى يُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يَخْرُجَ مِنْهَا إلَّا بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ (فَيَمْضِي إلَى عَرَفَاتٍ) وَهُوَ مَوْضِعُ الْوُقُوفِ، سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّ جِبْرِيلَ كَانَ يُرِي إبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِمَا السَّلَامُ - الْمَنَاسِكَ وَيَقُولُ لَهُ: عَرَفْت. وَيُسْتَحَبُّ فِي ذَهَابِهِ إلَيْهَا أَنْ يَسْلُكَ عَلَى الْمُزْدَلِفَةِ وَيَجُوزُ مِنْ بَيْنِ الْمَأْزِمَيْنِ كُلُّ ذَلِكَ لِفِعْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِذَا وَصَلَ إلَى عَرَفَةَ فَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ يَنْزِلَ بِنَمِرَةَ وَهُوَ مِنْ آخِرِ الْحَرَمِ وَأَوَّلُ الْحِلِّ وَقَوْلُهُ: (وَلَا يَدَعُ التَّلْبِيَةَ فِي هَذَا كُلِّهِ) أَيْ فِيمَا ذَكَرَهُ مِنْ بَعْدِ فَرَاغِهِ مِنْ السَّعْيِ (حَتَّى تَزُولَ الشَّمْسُ مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ وَيَرُوحُ إلَى مُصَلَّاهَا) تَكْرَارٌ مَعَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِهِ: ثُمَّ يُعَاوِدُهَا حَتَّى نُزُولِ الشَّمْسِ مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ وَيَرُوحُ إلَى مُصَلَّاهَا وَهُوَ مَسْجِدُ نَمِرَةَ.

(وَلْيَتَطَهَّرْ) أَيْ يَغْتَسِلُ بَعْدَ الزَّوَالِ (قَبْلَ رَوَاحِهِ إلَى الْمُصَلَّى) وَلَا يَتَدَلَّك فِي هَذَا الْغُسْلِ دَلْكًا بَالِغًا بَلْ بِإِمْرَارِ الْيَدِ فَقَطْ، وَهَذَا آخِرُ اغْتِسَالَاتِ الْحَجِّ الثَّلَاثَةِ وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُ حُكْمِهِ وَهُوَ

ــ

[حاشية العدوي]

مَا ذُكِرَ فَتَكُونُ تِلْكَ التَّسْمِيَةُ بَعْدَ إبْرَاهِيمَ وَهَلْ فِي أَيِّ زَمَنٍ وَمَنْ الْمُسَمِّي؟

[قَوْلُهُ: وَقِيلَ لِأَنَّ الدِّمَاءَ تُمْنَى أَيْ تُرَاقُ فِيهَا] لَا يَخْفَى أَنَّهَا كَانَتْ أَيْضًا تُرَاقُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَفِي أَيِّ زَمَنٍ حَدَثَتْ الْمُتَسَمِّيَةُ وَمَنْ الْمُسَمِّي؟ . [قَوْلُهُ: بِقَدْرِ مَا إذَا وَصَلَ إلَخْ] هَذَا يُفِيدُ أَنَّهُ يَخْرُجُ نَدْبًا مِنْ مَكَّةَ قَبْلَ الزَّوَالِ مُوَافِقًا لِلْجُزُولِيِّ فَإِنَّهُ قَالَ: يَخْرُجُ مِنْ مَكَّةَ فِي الْيَوْمِ الثَّامِنِ بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ بِمِقْدَارِ مَا يَصِلُ عِنْدَ الزَّوَالِ، فَيُصَلِّي بِهَا الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ إلَخْ.

وَهُوَ خِلَافُ الرَّاجِحِ. وَالرَّاجِحُ أَنَّ الْأَوَّلَ الْخُرُوجُ لِمِنًى قَدْرَ مَا يَدْرِك بِهَا الظُّهْرَ وَلَوْ خَرَجَ قَبْلَ ذَلِكَ فِي يَوْمِ التَّرْوِيَةِ كَمَا قَالَ الْحَطَّابُ لَجَازَ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ كَلَامَ الْحَطَّابِ يُفِيدُ أَنَّ الْخُرُوجَ قَبْلَ الزَّوَالِ خِلَافُ الْأَوْلَى لَا مَكْرُوهٌ، وَالْكَرَاهَةُ إنَّمَا تَكُونُ إذَا خَرَجَ لِمِنًى قَبْلَ يَوْمِهَا.

قَالَ خَلِيلٌ: وَخُرُوجُهُ لِمِنًى قَدْرَ مَا يَدْرِك بِهَا الظُّهْرَ قَالَ بَعْضُ شُرَّاحِهِ. وَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ يَخْرُجَ بَعْدَ الزَّوَالِ وَمَنْ بِهِ أَوْ بِدَابَّتِهِ ضَعْفٌ بِحَيْثُ لَا يُدْرِكُ آخِرَ الْوَقْتِ الْمُخْتَارِ إذَا خَرَجَ بَعْدَ الزَّوَالِ يَخْرُجُ قَبْلَ ذَلِكَ مِقْدَارَ مَا يُدْرِكُ بِهَا الظُّهْرَ فِي آخِرِ الْمُخْتَارِ. أَقُولُ: فَإِذَا كَانَ الْخُرُوجُ لِمِنًى بَعْدَ الزَّوَالِ فَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يُصَلِّيَ بِمَكَّةَ الظُّهْرَ، فَأَيُّ مُوجِبٍ لِلتَّأْخِيرِ، إلَّا أَنْ يُقَالَ هُوَ تَعَبُّدٌ مَحْضٌ لِفِعْلِ النَّبِيِّ ذَلِكَ [قَوْلُهُ: وَيُسْتَحَبُّ لَهُ أَيْضًا عَلَى مَا فِي الْمُخْتَصَرِ] أَيْ وَهُوَ الرَّاجِحُ [قَوْلُهُ: وَالْأَصْلُ فِي هَذَا كُلِّهِ فِعْلُهُ إلَخْ] فَقَدْ رَوَى أَحْمَدُ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى بِمِنًى خَمْسَ صَلَوَاتٍ أَيْ الظُّهْرَ وَالصُّبْحَ وَمَا بَيْنَهُمَا» [قَوْلُهُ: وَلَا دَمَ عَلَيْهِ عَلَى الْمَشْهُورِ] وَمُقَابِلُهُ لِابْنِ الْعَرَبِيِّ أَنَّ عَلَيْهِ الدَّمَ

[قَوْلُهُ: وَهُوَ مَوْضِعُ الْوُقُوفِ] وَقِيلَ: جَمِيعُ عَرَفَةَ لِأَنَّ كُلَّ جُزْءٍ مِنْهُ يُسَمَّى عَرَفَةَ [قَوْلُهُ: الْمَنَاسِكُ] جَمْعُ مَنْسَكٍ قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ: وَالْمَنْسَكُ بِفَتْحِ السِّينِ وَكَسْرِهَا أَيْ يُرِيهِ أَفْعَالَ الْحَجِّ وَمَوَاضِعَهَا كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ رِوَايَةُ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ عَنْ أَبِي مَجَازٍ الَّتِي ذَكَرَهَا الْقَسْطَلَّانِيُّ، أَيْ مِنْ طَوَافٍ وَغَيْرِهِ حَتَّى أَتَى بِهَا جَمْعًا فَقَالَ: هَاهُنَا تُجْمَعُ الصَّلَاةُ ثُمَّ أَتَى بِهِ مِنًى فَتَعَرَّضَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ فَأَخَذَ جِبْرِيلُ سَبْعَ حَصَيَاتٍ فَقَالَ: ارْمِ بِهَا وَكَبِّرْ مَعَ كُلِّ حَصَاةٍ. أَقُولُ: فَإِذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ فَيَكُونُ قَوْلُ جِبْرِيلَ لِإِبْرَاهِيمَ عَرَفْت أَيْ أَعَرَفْت فِي خُصُوصِ عَرَفَاتٍ، وَإِنْ كَانَ عَرَفَةُ بَعْدَ ذَلِكَ [قَوْلُهُ: كُلُّ ذَلِكَ] أَيْ مَا ذُكِرَ مِنْ الْخُرُوجِ بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ لِعَرَفَاتٍ وَالسُّلُوكُ عَلَى الْمُزْدَلِفَةِ وَالْجَوَازِ بَيْنَ الْمَأْزِمَيْنِ [قَوْلُهُ: وَهُوَ مِنْ آخِرِ إلَخْ] الْمُنَاسِبُ وَهِيَ أَقُولُ لَا يَخْفَى أَنَّ فِي الْعِبَارَةِ تَنَافِيًا لِأَنَّ قَوْلَهُ مِنْ آخِرِ الْحَرَمِ يُفِيدُ أَنَّهَا مِنْ الْحَرَمِ. وَقَوْلُهُ: أَوَّلُ الْحِلِّ يُفِيدُ أَنَّهَا مِنْ الْحِلِّ وَهُوَ الصَّوَابُ، وَفِي عِبَارَةٍ وَهُوَ بِفَتْحِ النُّونِ وَكَسْرِ الْمِيمِ وَهُوَ مَكَانٌ

<<  <  ج: ص:  >  >>