للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالُوا: مَا لَمْ يَشُقَّ عَلَى الدَّابَّةِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ رَاكِبًا فَقَائِمًا وَلَا يَجْلِسُ إلَّا لِعِلَّةٍ أَوْ كَلَالٍ أَيْ تَعَبٍ، وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ طَاهِرًا مِنْ الْجَنَابَةِ مُتَوَضِّئًا لِيَكُونَ فِي هَذَا الْمَشْهَدِ الْعَظِيمِ عَلَى أَكْمَلِ الْحَالَاتِ، وَيُسْتَحَبُّ التَّسْبِيحُ وَالتَّحْمِيدُ وَالتَّهْلِيلُ وَالتَّكْبِيرُ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالدُّعَاءُ لِنَفْسِك وَلِوَالِدَيْك وَالتَّطْوِيلُ فِي ذَلِكَ لِلْغُرُوبِ، وَيُسْتَحَبُّ لَهُ الْفِطْرُ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي بَابِ جُمَلٍ لِيَقْوَى عَلَى الْعِبَادَةِ.

(ثُمَّ) بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ وَتَمَكُّنِ اللَّيْلِ (يُدْفَعُ) الْحَاجُّ (بِدَفْعِهِ) أَيْ بِدَفْعِ الْإِمَامِ (إلَى الْمُزْدَلِفَةَ) عَلَى جِهَةِ الِاسْتِحْبَابِ، فَإِنْ دَفَعَ قَبْلَ دَفْعِهِ بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ أَجْزَأَهُ وَكَانَ تَارِكًا لِلْأَفْضَلِ، وَيُسْتَحَبُّ لَهُ الدَّفْعُ مِنْ بَيْنِ الْمَأْزِمَيْنِ بِالْهَمْزِ وَكَسْرِ الزَّايِ وَبِفَتْحِ الْمِيمَيْنِ مُثَنَّى مَأْزِمٍ وَهُمَا جَبَلَانِ بَيْنَ عَرَفَةَ وَالْمُزْدَلِفَةِ، وَإِنْ دَفَعَ خَلْفَهُمَا فَقَدْ تَرَكَ الْمُسْتَحَبَّ وَسُمِّيَتْ مُزْدَلِفَةَ بِكَسْرِ اللَّامِ لِأَنَّهَا زُلْفَةٌ أَيْ قُرْبَةٌ يُتَقَرَّبُ بِدُخُولِهَا إلَى اللَّهِ تَعَالَى، وَتُسَمَّى أَيْضًا قُزَحُ وَجَمْعًا بِفَتْحِ الْجِيمِ وَسُكُونِ الْمِيمِ وَبِالْمُهْمَلَةِ، فَإِذَا وَصَلَ إلَيْهَا فَلْيَكُنْ أَوَّلَ اهْتِمَامِهِ إقَامَةُ الصَّلَاةِ بَعْدَ حَطِّ مَا خَفَّ مِنْ الْحَمْلِ (فَيُصَلِّي مَعَهُ) أَيْ مَعَ الْإِمَامِ (بِمُزْدَلِفَةِ الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ) جَمْعًا، وَقَصْرًا لِلْعِشَاءِ لِغَيْرِ أَهْلِ مُزْدَلِفَةَ عَلَى مَا قَالَهُ الشَّيْخُ. وَظَاهِرُ الْمُخْتَصَرِ أَنَّ هَذَا الْجَمْعَ مُسْتَحَبٌّ وَكَذَلِكَ الْجَمْعُ إنْ كَانَ وَبَعْدَهُ عَلَى الْمَشْهُورِ.

(وَ) إذَا طَلَعَ الْفَجْرُ اُسْتُحِبَّ لَهُ أَنْ

ــ

[حاشية العدوي]

قَوْلُهُ: فَقَائِمًا] أَيْ يُسْتَحَبُّ الْقِيَامُ أَيْ لِلرِّجَالِ دُونَ النِّسَاءِ وَإِلَّا فَالْجُلُوسُ أَفْضَلُ لَهُنَّ لِلسَّتْرِ [قَوْلُهُ: إلَّا لِعِلَّةٍ] أَيْ مَرَضٍ. وَقَوْلُهُ: أَوْ كَلَالٍ بِفَتْحِ الْكَافِ [قَوْلُهُ: الْمَشْهَدُ الْعَظِيمُ] الْمَشْهَدُ الْمَحْضَرُ وَزْنًا وَمَعْنًى، قَالَهُ فِي الْمِصْبَاحِ. وَوَصَفَهُ بِالْعَظِيمِ بِاعْتِبَارِ الْحَالِ فِيهِ وَهُمْ الْوَاقِفُونَ أَوْ أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ الْحَالَيْنِ فِيهِ مَجَازًا [قَوْلُهُ: وَالتَّهْلِيلُ] أَيْ قَوْلُ: لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ [قَوْلُهُ: وَلِوَالِدَيْك] أَيْ وَلِلْمُؤْمِنِينَ، وَأَرَادَ بِالْوَالِدَيْنِ مَا يَشْمَلُ الْأَشْيَاخَ. فَإِنْ قُلْت: إنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ مُسْتَحَبَّةٌ مُطْلَقًا فَالْجَوَابُ أَنَّ الْمُرَادَ يُسْتَحَبُّ اسْتِحْبَابًا أَكِيدًا. [قَوْلُهُ: وَالتَّطْوِيلُ فِي ذَلِكَ] مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ التَّسْبِيحُ، فَأَصْلُ مَا تَقَدَّمَ مُسْتَحَبٌّ وَالتَّطْوِيلُ مُسْتَحَبٌّ آخَرَ

[قَوْلُهُ: وَكَانَ تَارِكًا لِلْأَفْضَلِ] وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ خِلَافُ الْأَوْلَى لَا مَكْرُوهٌ [قَوْلُهُ: وَهُمَا جَبَلَانِ] وَيُعْرَفَانِ الْآنَ بِالْعَلَمَيْنِ [قَوْلُهُ: لِأَنَّهَا زُلْفَةٌ] أَيْ ذَاتُ زُلْفَةٍ أَيْ قُرْبَةٍ لِأَنَّ الْقُرْبَةَ فِي الْمَعْنَى هُوَ الدُّخُولُ فِيهَا أَيْ فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ. فَمَعْنَى مُزْدَلِفَةُ أَيْ ذَاتُ زُلْفَةٍ [قَوْلُهُ: وَتُسَمَّى أَيْضًا قُزَحُ] بِضَمِّ الْقَافِ وَفَتْحِ الزَّايِ قَالَ فِي الْقَامُوسِ: قُزَحُ جَبَلٌ بِالْمُزْدَلِفَةِ وَقَالَ فِي الْمِصْبَاحِ. وَالْمَشْعَرُ الْحَرَامُ جَبَلٌ بِآخِرِ الْمُزْدَلِفَةِ وَاسْمُهُ قُزَحُ. فَانْظُرْ كَلَامَ هَذَا الشَّارِحِ. [قَوْلُهُ: وَجَمْعًا] قِيلَ لِاجْتِمَاعِ آدَمَ وَحَوَّاءَ فِيهَا وَقِيلَ لِاجْتِمَاعِ النَّاسِ فِيهَا وَقِيلَ لِجَمْعِ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ فِيهَا [قَوْلُهُ: بَعْدَ حَطِّ مَا خَفَّ إلَخْ] أَيْ وَأَمَّا الْمَحَامِلُ وَالزَّوَامِلُ فَلَا أَرَى ذَلِكَ، وَلْيَبْدَأْ بِالصَّلَاةِ ثُمَّ يَحُطَّ قَالَهُ مَالِكٌ وَأَشْهَبُ إلَّا أَنْ يَعْرِضَ ثِقَلٌ لِلدَّوَابِّ. [قَوْلُهُ: فَيُصَلِّي مَعَهُ] أَيْ مَعَ الْإِمَامِ وَاعْلَمْ أَنَّ حَاصِلَ فِقْهِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ مَنْ وَقَفَ مَعَ الْإِمَامِ وَنَفَرَ مَعَهُ يَجْمَعُ مَعَهُ بِالْمُزْدَلِفَةِ مِنْ غَيْرِ إشْكَالٍ، وَمَنْ وَقَفَ مَعَهُ وَتَأَخَّرَ لِعُذْرٍ فَإِنَّهُ يَجْمَعُ فِي أَيِّ مَحَلٍّ شَاءَ، فَإِنْ وَقَفَ مَعَهُ وَتَأَخَّرَ اخْتِيَارًا لَا يَجْمَعُ إلَّا فِي الْمُزْدَلِفَةِ، وَمَنْ لَمْ يَقِفْ مَعَ الْإِمَامِ لَا يَجُوزُ جَمْعُهُ مُطْلَقًا بَلْ يُصَلِّي كُلَّ صَلَاةٍ لِوَقْتِهَا. [قَوْلُهُ: عَلَى مَا قَالَهُ الشَّيْخُ] كَأَنَّهُ أَرَادَ فِي النَّوَادِرِ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ وَأَمَّا هُمْ عَلَى مَا قَالَهُ الشَّيْخُ بِدُونِ جَوَابٍ لِأَمَّا.

[قَوْلُهُ: وَظَاهِرُ الْمُخْتَصَرِ أَنَّ هَذَا الْجَمْعَ مُسْتَحَبٌّ] أَيْ لِقَوْلِهِ وَصَلَاتُهُ بِمُزْدَلِفَةَ الْعِشَاءَيْنِ عَطْفًا عَلَى الْمَنْدُوبِ، أَيْ وَهُوَ خِلَافُ الْمَذْهَبِ وَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ سُنَّةٌ. [قَوْلُهُ: وَكَذَلِكَ الْجَمْعُ إنْ كَانَ وَحْدَهُ] أَيْ مَنْدُوبٌ هَذَا مَعْنَاهُ وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الرَّاجِحَ أَنَّهُ سُنَّةٌ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ ظَاهِرَهُ أَنَّهُ وَقَفَ وَحْدَهُ مَعَ أَنَّهُ إذَا وَقَفَ وَحْدَهُ فَالرَّاجِحُ أَنَّهُ يُصَلِّي كُلَّ صَلَاةٍ لِوَقْتِهَا فَلَا يَجْمَعُ، وَمُقَابِلُهُ أَنَّهُ إنْ كَانَ يُدْرِكُ الْمُزْدَلِفَةَ ثُلُثَ اللَّيْلِ أَخَّرَ الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ حَتَّى يُصَلِّيَهُمَا الْمُزْدَلِفَةَ وَإِنْ لَمْ يَطْمَعْ بِذَلِكَ صَلَّى كُلَّ صَلَاةٍ لِوَقْتِهَا، وَيُمْكِنُ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى مَا إذَا وَقَفَ مَعَ الْإِمَامِ وَعَجَزَ عَنْ السَّيْرِ مَعَهُ عَلَى مَا حَكَاهُ بَعْضُهُمْ مِنْ أَنَّ فِيهِ خِلَافًا وَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ يَجْمَعُ

<<  <  ج: ص:  >  >>