للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَإِنَّ لِرَبِّهِ أَخْذَهُ مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ مِنْهُمْ بِغَيْرِ عِوَضٍ (وَمَا وَقَعَ فِي الْمَقَاسِمِ مِنْهَا) أَيْ مِنْ أَمْوَالِ الْمُسْلِمِينَ (فَرَبُّهُ أَحَقُّ بِهِ بِالثَّمَنِ) هَذَا إذَا وَجَدَهُ مَعَ مَنْ اشْتَرَاهُ مِنْ الْغَنِيمَةِ، أَمَّا إذَا وَجَدَهُ فِي يَدِ مَنْ أَخَذَهُ فِي سَهْمِهِ أَوْ جَهِلَ الثَّمَنَ، فَلَا يَأْخُذُهُ إلَّا بِالْقِيمَةِ لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْغَيْرِ بِهِ (وَمَا لَمْ يَقَعْ فِي الْمَقَاسِمِ مِنْهَا فَرَبُّهُ أَحَقُّ بِهِ بِلَا ثَمَنٍ) وَهَذِهِ التَّفْرِقَةُ لِمَالِكٍ وَعَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ، لَا يَكُونُ رَبُّهُ أَحَقَّ بِهِ مُطْلَقًا، سَوَاءٌ كَانَ قَبْلَ الْقَسْمِ أَوْ بَعْدَهُ.

(وَلَا نَفَلَ) بِفَتْحِ الْفَاءِ وَسُكُونِهَا، وَهُوَ لُغَةً: الزِّيَادَةُ وَشَرْعًا: الزِّيَادَةُ عَلَى السَّهْمِ وَحُكْمُهُ أَنَّهُ مُبَاحٌ لَا يُعْطَى (إلَّا) لِمَنْ لَهُ سَهْمٌ فِي الْغَنِيمَةِ، وَلَا يَكُونُ مِنْ أَصْلِ الْغَنِيمَةِ، وَإِنَّمَا يَكُونُ (مِنْ الْخُمُسِ عَلَى الِاجْتِهَادِ مِنْ الْإِمَامِ) لِمَا رَوَى ابْنُ وَهْبٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّمَا نَفَلَ يَوْمَ حُنَيْنٍ

ــ

[حاشية العدوي]

عَلَى رَبِّهِ [قَوْلُهُ: بِخِلَافِ الْهِبَةِ لِلَّهِ إلَخْ] يَعْنِي أَنَّ مَنْ دَخَلَ دَارَ الْحَرْبِ، فَوَهَبَهُ حَرْبِيٌّ سِلْعَةً أَوْ عَبْدًا هَرَبَ لِدَارِ الْحَرْبِ أَوْ غَارَ عَلَيْهِ الْحَرْبِيُّ فَإِذَا قَدِمَ بِذَلِكَ الْمَوْهُوبِ لَهُ فَإِنَّ رَبَّهُ الْمُسْلِمَ أَوْ الذِّمِّيَّ يَأْخُذُهُ مِنْهُ بِغَيْرِ عِوَضٍ، وَمَا وُهِبُوهُ بِدَارِنَا قَبْلَ تَأْمِينِهِمْ حُكْمُهُ حُكْمُ مَا وُهِبُوهُ بِدَارِهِمْ، وَأَمَّا مَا وُهِبُوهُ بِدَارِنَا بَعْدَ دُخُولِهِمْ إلَيْنَا بِأَمَانٍ فَإِنَّ ذَلِكَ يُفَوَّتُ عَلَى رَبِّهِ.

[قَوْلُهُ: وَمَا وَقَعَ فِي الْمَقَاسِمِ] أَيْ جَهْلًا بِحَالِهَا احْتِرَازًا مِمَّا لَوْ قُسِمَ مَعَ مَعْرِفَةِ مَالِكِهِ، فَإِنَّهُ لَا يَمْضِي قَسْمُهُ وَلِرَبِّهِ أَخْذُهُ مَجَّانًا، إلَّا أَنْ يَكُونَ الْإِمَامُ قَسَمَهُ مُتَأَوِّلًا أَوْ مُقَلِّدًا، قَوْلُ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ إنَّ الْكَافِرَ يَمْلِكُ مَالَ الْمُسْلِمِ فَلَا يَأْخُذُهُ رَبُّهُ إلَّا بِالثَّمَنِ، فَلَوْ وُجِدَ فِي الْغَنِيمَةِ مَالُ مُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ، وَلَمْ يُعْرَفْ عَيْنُ صَاحِبِهِ وَلَا نَاحِيَتُهُ فَإِنَّهُ يَجُوزُ قَسْمُهُ. [قَوْلُهُ: هَذَا إذَا وَجَدَهُ مَعَ مَنْ اشْتَرَاهُ مِنْ الْغَنِيمَةِ] أَيْ، وَأَثْبَتَهُ بِالطَّرِيقِ الشَّرْعِيِّ، وَهَذَا بِنَاءً عَلَى الْقَوْلِ بِالْبَيْعِ لِيَقْسِمَ، فَلَوْ بِيعَ مِرَارًا وَاخْتَلَفَتْ أَثْمَانُهُ لَا يَأْخُذُهُ إلَّا بِالثَّمَنِ الْأَوَّلِ خَاصَّةً الَّذِي بِيعَ بِهِ، وَيُرَادُ بِالْمَقَاسِمِ عَلَى هَذَا الْحَلِّ الْمَغَانِمَ تَأَمَّلْ.

[قَوْلُهُ: أَمَّا إذَا وَجَدَهُ فِي يَدِ إلَخْ] عَلَى الْقَوْلِ بِقِسْمَةِ الْأَعْيَانِ تَصْدُقُ بِصُوَرٍ بِمَا إذَا قُوِّمَ عَلَيْهِ أَوْ أَخَذَهُ بِلَا تَقْوِيمٍ أَوْ جَهِلَ مَا قُوِّمَ بِهِ، فَفِي الْأُولَى يَأْخُذُهُ بِمَا قُوِّمَ بِهِ، وَفِي الثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ يَأْخُذُهُ بِقِيمَتِهِ، وَفِي هَاتَيْنِ الصُّورَتَيْنِ تُعْتَبَرُ الْقِيمَةُ يَوْمَ يَأْخُذُهُ رَبُّهُ [قَوْلُهُ: وَمَا لَمْ يَقَعْ فِي الْمَقَاسِمِ] قَصْدُهُ أَنَّ الْمُسْلِمَ أَوْ الذِّمِّيَّ إذَا وَجَدَ أَحَدُهُمَا مَتَاعَهُ فِي الْغَنِيمَةِ قَبْلَ قِسْمَتِهَا، وَشَهِدَتْ لَهُ الْبَيِّنَةُ بِذَلِكَ أَوْ عَرَفَهُ وَاحِدٌ مِنْ الْعَسْكَرِ كَمَا قَالَ الْبَرْقِيُّ، وَأَبُو عُبَيْدٍ، لَا يَقْسِمُ مَا عَرَفَهُ وَاحِدٌ مِنْ الْعَسْكَرِ فَلَا يَتَوَقَّفُ ذَلِكَ عَلَى الثُّبُوتِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يُسْتَعْمَلُ فِيمَا هُوَ سَبَبٌ لِلِاسْتِحْقَاقِ كَالْبَيِّنَةِ، فَإِنَّهُ يَأْخُذُهُ بِغَيْرِ عِوَضٍ لَكِنْ بَعْدَ أَنْ يَحْلِفَ الْيَمِينَ الشَّرْعِيَّةَ أَنَّهُ مَا بَاعَ وَلَا وَهَبَ وَلَا خَرَجَ عَنْ مِلْكِهِ بِنَاقِلٍ شَرْعِيٍّ، وَأَنَّهُ بَاقٍ عَلَى مِلْكِهِ إلَى الْآنَ، فَيَسْتَحِقُّ قَبْضَهُ، وَأَخْذَهُ، وَتُسَمَّى هَذِهِ الْيَمِينُ يَمِينَ الِاسْتِظْهَارِ، وَهِيَ مُكَمِّلَةٌ لِلْحُكْمِ هَذَا إذَا كَانَ صَاحِبُهُ حَاضِرًا، فَإِنْ كَانَ غَائِبًا حُمِلَ لَهُ إنْ كَانَ الْحَمْلُ خَيْرًا لَهُ وَيَحْلِفُ أَيْضًا، وَحُمِلَ لَهُ مَعَ احْتِمَالِ أَنْ لَا يَحْلِفَ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِيمَنْ لَهُ حَقٌّ أَنْ يَحْلِفَ، مَعَ أَنَّ الْيَمِينَ اسْتِظْهَارٌ وَهِيَ مُكَمِّلَةٌ لِلْحُكْمِ وَقَدْ قِيلَ فِيهَا: إنَّهَا غَيْرُ وَاجِبَةٍ، وَذَكَرَ عج عَنْ ابْنِ عَرَفَةَ أَنَّهُ يَدْفَعُ لَهُ مِنْ غَيْرِ يَمِينٍ وَعَلَيْهِ كِرَاؤُهُ. اهـ.

فَإِنْ زَادَ الْكِرَاءُ عَلَى قِيمَتِهِ فَإِنَّهُ يُبَاعُ لَهُ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَتْ الْمَصْلَحَةُ فِي بَيْعِهِ أَوْ اسْتَوَتْ مَصْلَحَةُ الْبَيْعِ وَالْإِرْسَالِ فَإِنَّهُ يُبَاعُ لِأَجْلِهِ [قَوْلُهُ: وَعَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ] ضَعِيفٌ.

[قَوْلُهُ: وَلَا نَفَلَ إلَّا مِنْ الْخُمُسِ] الْحَصْرُ إضَافِيٌّ أَيْ لَا مِنْ الْأَرْبَعَةِ أَخْمَاسَ الْبَاقِيَةِ لِلْمُجَاهِدِينَ، فَلَا يُنَافِي أَنَّ لَهُ أَنْ يَنْفُلَ مِنْ نَحْوِ الْجِزْيَةِ أَوْ غَيْرِهَا مِمَّا يُوضَعُ فِي بَيْتِ الْمَالِ. [قَوْلُهُ: وَشَرْعًا الزِّيَادَةُ] النَّفَلُ إمَّا كُلِّيٌّ، وَإِمَّا جُزْئِيٌّ. فَالْكُلِّيُّ: هُوَ قَوْلُ الْإِمَامِ مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبُهُ. وَالْجُزْئِيُّ: هُوَ الشَّيْءُ الَّذِي يَخُصُّ بِهِ الْإِمَامُ بَعْضَ الْجَيْشِ، كَأَنْ يَقُولَ خُذْ يَا فُلَانُ هَذَا الْبَعِيرَ أَوْ هَذَا الدِّينَارَ مَثَلًا. [قَوْلُهُ: وَحُكْمُهُ أَنَّهُ مُبَاحٌ لَا يُعْطَى إلَّا لِمَنْ لَهُ إلَخْ] يَعْنِي أَنَّ النَّفَلَ فِي الشَّرْعِ هُوَ الزِّيَادَةُ مِنْ خُمُسِ الْغَنِيمَةِ، فَلَا يُعْطِيهِ لِعَبْدٍ وَلَا لِصَبِيٍّ وَلَا لِامْرَأَةٍ وَقَوْلُهُ عَلَى الِاجْتِهَادِ مِنْ الْإِمَامِ أَيْ فَلِأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ أَنْ يَزِيدَ الْخُمُسَ لِمَنْ شَاءَ مِنْ الْمُجَاهِدِينَ مَا يَرَى زِيَادَتَهُ، إنْ كَانَ لِمَصْلَحَةٍ كَقُوَّةِ بَطْشِ الْآخِذِ وَشَجَاعَتِهِ، أَوْ يَرَى ضَعْفًا مِنْ الْجَيْشِ فَيُرَغِّبُهُمْ بِذَلِكَ فِي الْقِتَالِ لَا لِغَيْرِ مَصْلَحَةٍ، فَإِنْ اسْتَوَوْا نَفَلَ جَمِيعَهُمْ أَوْ تَرَكَ،

<<  <  ج: ص:  >  >>