للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لَيْسَ بِمُرَابِطٍ، وَإِنَّمَا الْمُرَابِطُ مَنْ خَرَجَ مِنْ مَنْزِلِهِ مُعْتَقِدًا الرِّبَاطَ وَالثُّغُورُ مَوْضِعُ الْمَخَافَةِ مِنْ فُرُوجِ الْبُلْدَانِ. وَذَكَرَ فِي بَابِ جُمَلٍ أَنَّهُ وَاجِبٌ يَحْمِلُهُ مَنْ قَامَ بِهِ، وَذَكَرَ فِي الْبَابِ الَّذِي بَعْدَ هَذَا مَنْ نَذَرَهُ، وَتَكَلَّمَ هُنَا عَلَى فَضْلِهِ فَقَالَ (فِيهِ فَضْلٌ كَبِيرٌ) رُوِيَ بِالْمُثَلَّثَةِ وَالْمُوَحَّدَةِ، وَالرِّبَاطُ أَفْضَلُ مِنْ الْجِهَادِ، وَهُوَ الرَّاجِحُ، رَوَى الْبُخَارِيُّ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «رِبَاطُ يَوْمٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ خَيْرٌ مِنْ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا» . وَاخْتُلِفَ هَلْ هُوَ أَفْضَلُ أَوْ الْجِهَادُ (وَذَلِكَ) الْفَضْلُ الْمَذْكُورُ مُتَفَاوِتٌ (بِقَدْرِ كَثْرَةِ خَوْفِ أَهْلِ ذَلِكَ الثَّغْرِ وَكَثْرَةِ تَحَرُّزِهِمْ مِنْ عَدُوِّهِمْ) وَقَتْلِهِ، وَالْخَوْفُ وَالتَّحَرُّزُ مُتَلَازِمَانِ فَمَتَى اشْتَدَّ الْخَوْفُ اشْتَدَّ التَّحَرُّزُ.

(وَلَا يُغْزَى بِغَيْرِ إذْنِ الْأَبَوَيْنِ) إذَا كَانَا مُسْلِمَيْنِ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ وَعِنْدَ سَحْنُونَ مُطْلَقًا، مُسْلِمَيْنِ كَانَا أَوْ كَافِرَيْنِ (إلَّا أَنْ يَفْجَأَ الْعَدُوُّ) أَيْ يَنْزِلُونَ (مَدِينَةَ قَوْمٍ) أَوْ غَيْرَهَا (وَيُغِيرُونَ عَلَيْهِمْ) أَيْ عَلَى أَهْلِ الْمَدِينَةِ

ــ

[حاشية العدوي]

قَائِلًا؟ وَمِنْ ثَمَّ اخْتَارَ كَثِيرٌ مِنْ السَّلَفِ سُكْنَى الثُّغُورِ [قَوْلُهُ: مُعْتَقِدًا الرِّبَاطَ] أَيْ قَاصِدًا الرِّبَاطَ [قَوْلُهُ: مِنْ فُرُوجِ الْبُلْدَانِ إلَخْ] جَمْعُ فَرْجٍ يُطْلَقُ عَلَى الْعَوْرَةِ وَعَلَى الثَّغْرِ مَوْضِعِ الْخَوْفِ كَمَا فِي الْقَامُوسِ، وَلَمَّا كَانَ الْفَرْجُ بِمَعْنَى الْعَوْرَةِ يَأْتِي الْخَوْفُ مِنْ جِهَتِهِ لِكَشْفِهِ، فَكَذَلِكَ الْفَرْجُ بِمَعْنَى الثَّغْرُ، يَأْتِي الْخَوْفُ مِنْ جِهَتِهِ، لِكَشْفِهِ الَّذِي هُوَ عَدَمُ حِرَاسَتِهِ فَأَرَادَ بِالْبُلْدَانِ بِلَادَ الْإِسْلَامِ، وَالثَّغْرُ فَرْجٌ لَهَا بِالْمَعْنَى الَّذِي ذَكَرْنَاهُ. [قَوْلُهُ: رُوِيَ بِالْمُثَلَّثَةِ] أَيْ فَالْعِظَمُ كَمِّيَّةً وَقَوْلُهُ وَالْمُوَحَّدَةِ أَيْ فَالْعِظَمُ كَيْفِيَّةً وَكُلٌّ مِنْهُمَا صَحِيحٌ؛ لِأَنَّهُ عَظِيمٌ كَمِيَّةً وَكَيْفِيَّةً [قَوْلُهُ: رِبَاطُ] مَصْدَرُ رَابَطَ وَجْهُ الْمُفَاعَلَةِ فِي هَذَا، أَنَّ كُلًّا مِنْ الْكُفَّارِ وَالْمُسْلِمِينَ رَابَطُوا أَنْفُسَهُمْ عَلَى حِمَايَةِ طَرَفِ بِلَادِهِمْ مِنْ عَدُوِّهِمْ، أَيْ ثَوَابُ رِبَاطِ يَوْمٍ خَيْرٌ مِنْ النَّعِيمِ الْكَائِنِ فِي الدُّنْيَا. [قَوْلُهُ: وَمَا فِيهَا] الَّذِي فِي الْبُخَارِيِّ وَمَا عَلَيْهَا قَالَ شَارِحُهُ: وَمَا عَلَيْهَا كُلُّهُ لَوْ مَلَكَهُ إنْسَانٌ وَتَنَعَّمَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ نَعِيمٌ زَائِلٌ بِخِلَافِ نَعِيمِ الْآخِرَةِ، فَإِنَّهُ بَاقٍ وَعَبَّرَ بِعَلَيْهَا دُونَ فِيهَا لِمَا فِيهِ مِنْ الِاسْتِعْلَاءِ، وَهُوَ أَعَمُّ مِنْ الظَّرْفِيَّةِ وَأَقْوَى، وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الرِّبَاطَ يَصْدُقُ بِيَوْمٍ وَاحِدٍ وَكَثِيرًا مَا يُضَافُ السَّبِيلُ إلَى اللَّهِ، وَالْمُرَادُ بِهِ كُلُّ عَمَلٍ خَالِصٍ يُتَقَرَّبُ بِهِ إلَى اللَّهِ كَأَدَاءِ الْفَرَائِضِ وَالنَّوَافِلِ، لَكِنَّهُ غَلَبَ إطْلَاقُهُ عَلَى الْجِهَادِ حَتَّى صَارَ حَقِيقَةً عُرْفِيَّةً فِيهِ قَالَ الْقَسْطَلَّانِيُّ: وَهُنَاكَ وَجْهٌ آخَرُ ذَكَرَهُ ابْنُ حَجَرٍ وَهُوَ أَنَّ الْمَعْنَى خَيْرٌ مِنْ ثَوَابِهَا لَوْ مَلَكَهَا وَتَصَدَّقَ بِهَا وَهَلْ أَرَادَ مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ وَهُوَ الظَّاهِرُ أَوْ مِنْ طُلُوعِ الشَّمْسِ.

[قَوْلُهُ: وَاخْتُلِفَ هَلْ هُوَ إلَخْ] فَقِيلَ هُوَ أَفْضَلُ؛ لِأَنَّ فِيهِ حَقْنَ دِمَاءِ الْمُسْلِمِينَ، وَحَقْنُ دِمَائِهِمْ أَفْضَلُ مِنْ سَفْكِ دِمَاءِ الْمُشْرِكِينَ، وَقِيلَ الْجِهَادُ أَفْضَلُ؛ لِأَنَّ فِيهِ الرِّبَاطَ، وَزِيَادَةً؛ وَلِأَنَّ فِيهِ سَفْكَ دِمَاءِ الْمُشْرِكِينَ، وَتَأَوَّلَ ابْنُ رُشْدٍ أَنَّ ذَلِكَ بِحَسَبِ الْوَاقِعِ وَشِدَّةِ الْحَاجَةِ إلَى الرِّبَاطِ وَعَدَمِهَا، فَلَا يُقَالُ: إنَّ أَحَدَهُمَا أَفْضَلُ مِنْ الْآخِرِ عَلَى الْإِطْلَاقِ، وَأَفْضَلُ مُدَّتِهِ أَرْبَعُونَ لَيْلَةً لِحَدِيثٍ وَرَدَ فِيهِ وَلَا حَدَّ لِأَكْثَرِهِ.

قَالَ الشَّيْخُ فِي شَرْحِهِ وَيَظْهَرُ لِي فَضْلُ الْجِهَادِ عَلَى الرِّبَاطِ، لَمَزِيَّةِ مَنْ ذَهَبَ لِلْقِتَالِ عَلَى مَنْ مَكَثَ فِي مَحَلِّ الْخَوْفِ، وَأَفْضَلُ الْعِبَادَاتِ أَحْمَزُهَا أَيْ أَشَقُّهَا.

[قَوْلُهُ: وَلَا يُغْزَى إلَخْ] اعْلَمْ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ الْإِذْنُ بِاللِّسَانِ وَالْبَاطِنِ فَلَا يَجُوزُ الْخُرُوجُ بِمُجَرَّدِ إذْنِهِمَا بِاللِّسَانِ، بَلْ حَتَّى يَكُونَ الْقَلْبُ كَذَلِكَ، فَإِذَا أَذِنَا وَهُمَا يَبْكِيَانِ لَا يَكُونُ إذْنًا، وَإِذَا اخْتَلَفَا فِي الْإِذْنِ وَعَدَمِهِ فَلَا يَجُوزُ الْخُرُوجُ حَتَّى يَتَّفِقَا عَلَيْهِ. [قَوْلُهُ: الْأَبَوَيْنِ] أَيْ لَا الْجَدِّ وَالْجَدَّةِ. [قَوْلُهُ: إذَا كَانَا مُسْلِمَيْنِ] أَيْ لَا الْكَافِرَيْنِ لَكِنْ قَيَّدَهُ الْمَوَّاقُ بِمَا إذَا عَلِمَ أَنَّ مَنْعَهُمَا مِنْهُ إنَّمَا هُوَ لِكَرَاهَتِهِمَا إعَانَةَ الْإِسْلَامِ وَنُصْرَتَهُ، وَإِلَّا كَانَا كَالْمُسْلِمِينَ [قَوْلُهُ: وَعِنْدَ سَحْنُونَ] ضَعِيفٌ.

تَنْبِيهٌ: الْعَبْدُ لَا يَغْزُو أَيْضًا إلَّا بِإِذْنِ سَيِّدِهِ، وَكَذَلِكَ مَنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ حَالٌّ عَلَيْهِ وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى وَفَائِهِ الْآنَ، وَإِنْ كَانَ يَحِلُّ فِي غَيْبَتِهِ، وَكُلُّ مَنْ يَقْضِيهِ، وَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى وَفَائِهِ خَرَجَ بِغَيْرِ إذْنِ رَبِّهِ اُنْظُرْ شُرَّاحَ خَلِيلٍ. [قَوْلُهُ: أَيْ يَنْزِلُونَ] الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ أَيْ يَنْزِلُ لِمَا تَقَدَّمَ أَنَّ الْعَدُوَّ يُطْلَقُ عَلَى الْوَاحِدِ وَعَلَى الْجَمْعِ.

[قَوْلُهُ: مَدِينَةَ قَوْمٍ] الْمَدِينَةُ الْمِصْرُ الْجَامِعُ كَمَا فِي الْمِصْبَاحِ، وَقَوْلُهُ أَوْ غَيْرَهَا أَيْ كَالْقَرْيَةِ. [قَوْلُهُ: وَيُغِيرُونَ عَلَيْهِمْ] عَطْفٌ مُغَايِرٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ النُّزُولِ الْإِغَارَةُ.

قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ، وَأَغَارَ عَلَى الْعَدُوِّ هَجَمَ عَلَيْهِمْ دِيَارَهُمْ، وَأَوْقَعَ بِهِمْ اهـ.

فَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ يُغِيرُونَ بِضَمِّ الْيَاءِ

<<  <  ج: ص:  >  >>