بَاطِنًا (فَإِنْ كَانَتْ) الْمُطَلَّقَةُ (مِمَّنْ لَمْ تَحِضْ) لِصِغَرٍ (أَوْ مِمَّنْ يَئِسَتْ مِنْ الْحَيْضِ) ج أَرَادَ بِهَا مَنْ أَيِسَ الْحَيْضُ مِنْهَا، وَلَيْسَ الْمُرَادُ مَنْ جَاوَزَ سِنُّهَا الْخَمْسِينَ أَوْ السِّتِّينَ أَوْ السَّبْعِينَ سَنَةً، كَمَا قَالَ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ (طَلَّقَهَا مَتَى شَاءَ، وَكَذَلِكَ الْحَامِلُ) يُطَلِّقُهَا مَتَى شَاءَ وَلَوْ قَدَّمَ قَوْلَهُ فَإِنْ كَانَتْ عَلَى قَوْلِهِ، وَلَهُ الرَّجْعَةُ إلَخْ لَكَانَ أَنْسَبَ.
(وَتَرْجِعُ الْحَامِلُ مَا
ــ
[حاشية العدوي]
بَاطِنًا وَظَاهِرًا، وَفَائِدَةُ كَوْنٌ الْهَزْلِ رَجْعَةً فِي الظَّاهِرِ لَا الْبَاطِنِ لَزِمَ النَّفَقَةُ وَالْكِسْوَةُ بَعْدَ الْعِدَّةِ، وَبَقِيَّةُ أَحْكَامِ الزَّوْجِيَّةِ مِنْ قَسْمٍ وَغَيْرِهِ، وَلَا تَحِلُّ لَهُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى، وَلَا يَخْفَى حِلُّهَا فِي النِّكَاحِ بِالْهَزْلِ، وَلَعَلَّ الْفَرْقَ أَنَّ النِّكَاحَ لَمْ يُشْتَرَطْ فِيهِ نِيَّةٌ بِخِلَافِ الرَّجْعَةِ، فَقَدْ اُشْتُرِطَتْ فِيهَا النِّيَّةُ فِي الْجُمْلَةِ، وَأَمَّا الْقَوْلُ الْمُحْتَمَلُ الْخَالِي عَنْ النِّيَّةِ كَأَعَدْت الْحِلَّ أَوْ رَفَعْت التَّحْرِيمَ، فَإِنَّهُ مُحْتَمِلٌ الْمُرْجَعَةَ وَغَيْرَهَا إذْ يَحْتَمِلُ لِي أَوْ لِلنَّاسِ وَرَفَعْت التَّحْرِيمَ عَنِّي أَوْ عَنْ النَّاسِ فَلَا يَحْصُلُ بِهِ رَجْعَةٌ، حَيْثُ لَا نِيَّةَ، وَلَا دَلَالَةَ ظَاهِرَةً بِخِلَافِ أَعَدْت حِلَّهَا أَوْ رَفَعْت تَحْرِيمَهَا فَرَجْعَةٌ؛ لِأَنَّ فِيهِ دَلَالَةً ظَاهِرَةً عَلَى الرَّجْعَةِ، وَإِنْ احْتَمَلَ أَعَدْت حِلَّهَا لِلنَّاسِ بِسَبَبِ الطَّلَاقِ إلَّا أَنَّ هَذَا الِاحْتِمَالَ دَلَالَتُهُ غَيْرُ ظَاهِرَةٍ، وَإِمَّا بِقَوْلٍ غَيْرِ مُحْتَمَلٍ مَعَ نِيَّةٍ كَاسْقِينِي الْمَاءَ نَاوِيًا بِهِ الرَّجْعَةَ فَتَحْصُلُ بِهِ الرَّجْعَةُ عَلَى ظَاهِرِ ابْنِ رُشْدٍ.
[قَوْلُهُ: وَالْوَطْءُ دُونَ النِّيَّةِ إلَخْ] فَعَلَيْهِ لَوْ وَطِئَهَا، وَلَمْ يَنْوِ رَجْعَتَهَا وَاسْتَرْسَلَ عَلَى ذَلِكَ وَطَلَّقَهَا ثَلَاثًا بَعْدَ خُرُوجِهَا مِنْ الْعِدَّةِ، فَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا يَلْزَمُهُ؛ لِأَنَّهَا أَجْنَبِيَّةٌ.
وَقَالَ أَبُو عِمْرَانَ: يَلْزَمُهُ مُرَاعَاةً لِقَوْلِ ابْنِ وَهْبٍ وَاللَّيْثِ فِي أَنَّ الْوَطْءَ لَا يَفْتَقِرُ لِنِيَّةٍ.
قَالَ ابْنُ نَاجِي، وَهُوَ الصَّوَابُ أَخْذًا بِالِاحْتِيَاطِ وَبِهِ أَفْتَى غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ شُيُوخِي. اهـ.
وَمَالَ ابْنُ عَرَفَةَ لِانْعِقَادِهَا بِصِيغَةِ النِّكَاحِ إنْ نَوَاهَا.
[قَوْلُهُ: فَإِنْ كَانَتْ مِمَّنْ لَمْ تَحِضْ إلَخْ] أَيْ، وَيَكُونُ بِدْعِيًّا إذَا أَوْقَعَ أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدَةٍ، أَوْ يُوقِعُ وَاحِدَةً مَعَ نِيَّةِ وُقُوعِ أُخْرَى. فِي الْعِدَّةِ، وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ قَالَهُ عج. [قَوْلُهُ: مِنْ الْمَحِيضِ] الْمَحِيضُ لُغَةً فِي الْحَيْضِ. [قَوْلُهُ: أَرَادَ بِهَا مَنْ أَيِسَ الْحَيْضُ مِنْهَا] أَيْ فَيَصْدُقُ بِبِنْتِ ثَلَاثِينَ سَنَةً وَأَيِسَ مِنْ حَيْضِهَا لِأَمْرٍ مَا، وَالْحَيْضُ نَائِبُ فَاعِلِ أَيِسَ، وَأَيِسَ أَيَسًا مِنْ بَابِ تَعِبَ، وَكَسْرُ الْمُضَارِعِ لُغَةٌ كَمَا فِي الْمِصْبَاحِ، ثُمَّ فِي الْمَقَامِ أُمُورٌ.
الْأَوَّلُ: أَنَّ أَيِسَ لَازِمٌ يَتَعَدَّى بِحَرْفِ الْجَرِّ، وَهُوَ مِنْ فَلَا يُصَاغُ مِنْهُ فُعِلَ يَتَعَدَّى لِلْمَفْعُولِ بِنَفْسِهِ، وَقَدْ عَدَّاهُ الشَّارِحُ لِلْمَفْعُولِ بِنَفْسِهِ وَجَعَلَهُ مَبْنِيًّا لِلْفَاعِلِ مُشْكِلٌ؛ لِأَنَّ الْفِعْلَ حَقُّهُ أَنْ يُسْنَدَ لِلْفَاعِلِ لَا لِلْحَيْضِ وَارْتِكَابُ التَّجَوُّزِ مِمَّا لَا يُجْدِي شَيْئًا.
الثَّانِي: أَنَّ قَوْلَهُ أَرَادَ يَقْتَضِي أَنَّ هَذَا لَيْسَ مُتَبَادِرًا مِنْ اللَّفْظِ، وَأَنَّ الْمَعْنَى الَّذِي نَفَاهُ مُتَبَادِرٌ، مَعَ أَنَّ هَذَا الَّذِي جَعَلَهُ مُرَادًا عَيْنُ الْمُصَنِّفِ لَا فَرْقَ إلَّا مِنْ جِهَةِ الْإِسْنَادِ، وَلَا يَتَرَتَّبُ عَلَى ذَلِكَ شَيْءٌ، نَعَمْ لَوْ قَالَ أَرَادَ مَنْ انْقَطَعَ عَنْهَا الْحَيْضُ، وَلَوْ لَمْ تَبْلُغْ سِنَّ الْإِيَاسِ كَبِنْتِ عِشْرِينَ سَنَةً مَثَلًا، وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِهَا إلَخْ لَظَهَرَ التَّعْبِيرُ بِهَذِهِ الْمَادَّةِ فَتَدَبَّرْ.
الثَّالِثُ أَنَّ تَعْبِيرَهُ بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ لَا دَاعِيَ لَهُ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْإِيَاسِ هُنَا كَوْنُ الدَّمِ انْقَطَعَ عَنْهَا مُدَّةً يُوجِبُ لَهَا أَنْ لَوْ طَلُقَتْ أَنْ تَعْتَدَّ بِالْأَشْهُرِ. وَقَدْ تَقَرَّرَ أَنَّ الدَّمَ إذَا انْقَطَعَ لَا لِسَبَبٍ أَوْ لِمَرَضٍ، وَلَمْ تَبْلُغْ سِنَّ الْإِيَاسِ كَبِنْتِ عِشْرِينَ أَنْ تَتَرَبَّصَ سَنَةً تِسْعَةً لِلِاسْتِبْرَاءِ وَثَلَاثَةً لِلْعِدَّةِ، وَهَلْ تِلْكَ السَّنَةُ مَحْسُوبَةٌ مِنْ يَوْمِ انْقِطَاعِ الدَّمِ عَنْهَا أَوْ مِنْ يَوْمِ الطَّلَاقِ، قَوْلَانِ أَيْ فَهُوَ أَمْرٌ مَضْبُوطٌ لَا يُحْتَاجُ فِيهِ لِمَعْرِفَةِ أَحَدٍ وَحَرَّرَ.
[قَوْلُهُ: كَمَا قَالَ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ] أَيْ أَنَّ الْمُصَنِّفَ قَالَ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ مَنْ جَاوَزَ سِنُّهَا خَمْسِينَ إلَخْ، وَهُوَ مُحْتَمَلٌ لِأَمْرَيْنِ: الْأَوَّلُ: أَنْ يَكُونَ الْمَوَاضِعُ ثَلَاثَةً. مَوْضِعٌ قَالَ فِيهِ مَنْ جَاوَزَ سِنُّهَا الْخَمْسِينَ. وَمَوْضِعٌ قَالَ مَنْ جَاوَزَ سِنُّهَا السِّتِّينَ إلَخْ. الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ الْمَوْضِعُ وَاحِدًا عَبَّرَ فِيهِ بِأَوْ وَهِيَ مُحْتَمِلَةٌ لَأَنْ تَكُونَ لِحِكَايَةِ أَقْوَالٍ وَلِلتَّرَدُّدِ، ثُمَّ مَا الْمُرَادُ بِتِلْكَ الْمَوَاضِعِ أَوْ الْمَوْضِعِ يُرَاجَعُ بَقِيَّةُ كُتُبِهِ، وَلَمْ يَكُنْ بِيَدِي مِنْهَا شَيْءٌ، فَقَوْلُهُ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ أَيْ فِي غَيْرِ هَذَا الْكِتَابِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُذْكَرْ شَيْءٌ مِمَّا ذُكِرَ فِي هَذَا الْكِتَابِ فَتَدَبَّرْ.
[قَوْلُهُ: طَلَّقَهَا مَتَى شَاءَ] أَيْ فِي أَيِّ وَقْتٍ شَاءَ قَالَ تت: وَلَوْ بَعْدَ وَطْئِهَا اهـ.
لِأَنَّ طَلَاقَ ذَوَاتِ الْأَشْهُرِ لَا يُوجِبُ تَطْوِيلَ عِدَّةٍ، وَقَوْلُهُ: وَكَذَلِكَ الْحَامِلُ أَيْ لِلْأَمْنِ مِنْ التَّطْوِيلِ وَظَاهِرُهُ، وَلَوْ كَانَتْ مُتَلَبِّسَةً بِالْحَيْضِ، وَكَذَلِكَ الزَّوْجَةُ غَيْرُ الْمَدْخُولِ بِهَا، وَلَوْ فِي حَالِ حَيْضِهَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ النَّهْيَ لِتَطْوِيلِ الْعِدَّةِ. [قَوْلُهُ: لَكَانَ أَنْسَبَ] أَيْ؛ لِأَنَّهُ مِنْ جُمْلَةِ مَسَائِلِ