أَيْ الثَّيِّبَاتُ الرَّشِيدَاتُ {أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ} [البقرة: ٢٣٧] ، وَهُوَ الْأَبُ فِي ابْنَتِهِ الْبِكْرِ، وَالسَّيِّدُ فِي أَمَتِهِ وَقَيَّدْنَا بِسَمَّى لَهَا احْتِرَازًا مِمَّا إذَا لَمْ يُسَمِّ لَهَا شَيْئًا، وَذَلِكَ فِي نِكَاحِ التَّفْوِيضِ وَقَدْ تَقَدَّمَ حُكْمُهُ وَبِجَائِزٍ احْتِرَازًا عَمَّا إذَا سَمَّى لَهَا مَا لَا يَجُوزُ، وَبِالنِّكَاحِ الصَّحِيحِ احْتِرَازًا مِمَّا إذَا كَانَ فَاسِدًا فَإِنَّهُ لَا شَيْءَ لَهَا.
ج: ظَاهِرُ قَوْلِهِ قَبْلَ الْبِنَاءِ أَنَّهُ لَوْ دَخَلَ بِهَا لَكَانَ لَهَا جَمِيعُ الصَّدَاقِ، وَلَوْ وَكَانَ صَبِيًّا، وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَإِنَّ الصَّبِيَّ إذَا دَخَلَ بِهَا لَيْسَ لَهَا إلَّا نِصْفُ الصَّدَاقِ؛ لِأَنَّ دُخُولَهُ كَلَا دُخُولٍ، وَقَدْ عُلِمَ مَعْنَى قَوْلِهِ: (إلَّا أَنْ تَعْفُوَ) أَيْ عَنْ نِصْفِ الصَّدَاقِ (هِيَ إنْ كَانَتْ ثَيِّبًا) رَشِيدَةً (وَإِنْ كَانَتْ بِكْرًا فَذَلِكَ) أَيْ الْعَفْوُ رَاجِعٌ (إلَى أَبِيهَا وَكَذَلِكَ السَّيِّدُ فِي أَمَتِهِ وَمَنْ طَلَّقَ) امْرَأَتَهُ الْحُرَّةَ مُسْلِمَةً كَانَتْ أَوْ كِتَابِيَّةً أَوْ الْأَمَةَ الْمُسْلِمَةَ مَدْخُولًا بِهَا أَوْ غَيْرَ مَدْخُولٍ بِهَا، لَمْ يُسَمِّ لَهَا طَلَاقًا بَائِنًا أَوْ رَجْعِيًّا كَانَ الْمُطَلِّقُ حُرًّا أَوْ عَبْدًا فِي نِكَاحٍ لَازِمٍ (فَيَنْبَغِي) بِمَعْنَى يُسْتَحَبُّ (لَهُ أَنْ يُمَتِّعَهَا) أَيْ يُعْطِيَهَا شَيْئًا يَجْرِي مَجْرَى الْهِبَةِ بِحَسَبِ مَا يَحْسُنُ مِنْ مِثْلِهِ عَلَى قَدْرِ حَالِهِ مِنْ عُسْرٍ، وَيُسْرٍ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ:
ــ
[حاشية العدوي]
مِنْ كَوْنِ النِّكَاحِ صَحِيحًا، فَكُلُّ نِكَاحٍ صَحِيحٍ الصَّدَاقُ فِيهِ جَائِزٌ، وَلَا الْعَكْسُ، وَقَدْ تَقَرَّرَ أَنَّ نَقِيضَ الْأَعَمِّ أَخَصُّ وَنَقِيضَ الْأَخَصِّ أَعَمُّ، فَحِينَئِذٍ يُسْتَغْنَى بِمُحْتَرَزِ الثَّانِي الَّذِي هُوَ قَوْلُهُ صَحِيحًا عَنْ مُحْتَرَزِ الْأَوَّلِ الَّذِي هُوَ جَائِزٌ تَدَبَّرْ. [قَوْلُهُ: {مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ} [البقرة: ٢٣٧]] الْمُرَادُ بِهِ الْوَطْءُ.
[قَوْلُهُ: الرَّشِيدَاتُ] أَيْ لَا السَّفِيهَاتُ. [قَوْلُهُ: وَهُوَ الْأَبُ] أَيْ لَا غَيْرُهُ، وَلَوْ وَصِيًّا مُجْبِرًا، وَقَوْلُهُ الْبِكْرِ أَيْ أَوْ الثَّيِّبِ الصَّغِيرَةِ، بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ قَبْلَ الدُّخُولِ، وَبَعْدَ الطَّلَاقِ وَكَذَا قَبْلَ الطَّلَاقِ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ حَمْلًا عَلَى أَنَّ الْأَصْلَ فِي أَفْعَالِ الْأَبِ لَهَا حَمْلُهَا عَلَى الْمَصْلَحَةِ، لَا عِنْدَ مَالِكٍ حَمْلًا عَلَى أَنَّ الْأَصْلَ فِي الْإِسْقَاطِ عَدَمُ الْمَصْلَحَةِ، وَوَفَّقَ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ كُلًّا يَقُولُ: إنَّ عَفْوَهُ حَالَ الْجَهْلِ مَحْمُولٌ عَلَى الْمَصْلَحَةِ، وَيُحْمَلُ قَوْلُ الْإِمَامِ لَا يَجُوزُ عَفْوُهُ قَبْلَ الطَّلَاقِ عَلَى مَا إذَا تَحَقَّقَ عَدَمُ الْمَصْلَحَةِ، وَمَفْهُومُ قَوْلِنَا قَبْلَ الدُّخُولِ أَنَّهُ لَيْسَ لِلْأَبِ الْعَفْوُ بَعْدَهُ؛ لِأَنَّهَا لَمَّا صَارَتْ ثَيِّبًا صَارَ لَهَا الْكَلَامُ، وَهَذَا إذَا كَانَتْ رَشِيدَةً، وَإِلَّا فَالْكَلَامُ لِلْأَبِ.
[قَوْلُهُ: احْتِرَازًا عَمَّا إذَا سَمَّى مَا لَا يَجُوزُ] لَا يَخْفَى أَنَّهُ إنْ أُرِيدَ بِمَا لَا يَجُوزُ مِنْ حَيْثُ ذَاتُهُ فَلَا اسْتِثْنَاءَ، وَإِنْ أُرِيدَ بِمَا هُوَ أَعَمُّ دَخَلَ الصَّدَاقُ إذَا كَانَ أَقَلَّ مِنْ رُبُعِ دِينَارٍ أَوْ ثَلَاثَةِ دَرَاهِمَ، فَيُسْتَثْنَى ذَلِكَ مِنْ كَلَامِهِ؛ لِأَنَّهُ بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الْبِنَاءِ يَلْزَمُهُ نِصْفُ ذَلِكَ. [قَوْلُهُ: فَإِنَّ الصَّبِيَّ إذَا دَخَلَ بِهَا أَيْ وَطِئَهَا إلَخْ] أَيْ؛ لِأَنَّ الصَّدَاقَ لَا يَتَقَرَّرُ إلَّا بِوَطْءِ الزَّوْجِ الْبَالِغِ مَعَ إطَاقَةِ الزَّوْجَةِ، وَلَوْ كَانَ الْوَطْءُ حَرَامًا كَوَطْءٍ فِي حَيْضٍ أَوْ دُبُرٍ، وَكَذَلِكَ يَتَقَرَّرُ بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا أَوْ مَوْتِهِمَا، وَلَوْ كَانَ الزَّوْجُ صَبِيًّا، وَهِيَ غَيْرُ مُطِيقَةٍ، وَلَوْ كَانَ مَوْتُهَا بِقَتْلِهَا نَفْسَهَا كَرَاهِيَةً فِي زَوْجِهَا، أَوْ بِقَتْلِ سَيِّدِهَا لَهَا إنْ كَانَتْ أَمَةً.
وَيَبْقَى النَّظَرُ فِي قَتْلِ الْمَرْأَةِ زَوْجَهَا، وَيَظْهَرُ أَلَّا يَتَكَمَّلَ لَهَا بِذَلِكَ لِاتِّهَامِهَا، وَلِئَلَّا يَكُونَ ذَرِيعَةً لِقَتْلِ النِّسَاءِ أَزْوَاجَهُنَّ وَكَذَا يَتَقَرَّرُ بِإِقَامَةِ سَنَةٍ بَعْدَ الِاخْتِلَاءِ بِهَا حَيْثُ كَانَ الزَّوْجُ بَالِغًا، وَهِيَ مُطِيقَةٌ لِتَنْزِلَ إقَامَةَ سَنَةِ الْوَطْءِ هَذَا إذَا كَانَ الزَّوْجُ حُرًّا، وَيَنْبَغِي كَمَا قَالَ بَعْضٌ: إذَا كَانَ عَبْدًا أَنْ يَعْتَبِرَ إقَامَةَ نِصْفِ سَنَةٍ وَإِذَا أَزَالَ الزَّوْجُ بَكَارَةَ زَوْجَتِهِ بِأُصْبُعِهِ، فَإِنْ طَلَّقَهَا قَبْلَ وَطْئِهَا فَلَهَا نِصْفُ الصَّدَاقِ مَعَ أَرْشِ الْبَكَارَةِ وَبَعْدَهُ فَلَهَا الصَّدَاقُ فَقَطْ. [قَوْلُهُ: كَانَ الْمُطَلِّقُ حُرًّا أَوْ عَبْدًا] أَيْ؛ لِأَنَّ الْإِذْنَ لِلْعَبْدِ فِي النِّكَاحِ إذْنٌ فِي تَوَابِعِهِ. [قَوْلُهُ: يَجْرِي مَجْرَى الْهِبَةِ] أَيْ فَإِنْ مَاتَ الزَّوْجُ قَبْلَ أَنْ يُمَتِّعَهَا، سَقَطَتْ بَائِنًا أَوْ رَجْعِيَّةً.
قَالَ الشَّيْخُ أَحْمَدُ الزَّرْقَانِيُّ: وَانْظُرْ هَلْ مَرَضُ الزَّوْجِ كَالْمَوْتِ يُسْقِطُ أَيْضًا، وَهُوَ الظَّاهِرُ؛ لِأَنَّهَا هِبَةٌ لَمْ تُقْبَضْ أَمْ لَا فَإِنْ مَاتَتْ قَبْلَ أَنْ تُمَتَّعَ فَإِنَّ الْمُتْعَةَ تُدْفَعُ إلَى وَرَثَتِهَا بَائِنًا أَوْ رَجْعِيَّةً، قَالَ الْخَرَشِيُّ وَحُكْمُ الْإِعْطَاءِ لِلْوَرَثَةِ كَحُكْمِ الْأَصْلِ، وَهُوَ النَّدْبُ؛ لِأَنَّ الْكَسْرَ الْحَاصِلَ لَهَا حَاصِلٌ لِوَرَثَتِهَا، وَمَحِلُّ الْإِعْطَاءِ لِوَرَثَتِهَا حَيْثُ مَاتَتْ الْمُطَلَّقَةُ طَلَاقًا رَجْعِيًّا بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ.
أَمَّا لَوْ مَاتَتْ فِي الْعِدَّةِ فَلَا مُتْعَةَ لِوَرَثَتِهَا؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ لَا مُتْعَةَ لَهُ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ. [قَوْلُهُ: بِحَسَبِ مَا يَحْسُنُ] لَوْ قَالَ وَبِحَسَبِ مَا يَحْسُنُ لَكَانَ أَحْسَنَ؛ لِأَنَّهَا فِي ذَاتِهَا مَنْدُوبَةٌ وَبِحَسَبِ حَالِهِ مَنْدُوبٌ آخَرُ [قَوْلُهُ: عَلَى قَدْرِ حَالِهِ] تَفْسِيرٌ لِقَوْلِهِ بِحَسَبِ مَا يَحْسُنُ، وَإِنَّمَا رُوعِيَ حَالُهُ فَقَطْ؛ لِأَنَّ كَسْرَهَا جَاءَ مِنْ قِبَلِهِ.