شَهْرٌ صَامَ أَحَدَهُمَا بِالْهِلَالِ وَتَمَّمَ الْمُنْكَسِرَ ثَلَاثِينَ وَتَجِبُ نِيَّةُ التَّتَابُعِ وَنِيَّةُ الْكَفَّارَةِ؛ لِأَنَّ الْكَفَّارَةَ، وَالتَّتَابُعَ وَاجِبَانِ لَا بُدَّ لَهُمَا مِنْ نِيَّةٍ، وَإِذَا انْقَطَعَ التَّتَابُعُ اسْتَأْنَفَ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى اشْتَرَطَ التَّتَابُعَ بِقَوْلِهِ: {فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ} [المجادلة: ٤] ، وَمَا يَقْطَعُ التَّتَابُعَ يَأْتِي.
(فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ) الصَّوْمَ بِأَنْ كَانَ ضَعِيفَ الْبِنْيَةِ، أَوْ مُسْتَعْطِشًا مَثَلًا (أَطْعَمَ سِتِّينَ مِسْكِينًا) أَحْرَارًا مُسْلِمِينَ (مُدَّيْنِ) بِمُدِّهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - (لِكُلِّ مِسْكِينٍ) مِنْ عَيْشِ أَهْلِ الْبَلَدِ، وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ عَدَدِ الْمَسَاكِينِ لَا خِلَافَ فِي وُجُوبِهِ فَلَا يُجْزِئُ أَنْ يُعْطِيَ ثَلَاثِينَ مِسْكِينًا أَرْبَعَةَ أَمْدَادٍ لِكُلِّ مِسْكِينٍ، وَلَا أَنْ يُعْطِيَ مِائَةً وَعِشْرِينَ مِسْكِينًا مُدًّا لِكُلِّ مِسْكِينٍ، وَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّهُ يُطْعِمُ كُلَّ مِسْكِينٍ مُدَّيْنِ، رِوَايَةً عَنْ مَالِكٍ فَقَالَ: وَاَلَّذِي فِي الْمُدَوَّنَةِ وَشَهَرَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ، أَنَّهُ يُطْعِمُ كُلَّ مِسْكِينٍ مُدًّا بِمُدِّ هِشَامٍ، وَهُوَ مُدٌّ وَثُلُثَانِ عَلَى الْمَشْهُورِ بِمُدِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
تَنْبِيهٌ:
قَوْلُهُ: " أَطْعَمَ هَذَا فِي حَقِّ الْحُرِّ وَأَمَّا الْعَبْدُ فَلَا يُكَفِّرُ بِالْإِطْعَامِ إلَّا إذَا أَذِنَ لَهُ سَيِّدُهُ ".
وَقَوْلُهُ: (وَلَا يَطَؤُهَا) يُرِيدُ وَلَا يُقَبِّلُهَا وَلَا يُبَاشِرُهَا (فِي لَيْلٍ، أَوْ نَهَارٍ حَتَّى تَنْقَضِيَ الْكَفَّارَةُ) تَكْرَارٌ مَعَ قَوْلِهِ قَبْلُ فَلَا يَطَؤُهَا حَتَّى يُكَفِّرَ (فَإِنْ فَعَلَ) الْمُظَاهِرُ (ذَلِكَ) أَيْ مَا نُهِيَ عَنْهُ بِأَنْ وَطِئَ الْمُظَاهِرُ مِنْهَا أَوْ قَبَّلَهَا أَوْ بَاشَرَهَا قَبْلَ الشُّرُوعِ فِي الْكَفَّارَةِ (فَلْيَتُبْ إلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ) مِمَّا فَعَلَ وَلَيْسَ عَلَيْهِ كَفَّارَةٌ أُخْرَى.
(فَإِنْ كَانَ وَطْؤُهُ) أَوْ اسْتِمْتَاعُهُ بِغَيْرِ الْوَطْءِ
ــ
[حاشية العدوي]
وَلَا قِيمَتَهَا أَيْ مِنْ دَابَّةٍ أَوْ دَارٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، فَإِنْ كَانَ عِنْدَهُ ثَمَنُ رَقَبَةٍ فَقَطْ مِمَّا ذَكَرَ، وَلَوْ مُحْتَاجًا لَهُ لِأَجْلِ مَرَضٍ أَوْ مَنْصِبٍ أَوْ سُكْنَى مَسْكَنٍ لَا فَضْلَ فِيهِ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ الْعِتْقُ [قَوْلُهُ: وَتَجِبُ نِيَّةُ التَّتَابُعِ وَنِيَّةُ الْكَفَّارَةِ] أَيْ، وَلَوْ حُكْمًا بِحَيْثُ إذَا سُئِلَ عَنْ ذَلِكَ لَأَجَابَ بِذَلِكَ، وَيَكْفِيهِ أَنْ يَنْوِيَ ذَلِكَ، وَلَوْ فِي أَوَّلِ لَيْلَةٍ مِنْ الشَّهْرَيْنِ، وَإِنْ أَيْسَرَ فِي الْيَوْمِ الرَّابِعِ مِنْهُ تَمَادَى وُجُوبًا، وَفِيمَا دُونَهُ يُنْدَبُ لَهُ الرُّجُوعُ لِلْعِتْقِ وَوَجَبَ الرُّجُوعُ قَبْلَ تَمَامِ يَوْمٍ أَوْ بَعْدَهُ وَقَبْلَ دُخُولِهِ فِي الثَّانِي، وَإِلَّا لَنُدِبَ لِتَمَامِ الثَّالِثِ فَالصُّوَرُ ثَلَاثٌ فَلَوْ أَفْسَدَ صَوْمَهُ وَلَوْ فِي آخِرِ يَوْمٍ وَجَبَ الرُّجُوعُ لِلْعِتْقِ عِنْدَ الْيَسَارِ.
[قَوْلُهُ: الْبِنْيَةِ] بِكَسْرِ الْبَاءِ أَيْ هَيْئَتِهِ الَّتِي بَنَى عَلَيْهَا أَيْ ذَاتَهُ، وَقَوْلُهُ أَوْ مُسْتَعْطِشًا السِّينُ، وَالتَّاءُ لِلتَّأْكِيدِ أَيْ قَوِيَ الْعَطَشُ بِحَيْثُ يَضُرُّ بِهِ الصَّوْمُ [قَوْلُهُ: مِنْ عَيْشِ أَهْلِ الْبَلَدِ] كُلِّهِمْ أَوْ جُلِّهِمْ اعْلَمْ أَنَّ الَّذِي يَخْرُجُ مِنْ الطَّعَامِ فِي الْكَفَّارَاتِ هُوَ الَّذِي يَخْرُجُ فِي صَدَقَةِ الْفِطْرِ، كَالشَّعِيرِ، وَالْقَمْحِ، وَالسَّلْتِ، وَالزَّبِيبِ، وَالْأَقِطِ، وَالذُّرَةِ، وَالْأُرْزِ، وَالدَّخَنِ، وَالتَّمْرِ، وَاعْلَمْ أَيْضًا أَنَّهُ يَدْفَعُهُ بُرًّا إنْ اقْتَاتُوهُ، وَإِنْ اقْتَاتُوا غَيْرَهُ فَقَدْرُهُ شِبَعًا، بِأَنْ يُقَالَ: إذَا شَبِعَ الرَّجُلُ مِنْ الْمُدِّ الْكَائِنِ مِنْ الْبُرِّ كَمْ يُشْبِعُهُ مِنْ غَيْرِ الْبُرِّ كَالتَّمْرِ، وَالشَّعِيرِ، فَيُقَالُ: كَذَا فَيُخْرِجُهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَابْنُ عَرَفَةَ الْمُعْتَمَدُ الشِّبَعُ زَادَ عَلَى مُدِّ هِشَامٍ أَوْ نَقَصَ.
وَقَالَ الْبَاجِيُّ الْأَظْهَرُ عِنْدِي مِثْلُ مَكِيلَةِ الْقَمْحِ كَزَكَاةِ الْفِطْرِ فَإِذَا اُقْتِيتَ غَيْرُ هَذِهِ التِّسْعَةِ كَاللَّحْمِ، وَالْقَطَانِيِّ أَجْزَأَ الْإِخْرَاجُ مِنْهُ قَالَهُ تت، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يُرَاعَى فِي الْمُخْرَجِ مِنْ هَذِهِ أَنْ يَغْلِبَ اقْتِيَاتُهُ، وَكَذَا ظَاهِرُهُ أَنَّهُ إذَا وُجِدَ شَيْءٌ مِنْ هَذِهِ التِّسْعَةِ وَكَانَ الِاقْتِيَاتُ مِنْ غَيْرِهَا أَنَّهُ يَخْرُجُ مِنْهُ وَلَا يَخْرُجُ مِمَّا وُجِدَ مِنْهَا، وَهُوَ خِلَافُ مَا تَقَدَّمَ فِي زَكَاةِ الْفِطْرِ فِي هَذَيْنِ الْأَمْرَيْنِ أَشَارَ لَهُ عج.
[قَوْلُهُ: وَاَلَّذِي فِي الْمُدَوَّنَةِ] وَهُوَ الرَّاجِحُ [قَوْلُهُ: بِمُدِّ هِشَامٍ] وَهُوَ ابْنُ إسْمَاعِيلَ بْنِ الْوَلِيدِ بْنِ الْمُغِيرَةِ كَانَ عَامِلًا عَلَى الْمَدِينَةِ لِعَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ [قَوْلُهُ: وَهُوَ مُدٌّ وَثُلُثَانِ عَلَى الْمَشْهُورِ] وَقِيلَ: مُدُّ هِشَامٍ قَدْرُ مُدَّيْنِ مِنْ أَمْدَادِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -[قَوْلُهُ: إلَّا إذَا أَذِنَ لَهُ سَيِّدُهُ] فَلَوْ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ سَيِّدُهُ انْتَظَرَ حَيْثُ عَجَزَ عَنْ الصَّوْمِ وَإِلَّا صَامَ، وَلِسَيِّدِهِ أَنْ يَمْنَعَهُ مِنْ الصَّوْمِ إذَا كَانَ يَضُرُّ بِخِدْمَةِ سَيِّدِهِ إنْ كَانَ مِنْ عَبِيدِ الْخِدْمَةِ أَوْ لَمْ يُؤَدِّ خَرَاجَهُ إنْ كَانَ مِنْ عَبِيدِ الْخَرَاجِ، فَإِنْ جَعَلَ عَلَيْهِ كُلًّا مِنْهُمَا وَحَصَّلَ بِالصَّوْمِ ضَرَرًا فِي أَحَدِهِمَا فَلَهُ الْمَنْعُ وَأَمَّا الْعِتْقُ فَلَا يُجْزِئُهُ وَلَوْ أَذِنَ.
[قَوْلُهُ: تَكْرَارٌ إلَخْ] وَأُجِيبُ بِعَدَمِ التَّكْرَارِ؛ لِأَنَّ مَا ذَكَرَهُ هُنَاكَ مُحْتَمِلٌ لِابْتِدَاءِ الْكَفَّارَةِ وَإِتْمَامِهَا، وَمَا ذَكَرَهُ هُنَا مُخَصِّصٌ لِأَحَدِ الِاحْتِمَالَيْنِ [قَوْلُهُ: بِأَنْ وَطِئَ الْمُظَاهِرُ] أَيْ عَمْدًا؛ لِأَنَّ