الِافْتِدَاءُ إنَّمَا هُوَ (عَنْ ضَرَرٍ بِهَا رَجَعَتْ) عَلَيْهِ (بِمَا أَعْطَتْهُ وَلَزِمَهُ الْخُلْعُ) وَيَكْفِي فِي ثُبُوتِ الضَّرَرِ لَفِيفُ النَّاسِ وَالْجِيرَانِ حَتَّى النِّسَاءِ.
(وَالْخُلْعُ طَلْقَةٌ) بَائِنَةٌ (لَا رَجْعَةَ فِيهَا إلَّا بِنِكَاحٍ جَدِيدٍ) بِوَلِيٍّ وَصَدَاقٍ وَشَاهِدَيْ عَدْلٍ (بِرِضَاهَا) إنْ كَانَتْ غَيْرَ مُجْبَرَةٍ عَلَى النِّكَاحِ، أَمَّا الْمُجْبَرَةُ فَإِنَّمَا يُرَاعَى رِضَا الْوَلِيِّ.
(وَ) الْأَمَةُ (الْمُعْتَقَةُ) أَيْ الَّتِي عَتَقَتْ، وَهِيَ (تَحْتَ الْعَبْدِ) أَيْ فِي عِصْمَتِهِ قِنًّا كَانَ، أَوْ فِيهِ بَقِيَّةُ رِقٍّ يُحَالُ بَيْنَهُمَا وَيَثْبُتُ (لَهَا الْخِيَارُ) بَيْنَ (أَنْ تُقِيمَ مَعَهُ، أَوْ تُفَارِقَهُ) لِمَا فِي الْمُوَطَّأِ «قَالَتْ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -: كَانَ فِي بَرِيرَةٍ ثَلَاثُ سُنَنٍ فَكَانَتْ إحْدَى السُّنَنِ الثَّلَاثِ أَنَّهَا أُعْتِقَتْ، فَخُيِّرَتْ فِي زَوْجِهَا» ، وَفِي مُسْلِمٍ «كَانَ زَوْجُهَا عَبْدًا فَخَيَّرَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» فَإِنْ اخْتَارَتْ نَفْسَهَا فَهُوَ طَلَاقٌ لَا فَسْخٌ وَهَلْ
ــ
[حاشية العدوي]
صُدُورُ الطَّلَاقِ مِنْ السَّفِيهِ مُوجِبٌ لِلصَّدَاقِ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ يُطَلِّقُ بِغَيْرِ عِوَضٍ فِيهِ أَوْلَى وَكَمُلَ لَهُ خُلْعُ الْمِثْلِ إنْ خَالَعَ بِدُونِهِ، وَلَا يَبْرَأُ الْمُخْتَلِعُ بِتَسْلِيمِ الْمَالِ لِلسَّفِيهِ بَلْ لِوَلِيِّهِ.
لَكِنْ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ رَادًّا عَلَيْهِ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُوَثِّقِينَ بَرَاءَةُ الْمُخْتَلِعِ بِدَفْعِ الْخُلْعِ لِلسَّفِيهِ دُونَ وَلِيِّهِ؛ لِأَنَّهُ عِوَضٌ عَنْ غَيْرِ مُتَمَوَّلٍ فَصَارَ كَالْهِبَةِ، وَمِثْلُهُ الْعَبْدُ الْبَالِغُ وَمُلَخَّصُهُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِوَلِيِّ السَّفِيهِ أَنْ يُخَالِعَ عَنْهُ كَانَ الْوَلِيُّ أَبًا أَوْ غَيْرَهُ، بَلْ هُوَ الَّذِي يَتَوَلَّى ذَلِكَ بِنَفْسِهِ، وَكَذَا سَيِّدُ الْعَبْدِ الْبَالِغِ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُطَلِّقَ عَنْهُ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ بِيَدِ الْعَبْدِ لَا بِيَدِ السَّيِّدِ [قَوْلُهُ: رَجَعَتْ عَلَيْهِ] ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُسْتَحِقٍّ لَهُ [قَوْلُهُ: وَيَكْفِي فِي ثُبُوتِ الضَّرَرِ] أَيْ الضَّرَرِ الْمَعْهُودِ الَّذِي لَهَا التَّطْلِيقُ بِهِ، أَيْ كَأَنْ يُنْقِصَهَا حَقَّهَا فِي النَّفَقَةِ أَوْ يُكَلِّفَهَا شُغُلًا لَا يَلْزَمُهَا خِدْمَتُهُ أَوْ يَشْتُمَهَا أَوْ يَضْرِبَهَا ضَرْبًا مُبَرِّحًا أَوْ لِغَيْرِ أَدَبٍ احْتِرَازًا مِنْ غَيْرِهِ، كَمَا إذَا أَدَّبَهَا عَلَى تَرْكِ الصَّلَاةِ، وَالصَّوْمِ، وَالْغُسْلِ مِنْ الْجَنَابَةِ [قَوْلُهُ: لَفِيفُ النَّاسِ] أَيْ مِمَّنْ لَهُ بِهِ ارْتِبَاطٌ كَجِيرَةٍ أَوْ قَرَابَةٍ،، وَاللَّفِيفُ الْجَمَاعَةُ الْمُجْتَمِعُونَ مِنْ فِرَقٍ، وَمِنْ لَازِمِ ذَلِكَ عَدَمُ الْوُقُوفِ عَلَى عَدَالَتِهِمْ فَلَا تَكُونُ عَدَالَتُهُمْ ثَابِتَةً، فَأَطْلَقَ اللَّفْظَ وَأَرَادَ بِهِ لَازِمَهُ مِنْ نَحْوِ الْخَدَمِ.
وَقَوْلُهُ: وَالْجِيرَانُ مِنْ عَطْفِ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ إذْ الْمُرَادُ جِيرَانٌ مِنْ اللَّفِيفِ بِدَلِيلِ التَّعْبِيرِ بِيَكْفِي، وَهَذَا إشَارَةٌ إلَى بَيِّنَةِ السَّمَاعِ، وَحَاصِلُ مَا فِيهَا أَنَّ الْمَرْأَةَ إذَا ادَّعَتْ بَعْدَ الْمُخَالَعَةِ أَنَّهَا مَا خَالَعَتْ إلَّا عَنْ ضَرُورَةٍ وَأَقَامَتْ بَيِّنَةَ السَّمَاعِ بِذَلِكَ فَإِنَّ الزَّوْجَ يَرُدُّ مَا خَالَعَهَا بِهِ وَبَانَتْ مِنْهُ، وَلَا يُشْتَرَطُ فِي هَذِهِ الْبَيِّنَةِ السَّمَاعُ مِنْ الثِّقَاتِ وَغَيْرِهِمْ بَلْ لَوْ ذَكَرَتْ أَنَّهَا سَمِعَتْ مِمَّنْ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ كَالْخَدَمِ وَنَحْوِهِمْ عُمِلَ عَلَى شَهَادَتِهَا، وَكَذَا بِالْأَوْلَى لَوْ اسْتَنَدَتْ لِلثِّقَاتِ فَقَطْ إذَا كَانُوا مِمَّنْ لَهُمْ بِهِ نَوْعُ ارْتِبَاطٍ كَجِيرَةٍ، وَحَاصِلُ مَا هُنَا أَنَّ السَّمَاعَ هُنَا كَالْقَطْعِ، فَلَا يَحْتَاجُ إلَى يَمِينٍ مَعَ شَاهِدٍ وَامْرَأَتَيْنِ وَيَحْتَاجُ إلَيْهَا مَعَ أَحَدِهِمَا فَهِيَ هُنَا بِخِلَافِ السَّمَاعِ مِنْ غَيْرِهَا، مِنْ أَنَّهُ لَا بُدَّ فِي السَّمَاعِ مِنْ يَمِينِ الْمُدَّعِي
إذَا انْتَقَشَ فِي ذِهْنِك هَذَا، فَقَوْلُ الشَّارِحِ لَفِيفُ النَّاسِ أَيْ الَّذِي سُمِعَتْ مِنْهُ الْبَيِّنَةُ لَا أَنَّهُ نَفْسُ الْبَيِّنَةِ كَمَا يَتَبَادَرُ مِنْ عِبَارَةِ الشَّارِحِ.
[قَوْلُهُ: إلَّا بِنِكَاحٍ جَدِيدٍ] لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَعْقِدَ عَلَيْهَا فِي الْعِدَّةِ أَوْ بَعْدَ الْعِدَّةِ.
[قَوْلُهُ: أَمَّا الْمُجْبَرَةُ] أَيْ كَالسَّيِّدِ فِي أَمَتِهِ، وَالصَّغِيرَةِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ.
[قَوْلُهُ: وَالْأَمَةُ الْمُعْتَقَةُ] سَيَأْتِي الشَّارِحُ يَقُولُ: أَنْ يَكُونَ عِتْقُهَا كَامِلًا فِي مَرَّةٍ أَوْ مَرَّاتٍ بِأَنْ أَعْتَقَ السَّيِّدُ جَمِيعَهَا إنْ كَانَتْ كَامِلَةَ الرِّقِّ أَوْ بَاقِيَهَا إنْ كَانَتْ مُبَعَّضَةً، أَوْ عَتَقَتْ بِأَدَاءِ كِتَابَتِهَا أَوْ كَانَتْ مُدَبَّرَةً أَوْ أُمَّ وَلَدٍ فَعَتَقَتْ مِنْ ثُلُثِ السَّيِّدِ أَوْ رَأْسِ مَالِهِ.
[قَوْلُهُ: يُحَالُ إلَخْ] أَيْ حَتَّى تَخْتَارَ بِغَيْرِ حَاكِمٍ وَهِيَ بَالِغَةٌ رَشِيدَةٌ أَوْ سَفِيهَةٌ وَبَادَرَتْ لِاخْتِيَارِ نَفْسِهَا، فَإِنْ لَمْ تُبَادِرْ لِاخْتِيَارِ نَفْسِهَا أَوْ كَانَتْ صَغِيرَةً فَإِنَّمَا يَنْظُرُ لَهَا الْحَاكِمُ بِالْمَصْلَحَةِ، فَإِذَا رَأَى الْمَصْلَحَةَ فِي الطَّلَاقِ فَيَأْمُرُهُ بِالطَّلَاقِ وَإِلَّا فَهَلْ يُطَلِّقُ أَوْ يَأْمُرُهَا بِهِ، ثُمَّ يَحْكُمُ قَوْلَانِ وَأَمْرُهُ بِهِ لِلصَّغِيرَةِ مُمْكِنٌ إنْ مَيَّزَتْ وَإِلَّا أَوْقَعَهُ لَهَا، وَإِنَّمَا كَانَ لَهَا الْخِيَارُ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ غَيْرُ كُفْءٍ لَهَا.
[قَوْلُهُ: كَانَ فِي بَرِيرَةَ ثَلَاثُ سُنَنٍ] «قَالَتْ عَائِشَةُ: كَانَ فِي بَرِيرَةَ ثَلَاثُ سُنَنٍ» وَفِي رِوَايَةٍ قَالَتْ: «كَانَ فِي بَرِيرَةَ ثَلَاثُ قَضِيَّاتٍ، أَرَادَ أَهْلُهَا أَنْ يَبِيعُوهَا وَيَشْتَرِطُوا وَلَاءَهَا فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: اشْتَرِيهَا وَأَعْتِقِيهَا فَإِنَّ الْوَلَاءَ لِمَنْ أَعْتَقَ قَالَتْ: وَعَتَقَتْ فَخَيَّرَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَاخْتَارَتْ نَفْسَهَا، قَالَتْ: وَكَانَ النَّاسُ يَتَصَدَّقُونَ عَلَيْهَا وَتُهْدِي لَنَا فَذَكَرْت ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: هُوَ عَلَيْهَا صَدَقَةٌ وَهُوَ لَكُمْ هَدِيَّةٌ فَكُلُوهُ» وَفِي رِوَايَةٍ «أُهْدِيَ لَهَا لَحْمٌ