عَبْدًا (حَيْضَتَانِ) صَوَابُهُ طُهْرَانِ لِيُوَافِقَ مَا تَقَدَّمَ، وَمَا يَأْتِي أَنَّ الْعِدَّةَ بِالطُّهْرِ لَا بِالْحَيْضِ، وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ مُعْتَبَرٌ بِالرِّجَالِ دُونَ النِّسَاءِ، وَالْعِدَّةَ مُعْتَبَرَةٌ بِالنِّسَاءِ دُونَ الرِّجَالِ.
(وَكَفَّارَةُ الْعَبْدِ كَالْحُرِّ) ظَاهِرُ التَّشْبِيهِ أَنَّ مَا يُكَفِّرُ بِهِ الْحُرُّ يُكَفِّرُ بِهِ الْعَبْدُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذْ الْعِتْقُ لَا يُكَفَّرُ بِهِ، وَلَوْ أَذِنَ لَهُ سَيِّدُهُ كَمَا قَدَّمْنَا (بِخِلَافِ مَعَانِي الْحُدُودِ، وَالطَّلَاقِ) لَفْظُ مَعَانِي زَائِدٌ أَيْ بِخِلَافِ الْحُدُودِ، وَالطَّلَاقِ فَإِنَّهَا تُشْطَرُ عَلَيْهِ.
ثُمَّ انْتَقَلَ يَتَكَلَّمُ عَلَى الرَّضَاعِ الْمُتَرْجَمِ لَهُ فَقَالَ: (وَكُلُّ مَا وَصَلَ إلَى جَوْفِ الرَّضِيعِ فِي الْحَوْلَيْنِ مِنْ اللَّبَنِ فَإِنَّهُ يُحَرِّمُ، وَإِنْ مَصَّةً) وَفِي نُسْخَةٍ، وَلَوْ مَصَّةً بِالنَّصْبِ خَبَرٌ لَكَانَ الْمُقَدَّرَةِ عَلَى النُّسْخَتَيْنِ؛ التَّقْدِيرُ: وَإِنْ كَانَ الْوَاصِلُ مِنْ اللَّبَنِ مَصَّةً (وَاحِدَةً) عَمَلًا بِمُطْلَقِ قَوْله تَعَالَى: {وَأُمَّهَاتُكُمُ اللاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ} [النساء: ٢٣] مِنْ غَيْرِ تَحْدِيدٍ وَلَا تَفْصِيلٍ، وَالْأَصْلُ فِيمَا ذُكِرَ هَذِهِ الْآيَةُ، وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الصَّحِيحَيْنِ: «يَحْرُمُ مِنْ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنْ النَّسَبِ» ، وَالْإِجْمَاعُ حَكَاهُ ع وَاسْتَثْنَوْا مِنْ عُمُومِ الْحَدِيثِ سِتَّ مَسَائِلَ تَأْتِي فِي آخِرِ الْبَابِ.
وَيُشْتَرَطُ فِي تَحْرِيمِ الرَّضَاعِ شُرُوطٌ مِنْهَا مَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ فِي الْحَوْلَيْنِ احْتِرَازًا مِمَّا لَوْ وَصَلَ إلَى جَوْفِهِ بَعْدَ الْحَوْلَيْنِ بِكَثِيرِ، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ: (وَلَا يُحَرِّمُ مَا أُرْضِعَ بَعْدَ الْحَوْلَيْنِ إلَّا مَا قَرُبَ مِنْهُمَا) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ} [البقرة: ٢٣٣] وقَوْله تَعَالَى: {وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْرًا} [الأحقاف: ١٥]
ــ
[حاشية العدوي]
[قَوْلُهُ: صَوَابُهُ طُهْرَانِ إلَخْ] وَأُجِيبُ بِأَنَّ الْحَيْضَتَيْنِ لَمَّا كَانَتَا يَتَضَمَّنَانِ الطُّهْرَيْنِ عَبَّرَ بِذَلِكَ عَنْهُمَا [قَوْلُهُ: وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ] أَيْ طَلَاقُ الْعَبْدِ طَلْقَتَانِ مُطْلَقًا كَانَتْ الزَّوْجَةُ حُرَّةً أَوْ أَمَةً وَعِدَّةُ الْأَمَةِ حَيْضَتَانِ مُطْلَقًا كَانَ الزَّوْجُ حُرًّا أَوْ عَبْدًا.
[قَوْلُهُ: ظَاهِرُ التَّشْبِيهِ إلَخْ] الْجَوَابُ أَنَّ مُرَادَ الْمُصَنِّفِ أَنَّ مَا يُكَفِّرُ بِهِ الْعَبْدُ هُوَ كَالْحُرِّ فِيهِ أَيْ فَلَا يَتَنَصَّفُ لَا أَنَّ كُلَّ مَا يُكَفِّرُ بِهِ الْحُرُّ يُكَفِّرُ بِهِ الْعَبْدُ [قَوْلُهُ: لَفْظُ مَعَانِي زَائِدٌ] وَيُجَابُ بِأَنَّ الْإِضَافَةَ لِلْبَيَانِ وَفَرَّقُوا بَيْنَ الْكَفَّارَةِ، وَالْحُدُودِ، وَالطَّلَاقِ بِأَنَّ الْكَفَّارَةَ لَمْ تُعْتَبَرْ فِيهَا الْفَضِيلَةُ وَتَأْكِيدُ الْحُرْمَةِ كَمَا اُعْتُبِرَ فِي الْحُدُودِ، وَالطَّلَاقِ [قَوْلُهُ: أَيْ بِخِلَافِ الْحُدُودِ] فَيُحَدُّ فِي الزِّنَا، وَالْقَذْفِ، وَالشُّرْبِ نِصْفَ الْحُرِّ.
[قَوْلُهُ: وَكُلُّ مَا وَصَلَ] ، وَلَوْ مَعَ الشَّكِّ [قَوْلُهُ: إلَى جَوْفِ الرَّضِيعِ] ظَاهِرُهُ أَنَّ مَا وَصَلَ لِحَلْقِهِ وَرُدَّ لَمْ يُحَرِّمْ وَهُوَ كَذَلِكَ، وَمَا وَقَعَ فِي كَلَامِ ابْنِ بَشِيرٍ مِمَّا يُخَالِفُ ذَلِكَ لَا يُعَوَّلُ عَلَيْهِ قَالَهُ عج. [قَوْلُهُ: التَّقْدِيرُ إلَخْ] هَذَا عَلَى نُسْخَةِ أَنَّ أَوْ، وَلَوْ كَانَ الْوَاصِلُ أَيْ عَلَى نُسْخَةِ لَوْ [قَوْلُهُ: مِنْ اللَّبَنِ] ، وَلَوْ خُلِطَ بِغَيْرِ غَالِبٍ عَلَيْهِ فَإِنْ غَلَبَ عَلَى اللَّبَنِ حَتَّى لَمْ يَبْقَ لَهُ طَعْمٌ كَمَا صَوَّرَ بِهِ النَّاصِرُ فَلَا يُحَرِّمُ بَطَلَ حُصُولُ الْغِذَاءِ بِهِ أَمْ لَا، فَإِذَا خُلِطَ لَبَنُ امْرَأَةٍ بِلَبَنِ أُخْرَى صَارَ ابْنًا لَهُمَا تَسَاوَيَا أَوْ غَلَبَ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ، وَفُرُوعُ اللَّبَنِ كَالْجُبْنِ، وَالسَّمْنِ كَهُوَ كَانَ لَبَنَ حَيَّةٍ أَوْ مَيِّتَةٍ وقَوْله تَعَالَى {أَرْضَعْنَكُمْ} [النساء: ٢٣] جَرَى عَلَى الْغَالِبِ وَلَا بُدَّ مِنْ كَوْنِ ذَاتِ اللَّبَنِ آدَمِيَّةً لَا بَهِيمَةً كَجِنِّيَّةٍ.
فَلَوْ ارْتَضَعَ صَبِيَّانِ عَلَى بَهِيمَةٍ أَوْ جِنِّيَّةٍ فَلَا يَحْرُمُ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ، وَلَا فَرْقَ فِي الْمَرْأَةِ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ بِكْرًا أَوْ ثَيِّبًا صَغِيرَةً أَوْ كَبِيرَةً تَلِدُ أَمْ لَا، وَلَا تَحْرِيمَ بِالْمَاءِ الْأَصْفَرِ أَوْ الْأَحْمَرِ [قَوْلُهُ: مَصَّةً] أَيْ ذَا مَصَّةٍ [قَوْلُهُ: وَاحِدَةً] تَأْكِيدٌ [قَوْلُهُ: عَمَلًا بِمُطْلَقٍ] أَيْ فَإِنَّهُ صَادِقٌ، وَلَوْ بِمَرَّةٍ وَاحِدَةٍ [قَوْلُهُ: مِنْ غَيْرِ تَحْدِيدٍ] أَيْ لَا بِعَشْرِ رَضَعَاتٍ وَلَا بِخَمْسِ رَضَعَاتٍ وَقَوْلُهُ وَلَا تَفْصِيلَ بِمَعْنَى مَا قَبْلَهُ [قَوْلُهُ: فِيمَا ذُكِرَ] أَيْ فِي كَوْنِهِ مِنْ الرَّضَاعِ يُحَرِّمُ بِقَطْعِ النَّظَرِ عَنْ كَوْنِهِ كَثِيرًا أَوْ قَلِيلًا [قَوْلُهُ: يَحْرُمُ مِنْ الرَّضَاعِ] أَيْ مِنْ أَجْلِ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنْ أَجْلِ النَّسَبِ أَيْ الذَّوَاتِ، وَالْأَعْيَانِ الَّتِي حَرَّمَهَا النَّسَبُ، وَفِي الْعِبَارَةِ حَذْفُ مُضَافٍ أَيْ مِثْلُ مَا يَحْرُمُ إلَخْ [قَوْلُهُ: حَكَاهُ] أَيْ حَكَى الْإِجْمَاعَ [قَوْلُهُ: مِنْ عُمُومِ الْحَدِيثِ] أَيْ مِنْ عُمُومِ مَا الْوَاقِعَةِ فِي الْحَدِيثِ [قَوْلُهُ: سِتُّ مَسَائِلَ] الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ سِتُّ نِسْوَةٍ [قَوْلُهُ: احْتِرَازًا مِمَّا لَوْ وَصَلَ إلَخْ] لَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا لَيْسَ مُحْتَرَزًا فِي الْحَوْلَيْنِ فَقَطْ بَلْ مُحْتَرَزُ الْحَوْلَيْنِ، وَمَا قَرُبَ مِنْهُمَا [قَوْلُهُ: مَا أُرْضِعَ] أَيْ اللَّبَنُ الَّذِي أُرْضِعَ وَلَا يَخْفَى أَنَّ مُفَادَ هَذَا وَقَوْلِهِ بَعْدَ مَا أُرْضِعَ إلَخْ، أَنَّ اللَّبَنَ يَقَعُ مَفْعُولًا لِأُرْضِعَ يَتَعَدَّى إلَيْهِ بِنَفْسِهِ فَيُحْذَفُ فَاعِلُهُ وَيَقُومُ هَذَا الْمَفْعُولُ مَقَامَهُ، وَيُخَالِفُهُ مَا فِي الْمِصْبَاحِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute