فَأَخْبَرَ عَنْ أَقَلِّ مُدَّةِ الْحَمْلِ وَكَمَالِ مُدَّةِ الرَّضَاعِ ثُمَّ فَسَّرَ الْقُرْبَ بِقَوْلِهِ: (كَالشَّهْرِ وَنَحْوِهِ وَقِيلَ، وَالشَّهْرَيْنِ) ، وَالْأَوَّلُ رِوَايَةُ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ، وَالثَّانِي رِوَايَةُ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَهَذَا أَحَدُ الْمَوَاضِعِ الثَّلَاثِ الَّتِي ضُعِّفَ فِيهَا قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَالْآخَرَانِ أَحَدُهُمَا قَوْلُهُ فِي التَّيَمُّمِ، وَقَدْ قِيلَ يَتَيَمَّمُ لِكُلِّ صَلَاةٍ، وَالْآخَرُ قَوْلُهُ فِي الْأَقْضِيَةِ، وَقَدْ قِيلَ يَقْضِي بِذَلِكَ فِي الْجِرَاحِ.
(وَلَوْ فُصِلَ قَبْلَ الْحَوْلَيْنِ فِصَالًا اسْتَغْنَى فِيهِ عَنْ اللَّبَنِ بِالطَّعَامِ، وَالشَّرَابِ لَمْ يُحَرِّمْ) الرَّضِيعَ (مَا أُرْضِعَ بَعْدَ ذَلِكَ) لِمَا فِي التِّرْمِذِيِّ، وَالنَّسَائِيَّ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَا يُحَرِّمُ مِنْ الرَّضَاعَةِ إلَّا مَا فَتَقَ الْأَمْعَاءَ وَكَانَ قَبْلَ الْفِطَامِ وَمَنْ اسْتَغْنَى بِالطَّعَامِ عَنْ اللِّبَانِ فَقَدْ فُتِقَتْ أَمْعَاؤُهُ» وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ «إنَّمَا الرَّضَاعَةُ مِنْ الْمَجَاعَةِ» .
(وَيُحَرِّمُ بِالْوَجُورِ) بِفَتْحِ الْوَاوِ، وَهُوَ مَا صُبَّ فِي وَسَطِ الْفَمِ وَتَحْتَ اللِّسَانِ (، وَالسَّعُوطِ) بِفَتْحِ السِّينِ، وَهُوَ مَا صُبَّ فِي الْمَنْخَرِ، ظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّ السَّعُوطَ يُحَرِّمُ، وَإِنْ لَمْ يَتَحَقَّقْ وُصُولُهُ لِلْجَوْفِ، وَهُوَ كَذَلِكَ فِي كِتَابِ
ــ
[حاشية العدوي]
حَيْثُ قَالَ أَرْضَعَتْ الْمَرْأَةُ وَلَدَهَا [قَوْلُهُ: لِقَوْلِهِ تَعَالَى إلَخْ] لَيْسَ فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى الْمُدَّعِي [قَوْلُهُ: عَنْ أَقَلِّ مُدَّةِ الْحَمْلِ] أَيْ أَنَّ أَقَلَّ مُدَّةِ الْحَمْلِ سِتَّةُ أَشْهُرٍ وَكَمَالَ مُدَّةِ الرَّضَاعِ سَنَتَانِ [قَوْلُهُ: وَنَحْوُهُ إلَخْ] الْمُرَادُ بِهِ مَا كَانَ أَقَلَّ مِنْ النِّصْفِ كَمَا قَالَهُ الْجُزُولِيُّ [قَوْلُهُ: وَقِيلَ، وَالشَّهْرَيْنِ] أَيْ بَدَلَ قَوْلِهِ: وَنَحْوَهُ أَيْ فَتَكُونُ الزِّيَادَةُ ثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ وَهُوَ قَوْلٌ فِي الْمَذْهَبِ، وَمَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ الزِّيَادَةُ شَهْرَانِ فَقَطْ الَّذِي هُوَ رِوَايَةُ ابْنِ الْقَاسِمِ [قَوْلُهُ: الَّتِي ضُعِّفَ فِيهَا قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ] أَيْ مَعَ أَنَّ كَلَامَهُ فِيهَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ.
[قَوْلُهُ: اسْتَغْنَى فِيهِ] أَيْ يَسْتَغْنِي بِالطَّعَامِ، وَالشَّرَابِ عَنْ اللَّبَنِ بِحَيْثُ لَا يُغْنِيهِ اللَّبَنُ لَوْ عَادَ إلَيْهِ عَنْهُمَا، هَذَا هُوَ الْمُرَادُ لَا أَنَّهُ إذَا عَادَ إلَيْهِ اللَّبَنُ يَأْبَاهُ فَإِنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ أَفَادَهُ عج [قَوْلُهُ: لَا يَحْرُمُ مِنْ الرَّضَاعَةِ] أَيْ الرَّضَاعِ [قَوْلُهُ: إلَّا مَا فَتَقَ الْأَمْعَاءَ] أَيْ الْإِرْضَاعُ فَتَقَ الْأَمْعَاءَ بِاعْتِبَارِ أَثَرِهِ وَهُوَ اللَّبَنُ جَمْعُ وَالتَّرَشُّدِ، كَعِنَبٍ وَأَعْنَابٍ أَيْ الْمَصَارِينُ، وَالْفَتْقُ النَّقْضُ أَيْ زَوَالُ انْطِبَاقِهَا، وَهُوَ كِنَايَةٌ عَنْ تَمَكُّنِ اللَّبَنِ مِنْهَا بِحَيْثُ يَكُونُ صَلَاحُ الْوَلَدِ بِهِ وَقَوْلُهُ وَكَانَ قَبْلَ الْفِطَامِ عَطْفٌ لَازِمٌ [قَوْلُهُ: اللِّبَانِ] أَيْ اللَّبَنِ [قَوْلُهُ: فُتِقَتْ أَمْعَاؤُهُ] أَيْ بِالطَّعَامِ أَيْ تَمَكَّنَ الطَّعَامُ مِنْهَا بِحَيْثُ صَارَ صَلَاحُهَا بِهِ لَا بِاللِّبَانِ [قَوْلُهُ: إنَّمَا الرَّضَاعَةُ مِنْ الْمَجَاعَةِ إلَخْ]
قَالَ فِي النِّهَايَةِ الْمَجَاعَةُ مَفْعَلَةٌ مِنْ الْجُوعِ يَعْنِي أَنَّ الَّذِي يَحْرُمُ مِنْ الرَّضَاعَةِ إنَّمَا هُوَ الَّذِي يَرْضَعُ مِنْ جُوعِهِ وَهُوَ الطِّفْلُ، يَعْنِي أَنَّ الْكَبِيرَ إذَا رَضَعَ عَلَى امْرَأَةٍ لَا يَحْرُمُ عَلَيْهَا بِذَلِكَ الرَّضَاعِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَرْضَعْهُمَا مِنْ الْجُوعِ.
[قَوْلُهُ: وَيُحَرِّمُ] أَيْ الرَّضَاعُ كَمَا فِي التَّحْقِيقِ أَيْ يُحَرِّمُ الرَّضَاعُ الْمُلْتَبِسُ بِالْوَجُورِ مِنْ الْتِبَاسِ الشَّيْءِ بِأَثَرِهِ، أَوْ يُحَرِّمُ اللَّبَنُ مِنْ الْتِبَاسِ الْعَامِّ بِالْخَاصِّ [قَوْلُهُ: مَا صُبَّ فِي وَسَطِ الْفَمِ] أَيْ فَهُوَ نَفْسُ اللَّبَنِ الْمَصْبُوبِ وَيُفِيدُهُ الْمِصْبَاحُ وَقَوْلُهُ: وَتَحْتَ اللِّسَانِ فِي هَذَا الْقَيْدِ نَظَرٌ كَمَا أَفَادَهُ تت وَغَيْرُهُ وَأَسْقَطَهُ فِي تَحْقِيقِ الْمَبَانِي [قَوْلُهُ: بِفَتْحِ السِّينِ] أَيْ فَهُوَ بِفَتْحِ السِّينِ اسْمٌ لِنَفْسِ اللَّبَنِ وَأَمَّا بِضَمِّ السِّينِ فَهُوَ مَصْدَرٌ كَمَا أَفَادَهُ فِي الْمِصْبَاحِ، وَفِي الْبِسَاطِيِّ أَنَّ كُلًّا مِنْ الْوَجُورِ، وَالسَّعُوطِ اسْمٌ لِنَفْسِ الْوُصُولِ، وَظَاهِرُ تَقْرِيرِهِ أَنَّهُ لَا فَرْق بَيْنَ أَنْ يَكُونَ بِآلَةٍ وَغَيْرِهَا وَظَهَرَ أَنَّ الرَّضَاعَ وُصُولُ اللَّبَنِ لِجَوْفِ الرَّضِيعِ عَلَى أَيِّ وَجْهٍ لَا ضَمُّ الشَّفَتَيْنِ عَلَى مَحِلِّ خُرُوجِ اللَّبَنِ مِنْ ثَدْيٍ لِطَلَبِ خُرُوجِهِ.
تَنْبِيهٌ:
الْحُقْنَةُ إذَا حَصَلَ بِهَا غِذَاءٌ بِالْفِعْلِ تُحَرِّمُ وَإِلَّا فَلَا.
قَالَ عج وَانْظُرْ إذَا حَصَلَ مِنْ ثُقْبَةٍ تَحْتَ الْمَعِدَةِ أَوْ فَوْقَهَا وَاسْتَظْهَرَ الشَّيْخُ فِي شَرْحِهِ التَّحْرِيمَ، وَاسْتَظْهَرَ تت أَنَّ لَبَنَ الْخُنْثَى الْمُشْكِلِ يَنْشُرُ الْحُرْمَةَ قِيَاسًا عَلَى مَنْ تَيَقَّنَ الطَّهَارَةَ وَشَكَّ فِي الْحَدَثِ وَلَا يَخْفَى أَنَّ مَسْأَلَةَ الْوَجُورِ تُفْهَمُ مِنْ مَسْأَلَةِ السَّعُوطِ بِالْأَوْلَى. [قَوْلُهُ: إنَّ السَّعُوطَ يُحَرِّمُ إلَخْ] أَيْ إنَّ الرَّضَاعَ بِالسَّعُوطِ يُحَرِّمُ وَاعْلَمْ أَنَّ قَصْرَ الْخِلَافِ عَلَى السَّعُوطِ؛ لِأَنَّهُ الَّذِي وَقَعَ فِيهِ، أَشَارَ لَهُ بَهْرَامُ فَقَدْ قَالَ: أَمَّا الْوَجُورُ فَلَا إشْكَالَ فِي أَنَّهُ كَذَلِكَ يَنْشُرُ الْحُرْمَةَ قَلِيلًا كَانَ أَوْ كَثِيرًا، وَأَمَّا السَّعُوطُ فَمَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّهُ يُحَرِّمُ إنْ وَصَلَ لِلْجَوْفِ وَلِمَالِكٍ فِي كِتَابِ ابْنِ حَبِيبٍ يُحَرِّمُ مُطْلَقًا اهـ. [قَوْلُهُ: وَإِنْ لَمْ يَتَحَقَّقْ وُصُولُهُ لِلْجَوْفِ] أَيْ بِأَنْ شَكَّ فِي وُصُولِهِ لِلْجَوْفِ