الْوَقْفُ إذَا كَانَ عَلَى غَيْرِ مَحْجُورَةٍ، أَمَّا إذَا كَانَ عَلَى غَيْرِ مُعَيَّنٍ كَالْمَسْجِدِ فَلَا يُحْتَاجُ إلَى حِيَازَةِ مُعَيَّنٍ بَلْ إذَا خَلَّى بَيْنَ النَّاسِ وَبَيْنَ الصَّلَاةِ فِيهَا صَحَّ الْوَقْفُ، وَقَيَّدْنَا بِإِذَا كَانَ عَلَى غَيْرِ مَحْجُورِهِ لِقَوْلِهِ: (وَلَوْ كَانَتْ) الدَّارُ (حَبْسًا عَلَى وَلَدِهِ الصَّغِيرِ) الْحُرِّ (جَازَتْ حِيَازَتُهُ لَهُ إلَى أَنْ يَبْلُغَ) إذَا أُنِسَ مِنْهُ الرُّشْدُ (وَلْيُكْرِهَا لَهُ) مِنْ غَيْرِهِ (وَلَا يَسْكُنُهَا فَإِنْ لَمْ يَدَعْ سُكْنَاهَا حَتَّى مَاتَ) أَوْ مَرِضَ أَوْ فُلِّسَ (بَطَلَتْ) صَوَابُهُ بَطَلَ أَيْ الْحَبْسُ، وَعَلَى إثْبَاتِ التَّاءِ يَحْتَمِلُ الْحِيَازَةَ، وَقَيَّدْنَا الصَّغِيرَ بِالْحُرِّ احْتِرَازًا مِمَّا إذَا كَانَ عَبْدًا فَإِنَّ سَيِّدَهُ هُوَ الَّذِي يَحُوزُ لَهُ
(فَإِنْ انْقَرَضَ مَنْ حُبِسَتْ) الدَّارُ (عَلَيْهِ رَجَعَتْ حَبْسًا عَلَى أَقْرَبِ النَّاسِ بِالْمُحْبِسِ) سَوَاءٌ كَانَ الْمُحْبِسُ حَيًّا أَوْ مَيِّتًا مِثْلُ أَنْ يَكُونَ لِلْمُحْبِسِ أَخٌ شَقِيقٌ وَأَخٌ لِأَبٍ فَيَمُوتُ الشَّقِيقُ وَيَتْرُكُ ابْنًا ثُمَّ يَنْقَرِضُ مَنْ حُبِسَ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ لِلْأَخِ لِلْأَبِ دُونَ ابْنِ الْأَخِ الشَّقِيقِ، وَالْعِبْرَةُ فِي رُجُوعِ الْحَبْسِ عَلَى الْأَقْرَبِ إنَّمَا هُوَ (يَوْمَ الْمَرْجِعِ) لَا يَوْمَ الْحَبْسِ لِأَنَّهُ قَدْ يَصِيرُ الْبَعِيدُ يَوْمَ التَّحْبِيسِ قَرِيبًا يَوْمَ الْمَرْجِعِ كَالْمِثَالِ الْمَذْكُورِ
(وَمَنْ أَعْمَرَ رَجُلًا) مَثَلًا (حَيَاتَهُ) أَيْ حَيَاةَ الرَّجُلِ (دَارًا رَجَعَتْ بَعْدَ مَوْتِ السَّاكِنِ) وَهُوَ الرَّجُلُ (مِلْكًا لِرَبِّهَا) أَوْ لِوَارِثِهِ إنْ مَاتَ (وَكَذَلِكَ إنْ أَعْمَرَهَا عَقِبَهُ) أَيْ عَقِبَ الرَّجُلِ (فَانْقَرَضُوا) فَحَقِيقَةُ الْعُمْرَى
ــ
[حاشية العدوي]
كَذَا لَكَانَ أَوْلَى.
[قَوْلُهُ: كَالْمَسْجِدِ] وَمِثْلُهُ الْوَقْفُ عَلَى الْفُقَرَاءِ قَالَهُ عج.
[قَوْلُهُ: بَلْ إذَا خَلَّى إلَخْ] بِتَشْدِيدِ اللَّامِ أَيْ تَرَكَ مَا بَيْنَ النَّاسِ وَالصَّلَاةِ فِيهَا.
[قَوْلُهُ: عَلَى وَلَدِهِ الصَّغِيرِ] بَلْ غَيْرُ وَلَدِهِ مِمَّنْ هُوَ فِي حِجْرِهِ كَذَلِكَ.
[قَوْلُهُ: جَازَتْ حِيَازَتُهُ لَهُ] حَاصِلُ فِقْهِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُ إذَا وَقَفَ عَلَى وَلَدِهِ الصَّغِيرِ أَيْ أَوْ السَّفِيهِ فَإِنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي حَوْزِ الْوَقْفِ الْحَوْزُ الْحِسِّيُّ، بَلْ يَكْفِي فِيهِ الْحَوْزُ الْحُكْمِيُّ أَيْ مِنْ الْأَبِ، وَمِثْلُ الْأَبِ الْوَصِيُّ وَالْمُقَامُ مِنْ قِبَلِ الْقَاضِي فَيَصِحُّ الْوَقْفُ وَلَوْ كَانَ تَحْتَ يَدِ الْحَائِزِ إلَى مَانِعٍ مِنْ الْمَوَانِعِ لَكِنَّ ذَلِكَ بِشُرُوطٍ ثَلَاثَةٍ، الْأَوَّلُ أَنْ يُشْهِدَ الْوَاقِفُ عَلَى الْحَبْسِ قَبْلَ حُصُولِ الْمَانِعِ أَيْ يُشْهِدُ عَلَى التَّحْبِيسِ لَا عَلَى الْإِقْرَارِ.
الشَّرْطُ الثَّانِي: أَنْ يَصْرِفَ الْوَاقِفُ الْغَلَّةَ فِي مَصَارِفِ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ فَلَوْ صَرَفَهَا فِي مَصَالِحِ نَفْسِهِ بَطَلَ الْوَقْفُ أَيْ ثَبَتَ أَنَّهُ صَرَفَ الْغَلَّةَ أَوْ احْتَمَلَ صَرْفَهَا أَيْ كُلَّهَا أَوْ جُلَّهَا قِيَاسًا عَلَى الْهِبَةِ فِي دَارِ السُّكْنَى.
الشَّرْطُ الثَّالِثُ: أَنْ يُكْرِيَهَا وَلَا يَسْكُنَهَا وَإِلَى ذَلِكَ أَشَارَ بِقَوْلِهِ: وَلْيُكْرِهَا وَلَا يَسْكُنْهَا.
[قَوْلُهُ: إذَا أَنِسَ مِنْهُ الرُّشْدَ] أَيْ عَلِمَ مِنْهُ الرُّشْدَ أَيْ فَغَايَةُ الْحِيَازَةِ الْبُلُوغُ بِشَرْطِ أَنْ يَعْلَمَ مِنْهُ الرُّشْدَ، هَذَا إذَا كَانَ الْوَلَدُ ذَكَرًا، وَأَمَّا لَوْ كَانَ أُنْثَى فَإِلَى الدُّخُولِ بِهَا بَعْدَ الْبُلُوغِ وَيُؤْنَسُ مِنْهَا الرُّشْدُ كَمَا قَالَ ابْنُ عُمَرَ.
وَأَمَّا إذَا لَمْ يَعْلَمْ مِنْهُ الرُّشْدَ فَيَسْتَمِرُّ الْوَلِيُّ حَائِزًا لَهُ وَبَعْدَ هَذَا كُلِّهِ فَقَضِيَّتُهُ عَدَمُ صِحَّةِ الْحَوْزِ مِنْ السَّفِيهِ وَالصَّغِيرِ أَوْلَى، وَالرَّاجِحُ أَنَّ حَوْزَ الصَّغِيرِ الْمُمَيَّزِ وَأَوْلَى السَّفِيهُ كَافٍ مُطْلَقًا فِيمَا وَقَفَهُ وَلِيُّهُ عَلَيْهِ قَالَ بَعْضُ الشُّرَّاحِ: وَانْظُرْ إذَا لَمْ يَكُنْ مُمَيَّزًا وَحَازَ.
[قَوْلُهُ: مِنْ غَيْرِهِ] وَأَمَّا لَوْ إكْرَاهًا مِنْ نَفْسِهِ فَهُوَ بَاطِلٌ كَمَا فِي التَّحْقِيقِ، فَإِنْ عَطَّلَهَا وَلَمْ يُكْرِهَا وَلَا سَكَنَهَا فَفِي الصِّحَّةِ وَالْبُطْلَانِ قَوْلَانِ، رَجَّحَ ابْنُ عُمَرَ الْأَوَّلَ قَائِلًا فَالْإِكْرَاءُ لَيْسَ بِشَرْطٍ وَإِنَّمَا الشَّرْطُ أَنْ لَا يَسْكُنَهَا.
[قَوْلُهُ: فَإِنْ لَمْ يَدَعْ سُكْنَاهَا إلَخْ] ظَاهِرُهُ أَنَّهَا إذَا كَانَتْ دَارَ سُكْنَاهُ يَبْطُلُ الْوَقْفُ مُطْلَقًا وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ يَجْرِي عَلَى الْهِبَةِ بَيْنَ أَنْ يَسْكُنَ الْكُلَّ أَوْ الْجُلَّ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ كَمَا تَقَدَّمَ.
[قَوْلُهُ: أَوْ مَرِضَ] أَيْ مَرَضَ الْمَوْتِ.
وَقَوْلُهُ: يَحْتَمِلُ الْحِيَازَةَ إلَخْ وَيَحْتَمِلُ الدَّارَ أَيْ تَحْبِيسُهَا.
[قَوْلُهُ: وَقَيَّدْنَا الصَّغِيرَ بِالْحُرِّ] فُهِمَ مِنْهُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِوَلَدِهِ الْكَبِيرِ الرَّشِيدِ وَهُوَ كَذَلِكَ، وَفُهِمَ مِنْهُ أَنَّ حِيَازَةَ الْأُمِّ مَا حَبَسَتْهُ عَلَى وَلَدِهَا غَيْرُ مُعْتَبَرَةٍ وَهُوَ كَذَلِكَ إلَّا أَنْ تَكُونَ وَصِيَّةً.
[قَوْلُهُ: فَإِنْ انْقَرَضَ مَنْ حُبِسَتْ عَلَيْهِ] أَفْهَمَ أَنَّ الْمُحْبَسَ عَلَيْهِ جِهَةٌ مُعَيَّنَةٌ كَزَيْدٍ وَذُرِّيَّتِهِ، وَأَمَّا نَحْوُ الْفُقَرَاءِ فَلَا يَتَأَتَّى انْقِطَاعُهُمْ.
[قَوْلُهُ: رَجَعَتْ حَبْسًا] وَيَسْتَوِي فِيهِ الذَّكَرُ وَالْأُنْثَى وَلَوْ كَانَ الْوَاقِفُ شَرَطَ فِي أَصْلِ وَقْفِهِ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ يَوْمَ الْمَرْجِعِ إلَّا ابْنَةٌ وَاحِدَةٌ لَكَانَ لَهَا جَمِيعُهُ، وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ لَهُ قَرِيبٌ يَوْمَ الْمَرْجِعِ فَإِنَّهُ يُصْرَفُ لِلْفُقَرَاءِ وَلَا يَدْخُلُ الْمُحْبِسُ فِي الْوَقْفِ إذَا كَانَ حَيًّا وَلَوْ صَارَ فَقِيرًا.
[قَوْلُهُ: وَكَذَلِكَ إنْ أَعْمَرَهَا إلَخْ] أَيْ بِأَنْ قَالَ: أَعْمَرْتُ أَوْلَادَهُ فَقَطْ، وَكَذَلِكَ إذَا أَعْمَرَهُ وَعَقِبَهُ كَمَا سَيَنُصُّ عَلَيْهِ الشَّارِحُ.
وَقَوْلُهُ: فَحَقِيقَةُ الْعُمْرَى مَأْخُوذَةٌ مِنْ