وَالتَّصَدُّقِ بِهَا وَلَمْ يَذْكُرْ التَّمْلِيكَ لِمَا قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: نُصُوصُ الْمَذْهَبِ عَلَى مَرْجُوحِيَّةِ التَّمْلِيكِ، وَرُبَّمَا وَقَعَ الْمَنْعُ مِنْ ذَلِكَ لِأَنَّ الْمُرَادَ مِنْ التَّمْلِيكِ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِيهَا، وَفِي التَّوْضِيحِ وَاَلَّذِي يَقْتَضِيهِ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ أَنَّ لَهُ أَنْ يَنْتَفِعَ بِهَا غَنِيًّا كَانَ أَوْ فَقِيرًا
(وَ) إذَا تَصَدَّقَ بِهَا (ضَمِنَهَا لِرَبِّهَا إنْ جَاءَ) وَإِنْ وَجَدَهَا قَائِمَةً أَخَذَهَا.
ق: أَجْمَلَ الْمُصَنَّفُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ لِأَنَّهُ لَمْ يُبَيِّنْ هَلْ يَتَصَدَّقُ بِهَا عَنْ نَفْسِهِ أَوْ عَنْ صَاحِبِهَا، وَهَلْ وَجَدَهَا قَائِمَةً أَوْ فَائِتَةً، وَهَلْ وَجَدَهَا فِي يَدِ الْمُلْتَقِطِ أَوْ الْمِسْكِينِ إلَى آخِرِ مَا ذَكَرَ. اُنْظُرْ بَقِيَّتَهُ فِي الْأَصْلِ (وَإِنْ انْتَفَعَ) الْمُلْتَقِطُ (بِهَا) أَيْ بِاللُّقَطَةِ (ضَمِنَهَا وَإِنْ هَلَكَتْ قَبْلَ السَّنَةِ أَوْ بَعْدَهَا بِغَيْرِ تَحْرِيكٍ) أَيْ تَعَدٍّ (لَمْ يَضْمَنْهَا) لِأَنَّهَا أَمَانَةٌ عِنْدَهُ، مَفْهُومُهُ لَوْ تَعَدَّى عَلَيْهَا ضَمِنَهَا
(وَإِذَا عَرَفَ طَالِبُهَا) أَيْ اللُّقَطَةِ (الْعِفَاصَ) بِكَسْرِ الْعَيْنِ وَبِالْفَاءِ وَالصَّادِ الْمُهْمَلَةِ وَهُوَ الْوِعَاءُ الَّذِي تَكُونُ فِيهِ النَّفَقَةُ جِلْدًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ (وَ) عَرَفَ (الْوِكَاءَ) بِالْمَدِّ وَهُوَ الْخَيْطُ الَّذِي يُشَدُّ بِهِ الْوِعَاءُ (أَخَذَهَا) ظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ مَجْمُوعِ الْأَمْرَيْنِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، بَلْ لَوْ اقْتَصَرَ عَلَى أَحَدِهِمَا أَجْزَأَهُ لِأَنَّهُ قَدْ يَنْسَى الْآخَرَ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَيْضًا أَنَّ
ــ
[حاشية العدوي]
مَشَقَّةُ تَخْلِيصِ مَا فِي ذِمَّةِ الْإِمَامِ بِخِلَافِ غَيْرِهِ.
[قَوْلُهُ: مَرْجُوحِيَّةِ التَّمْلِيكِ] يَحْتَمِلُ الْكَرَاهَةَ وَيَحْتَمِلُ خِلَافَ الْأَوْلَى قَالَ بَعْضُهُمْ: وَالْأَوَّلُ الَّذِي هُوَ الْكَرَاهَةُ ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ.
وَقَوْلُهُ: وَرُبَّمَا وَقَعَ الْمَنْعُ مِنْ ذَلِكَ أَيْ رُبَّمَا وَقَعَ فِي كَلَامِ أَهْلِ الْمَذْهَبِ الْمَنْعُ مِنْ التَّمْلِيكِ.
وَقَوْلُهُ: وَاَلَّذِي يَقْتَضِيهِ وَهُوَ الرَّاجِحُ، فَظَهَرَ أَنَّ الْأَقْوَالَ ثَلَاثَةٌ: الْكَرَاهَةُ وَالْمَنْعُ وَالْإِبَاحَةُ، الَّذِي يَقْتَضِيهِ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ كَمَا هُوَ الْمُتَبَادِرُ مِنْ قَوْلِهِ: أَنَّ لَهُ أَنْ يَسْتَمْتِعَ وَمِنْ قَوْلِهِ فِي الْحَدِيثِ شَأْنُكَ بِهَا بَعْدَ السَّنَةِ وَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ غَنِيٍّ وَفَقِيرٍ.
[قَوْلُهُ: وَإِذَا تَصَدَّقَ بِهَا] أَيْ عَنْ نَفْسِهِ أَوْ عَنْ رَبِّهَا ضَمِنَهَا لِرَبِّهَا إنْ جَاءَ أَيْ وَفَاتَتْ عَلَى مَا نُفَصِّلُ، فَنَقُولُ: حَاصِلُهُ أَنَّ رَبَّ اللُّقَطَةِ لَوْ جَاءَ وَوَجَدَهَا بِيَدِ الْمِسْكِينِ أَوْ مُبْتَاعٍ مِنْهُ فَلَهُ أَخْذُهَا وَلَهُ تَضْمِينُ الْمُلْتَقِطِ الْقِيمَةَ يَوْمَ التَّصَدُّقِ بِهَا هَذَا إذَا تَصَدَّقَ بِهَا عَنْ نَفْسِهِ دَخَلَهَا نَقْصٌ أَمْ لَا أَوْ عَنْ رَبِّهَا وَدَخَلَهَا نَقْصٌ مُفْسِدٌ لِأَنَّهُ بِتَصَدُّقِهِ بِهَا ضَمِنَهَا، وَأَمَّا عَنْ رَبِّهَا وَلَمْ يَدْخُلْهَا نَقْصٌ مُفْسِدٌ فَيَتَعَيَّنُ أَخْذُهَا، وَإِذَا أَخَذَ مِنْ الْمُلْتَقِطِ الْقِيمَةَ فَلِلْمُلْتَقِطِ الرُّجُوعُ عَلَى الْمِسْكِينِ بِعَيْنِ اللُّقَطَةِ أَوْ بِمَا بَقِيَ مِنْهَا إلَّا أَنْ يَتَصَدَّقَ الْمُلْتَقِطُ بِهَا عَنْ نَفْسِهِ فَلَا رُجُوعَ لَهُ عَلَى الْمِسْكِينِ بِشَيْءٍ، وَأَمَّا لَوْ وَجَدَهَا فَأَتَتْ بِيَدِ الْمِسْكِينِ لَمْ يَرْجِعْ عَلَيْهِ الْمُلْتَقِطُ بِمَا غَرِمَهُ مِنْ قِيمَتِهَا لِرَبِّهَا، فَقَوْلُ الشَّارِحِ: وَإِنْ وَجَدَهَا قَائِمَةً أَيْ بِيَدِ الْمِسْكِينِ أَوْ بِيَدِ مَنْ اشْتَرَاهَا مِنْهُ أَخَذَهَا أَيْ يَتَعَيَّنُ أَخْذُهَا أَوْ لَهُ أَخْذُهَا، وَلَهُ أَخْذُ قِيمَتِهَا عَلَى التَّفْصِيلِ الَّذِي قَرَّرْنَاهُ.
[قَوْلُهُ: وَهَلْ وَجَدَهَا فِي يَدِ الْمُلْتَقِطِ] قَدْ عَلِمْت مِمَّا قَرَّرْنَا أَنَّ الْكَلَامَ مَفْرُوضٌ فِيمَا إذَا خَرَجَتْ عَنْ يَدِ الْمُلْتَقِطِ كَمَا هُوَ مُفَادُ قَوْلِهِ: وَإِذَا تَصَدَّقَ أَيْ خَرَجَتْ مِنْ يَدِهِ فَتَأَمَّلْ تَفْهَمْ، وَأَمَّا لَوْ وَجَدَهَا بِيَدِهِ الْمُلْتَقِطِ فَتَارَةً يَجِدُهَا بِحَالِهَا وَتَارَةً يَجِدُهَا تَغَيَّرَتْ بِنَقْصٍ وَتَارَةً يَجِدُهَا فَاتَتْ.
وَحَاصِلُهَا أَنَّهُ إذَا نَوَى تَمَلُّكَهَا بَعْدَ السَّنَةِ ثُمَّ وَجَدَهَا نَاقِصَةً بِغَيْرِ سَمَاوِيٍّ أَيْ بِاسْتِعْمَالِ الْمُلْتَقِطِ فَلِرَبِّهَا أَخْذُهَا أَوْ قِيمَتِهَا يَوْمَ نَوَى التَّمَلُّكَ وَإِلَّا فَلَيْسَ لَهُ إلَّا أَخْذُهَا كَمَا إذَا كَانَتْ بَاقِيَةً بِحَالِهَا، فَإِنْ نَوَى التَّمَلُّكَ قَبْلَ السَّنَةِ فَهُوَ كَالْغَاصِبِ يَضْمَنُ السَّمَاوِيَّ، وَأَمَّا لَوْ نَقَصَتْ قَبْلَ نِيَّةِ التَّمَلُّكِ وَقَبْلَ السَّنَةِ أَوْ بَعْدَ السَّنَةِ وَقَبْلَ نِيَّةِ التَّمَلُّكِ فَلَيْسَ لَهُ إلَّا أَخْذُهَا فَقَطْ، وَظَاهِرُهُ وَلَوْ نَقَصَتْ بِسَبَبِ اسْتِعْمَالِهِ وَهُوَ كَذَلِكَ عَلَى أَحَدِ قَوْلَيْنِ.
[قَوْلُهُ: وَإِنْ انْتَفَعَ الْمُلْتَقِطُ بِهَا] أَيْ فِي غَيْرِ رُكُوبِهَا لِمَوْضِعِهِ وَتَلِفَتْ، وَأَمَّا لَوْ لَمْ يَحْصُلْ تَلَفٌ فَإِنَّمَا يَلْزَمُهُ كِرَاؤُهَا لِمَالِكِهَا إنْ كَانَ مِثْلُهُ يَكْرِي الدَّوَابَّ.
وَقَوْلُنَا: أَيْ فِي غَيْرِ رُكُوبِهَا لِمَوْضِعِهِ وَأَمَّا رُكُوبُهَا مِنْ مَوْضِعِ الِالْتِقَاطِ إلَى مَنْزِلِهِ فَيَجُوزُ وَإِنْ لَمْ يَتَعَذَّرْ أَوْ يَتَعَسَّرْ قَوْدُهَا عَلَيْهِ فَتَأَمَّلْ تُدْرِكْ.
[قَوْلُهُ: أَيْ تَعَدٍّ] أَيْ وَأَمَّا لَوْ تَعَدَّى فَهُوَ مَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ: وَإِنْ انْتَفَعَ وَفَسَّرَ التَّحْرِيكَ بِالتَّعَدِّي إشَارَةً إلَى أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ مُطْلَقَ تَحْرِيكٍ إذْ قَدْ يَكُونُ التَّحْرِيكُ مَأْذُونًا فِيهِ لِلْعَلَفِ.
[قَوْلُهُ: بَلْ لَوْ اقْتَصَرَ عَلَى أَحَدِهِمَا أَجْزَأَهُ] أَيْ أَنَّهُ إذَا اقْتَصَرَ عَلَى أَحَدِهِمَا فَإِنَّهَا تُدْفَعُ لَهُ بَعْدَ الِاسْتِينَاءِ مُدَّةً بِاجْتِهَادِ الْإِمَامِ وَلَا تُدْفَعُ لَهُ عَاجِلًا.
فَقَوْلُ الشَّارِحِ: لِأَنَّهُ قَدْ يَنْسَى الْآخَرَ أَيْ وَقَدْ لَا يَنْسَاهُ وَيُكْتَفَى بِذِكْرٍ وَاحِدٍ فَيُعْطَى حُكْمَهُ مِنْ كَوْنِهَا تُدْفَعُ لَهُ بَعْدَ