للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقِيلَ: يُقْسِمُونَ عَلَى الْجَمِيعِ ثُمَّ يَخْتَارُونَ وَاحِدًا مِنْهُمْ يَقْتُلُونَهُ، وَنَسَبَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ لِابْنِ الْقَاسِمِ، وَنَسَبَ ك الْأَوَّلَ لَهُ ثُمَّ قَالَ: وَإِنَّمَا لَمْ يُقْتَلْ بِالْقَسَامَةِ عِنْدَنَا أَكْثَرُ مِنْ وَاحِدٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يَدْرِي أَقَتَلَهُ الْكُلُّ أَوْ الْبَعْضُ وَالْمُحِقُّ مِنْهُمْ وَاحِدٌ وَالزَّائِدُ عَلَيْهِ مَشْكُوكٌ فِيهِ، وَيُضْرَبُ كُلُّ وَاحِدٍ مِمَّنْ بَقِيَ مِائَةً وَيُسْجَنُونَ سَنَةً.

وَلَمَّا كَانَ مِنْ شُرُوطِ الْقَسَامَةِ اللَّوْثُ وَهُوَ أَمْرٌ يَنْشَأُ عَنْهُ غَلَبَةُ الظَّنِّ بِصِدْقِ الْمُدَّعِي. نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ بِذِكْرِ صُوَرٍ ثَلَاثٍ آتِيًا بِأَدَاةِ الْحَصْرِ فَقَالَ: (وَإِنَّمَا تَجِبُ الْقَسَامَةُ بِقَوْلِ الْمَيِّتِ) فِي مَرَضِهِ (دَمِي عِنْدَ فُلَانٍ) لَمْ يَخْتَلِفْ فِي هَذَا قَوْلُ مَالِكٍ وَجَمِيعُ أَصْحَابِهِ أَنَّهُ لَوْثٌ فِي الْعَمْدِ يُوجِبُ الْقَسَامَةَ وَالْقَوَدَ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِ قَبُولُ قَوْلِهِ مُطْلَقًا كَانَ بِهِ جُرْحٌ أَوْ لَا، وَهُوَ ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ أَيْضًا.

وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: " لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ إلَّا إذَا كَانَ مَعَ الْقَوْلِ جُرْحٌ وَنَحْوُهُ وَبِهِ الْعَمَلُ وَشَهَرَهُ صَاحِبُ الْمُخْتَصَرِ ثُمَّ أَشَارَ إلَى الثَّانِيَةِ بِقَوْلِهِ: (أَوْ بِشَهَادَةِ) وَاحِدٍ (عَلَى) مُعَايَنَةِ (الْقَتْلِ) ظَاهِرُ كَلَامِهِ عَدْلًا كَانَ أَوْ غَيْرَ عَدْلٍ وَهِيَ رِوَايَةٌ عَنْ مَالِكٍ، وَالْمَشْهُورُ أَنَّ غَيْرَ الْعَدْلِ لَا يَكُونُ لَوْثًا؛ لِأَنَّ شَهَادَتَهُ سَاقِطَةٌ شَرْعًا، فَإِذَا شَهِدَ الْعَدْلُ بِمُعَايَنَةِ الْقَتْلِ يُقْسِمُ الْوُلَاةُ مَعَ شَهَادَتِهِ وَيَسْتَحِقُّونَ الدَّمَ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّهَا لَوَثٌ وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ الْمَوْتُ. ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ ثُبُوتِ الْمَوْتِ. ثُمَّ أَشَارَ إلَى الثَّالِثَةِ بِقَوْلِهِ: (أَوْ بِشَاهِدَيْنِ عَلَى الْجُرْحِ ثُمَّ يَعِيشُ بَعْدَ ذَلِكَ) لَيْسَ الْجُرْحُ شَرْطًا بَلْ

ــ

[حاشية العدوي]

وَجَرَحَهُ كُلٌّ وَمَاتَ وَلَمْ يَدْرِ مِنْ أَيُّهَا مَاتَ فَإِنَّهُ يُقَدِّمُ الْأَقْوَى فِعْلًا عَلَى غَيْرِهِ، وَيَتَعَيَّنُ وَحْدَهُ لِلْقَتْلِ بِقَسَامَةٍ وَيُقْتَصُّ مِنْ غَيْرِهِ مِمَّنْ جَرَحَهُ، وَيُعَاقَبُ مَنْ لَمْ يَجْرَحْ وَأَمَّا الْمُتَمَالَئُونَ عَلَى الْقَتْلِ أَوْ الضَّرْبِ بِأَنْ قَصَدُوا جَمِيعًا وَحَضَرُوا قَتْلَهُ بِحَيْثُ يَكُونُ الَّذِي لَمْ يَضْرِبْ لَوْ اُحْتِيجَ لَهُ لَضَرَبَ وَمَاتَ فَوْرًا فَيُقْتَصُّ مِنْهُمْ عِنْدَ الْمُكَافَأَةِ.

[قَوْلُهُ: يُقْسِمُونَ عَلَيْهِ] أَيْ فَيَقُولُونَ لَمِنْ جَرْحِهِ أَوْ ضَرْبِهِ مَاتَ وَلَا يَقُولُونَ لَمِنْ جَرْحِهِمْ أَوْ ضَرْبِهِمْ، وَانْظُرْ إذَا قَالُوا ذَلِكَ هَلْ تُعَادُ الْأَيْمَانُ أَوْ لَا؟ وَإِذَا عَيَّنُوا وَاحِدًا وَأَقْسَمُوا عَلَيْهِ وَاعْتَرَفَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ أَنَّهُ الْقَاتِلُ بِمُفْرَدِهِ فَإِنَّ الْأَوْلِيَاءَ يَقْتُلُونَ وَاحِدًا مِنْهُمَا قَالَهُ عج.

[قَوْلُهُ: وَقِيلَ يُقْسِمُونَ عَلَى الْجَمِيعِ] بِأَنْ يَقُولُوا لِمَنْ ضَرَبَهُمْ مَاتَ وَهُوَ ضَعِيفٌ.

[قَوْلُهُ: وَيُضْرَبُ كُلُّ وَاحِدٍ مِمَّنْ بَقِيَ مِائَةً وَيُسْجَنُونَ سَنَةً] جَارٍ عَلَى الْقَوْلَيْنِ

[قَوْلُهُ: بِقَوْلِ الْمَيِّتِ إلَخْ] أَيْ وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ بَالِغًا حُرًّا مُسْلِمًا عَاقِلًا وَقَوْلُهُ: دَمِي عِنْدَ فُلَانٍ سَوَاءٌ كَانَ فُلَانٌ حُرًّا أَوْ عَبْدًا بَالِغًا أَوْ لَا ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى عَدْلًا أَوْ لَا مُسْلِمًا أَوْ كَافِرًا عَدُوًّا أَوْ لَا. وَلَدًا ادَّعَى أَنَّ أَبَاهُ شَقَّ جَوْفَهُ أَوْ ذَبَحَهُ أَوْ لَمْ يَكُنْ وَلَدًا قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ: الْعَدَاوَةُ هُنَا تُؤَكِّدُ صِدْقَ الْمُدَّعِي لِأَنَّهَا مَظِنَّةُ الْقَتْلِ بِخِلَافِ سَائِرِ الدَّعَاوَى قَالَهُ عج.

[قَوْلُهُ: أَنَّهُ لَوْثٌ فِي الْعَمْدِ يُوجِبُ الْقَسَامَةَ وَالْقَوَدَ إلَخْ] أَيْ وَأَمَّا الْخَطَأُ فَفِيهِ خِلَافٌ، وَالْمَشْهُورُ أَيْضًا أَنَّ الْوُلَاةَ يُقْسِمُونَ وَيَسْتَحِقُّونَ الدِّيَةَ طَرْدًا لِلْقَاعِدَةِ، وَقِيلَ: لَا قَسَامَةَ مَعَ ذَلِكَ لِأَنَّهَا دَعْوَى فِي مَالٍ وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ مَالِكٍ.

تَنْبِيهٌ:

شَرْطُ الْعَمَلِ بِقَوْلِهِ أَيْضًا أَنْ يَشْهَدَ عَلَى قَوْلِهِ عَدْلَانِ وَأَنْ يَتَمَادَى عَلَى إقْرَارِهِ حَتَّى يَمُوتَ وَإِلَّا لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ، وَمَا ذَكَرَهُ ظَاهِرٌ إذَا بَيَّنَ قَتْلَهُ بِأَنَّهُ عَمْدٌ أَوْ خَطَأٌ، وَأَمَّا لَوْ قَالَ: قَتَلَنِي فُلَانٌ وَأَطْلَقَ فَلَمْ يَقُلْ لَا عَمْدًا وَلَا خَطَأً فَإِنَّ أَوْلِيَاءَهُ يُبَيِّنُونَ ذَلِكَ وَيُقْسِمُونَ عَلَيْهِ، فَإِنْ حَلَفُوا عَلَى الْعَمْدِ قُتِلُوا وَإِنْ حَلَفُوا عَلَى الْخَطَأِ أَخَذُوا الدِّيَةَ اُنْظُرْ شُرَّاحَ الْمُخْتَصَرِ.

[قَوْلُهُ: أَوْ بِشَهَادَةِ وَاحِدٍ عَلَى مُعَايَنَةِ الْقَتْلِ] سَوَاءٌ كَانَ الْقَتْلُ عَمْدًا أَوْ خَطَأً، وَالْمَرْأَتَانِ كَالرَّجُلِ فِي هَذَا وَفِي سَائِرِ مَا قُلْنَا أَنَّ شَهَادَةَ الشَّاهِدِ فِيهِ لَوْثٌ.

[قَوْلُهُ: وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ ثُبُوتِ الْمَوْتِ] أَيْ لِأَنَّهُ قَبْلَ الثُّبُوتِ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ حَيًّا وَلَا قَسَامَةَ إلَّا بَعْدَ الْمَوْتِ فَتَمْكِينُ الْأَوْلِيَاءِ حِينَئِذٍ مِنْ الْقَسَامَةِ يَسْتَلْزِمُ قَتْلَ الْجَانِي وَيَسْتَلْزِمُ تَزْوِيجَ امْرَأَةِ الْمَقْتُولِ وَقَسْمَ مَالِهِ حِينَئِذٍ وَذَلِكَ بَاطِلٌ، وَظَاهِرُ عِبَارَةِ الشَّارِحِ أَنَّ ثُبُوتَ الْمَوْتِ خَاصٌّ بِهَذَا اللَّوْثِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذْ لَا بُدَّ مِنْ ثُبُوتِ الْمَوْتِ فِي جَمِيعِ مَسَائِلِ الْقَسَامَةِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ مِنْ أَمْثِلَةِ اللَّوْثِ رُؤْيَةُ الْعَدْلِ الْمَقْتُولَ يَتَشَحَّطُ فِي دَمِهِ وَالشَّخْصَ الْمُتَّهَمَ بِقُرْبِهِ وَعَلَيْهِ أَثَرُ الْقَتْلِ.

[قَوْلُهُ: أَوْ بِشَاهِدَيْنِ عَلَى الْجَرْحِ] أَيْ عَلَى مُعَايَنَةِ الْجَرْحِ بِالْفَتْحِ لِأَنَّ الْمُرَادَ

<<  <  ج: ص:  >  >>