للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالضَّرْبُ مِثْلُهُ سَوَاءٌ شَهِدَا بِأَنَّ ذَلِكَ كَانَ مِنْهُ عَلَى وَجْهِ الْعَمْدِ أَوْ الْخَطَأِ، فَيُقْسِمُ الْوُلَاةُ أَنَّهُ مِنْ ذَلِكَ الْجُرْحِ أَوْ الضَّرْبِ مَاتَ، أَمَّا إنْ مَاتَ بِفَوْرِهِ أَوْ أُنْفِذَتْ مَقَاتِلُهُ فَإِنَّهُ يُقْتَلُ بِهِ بِلَا قَسَامَةٍ، وَكَذَا قَوْلُهُ: (وَيَأْكُلُ وَيَشْرَبُ) لَيْسَ بِشَرْطٍ بَلْ الْمَقْصُودُ تَأْخِيرُ الْمَوْتِ بَعْدَ مُعَايَنَةِ الْبَيِّنَةِ لِلْجُرْحِ أَوْ الضَّرْبِ يَوْمًا فَصَاعِدًا، وَلَوْ أَكَلَ وَشَرِبَ.

(وَإِذَا نَكَلَ) بِفَتْحِ الْكَافِ بِمَعْنَى رَجَعَ (مُدَّعُو الدَّمِ) كُلُّهُمْ أَوْ بَعْضُهُمْ عَنْ الْيَمِينِ فِي الْعَمْدِ وَكَانَتْ الْقَسَامَةُ وَجَبَتْ بِقَوْلِ الْمَقْتُولِ أَوْ بِشَاهِدٍ عَلَى الْقَتْلِ (حَلَفَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِمْ خَمْسِينَ يَمِينًا) وَيَحْلِفُ الْمُتَّهَمُ مَعَهُمْ (فَإِنْ لَمْ يَجِدْ مَنْ يَحْلِفُ مِنْ وُلَاتِهِ مَعَهُ غَيْرَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَحْدَهُ حَلَفَ الْخَمْسِينَ) يَمِينًا وَبَرِئَ، فَإِنْ نَكَلَ حُبِسَ حَتَّى يَحْلِفَ أَبَدًا؛ لِأَنَّهُ إذَا سُجِنَ بِسَبَبِ أَمْرٍ فَلَا يَخْرُجُ مِنْ السِّجْنِ إلَّا بَعْدَ حُصُولِ ذَلِكَ الْمَطْلُوبِ، وَقَيَّدْنَا كَلَامَهُ بِالْعَمْدِ؛ لِأَنَّهُمْ إذَا نَكَلُوا فِي الْخَطَأِ قِيلَ تَبْطُلُ

ــ

[حاشية العدوي]

الْفِعْلُ بَلْ وَالضَّرْبُ أَيْ أَوْ شَهِدَا عَلَى مُعَايَنَةِ الضَّرْبِ، وَكَذَلِكَ يُعَدُّ لَوْثًا شَهَادَةُ الْعَدْلِ الْوَاحِدِ عَلَى مُعَايَنَةِ الْجَرْحِ أَوْ الضَّرْبِ عَمْدًا أَوْ خَطَأً أَوْ عَلَى إقْرَارِ الْمَقْتُولِ أَنَّ فُلَانًا جَرَحَهُ أَوْ ضَرَبَهُ عَمْدًا لَا خَطَأً، فَلَا يَكْفِي شَهَادَةُ الْوَاحِدِ فِيهِ. وَالْفَرْقُ أَنَّ إقْرَارَهُ فِي الْخَطَأِ جَارٍ مُجْرَى الشَّهَادَةِ عَلَى الْعَاقِلَةِ بِالدِّيَةِ، وَالشَّاهِدُ عَلَى إقْرَارِهِ نَاقِلٌ وَلَا بُدَّ مِنْ تَعَدُّدِ النَّاقِلِ، وَيُشْتَرَطُ أَنْ يَنْقُلَ عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ اثْنَانِ وَلَا بُدَّ مَعَ شَهَادَةِ الْعَدْلِ الْوَاحِدِ عَلَى الْجَرْحِ أَوْ الضَّرْبِ مِنْ يَمِينٍ مُكَمِّلَةٍ لِلنِّصَابِ وَفِي صِفَتِهَا خِلَافٌ، فَقِيلَ: يَحْلِفُهَا قَبْلَ أَيْمَانِ الْقَسَامَةِ، وَقِيلَ: يَحْلِفُهَا مَعَ كُلِّ يَمِينٍ مِنْ أَيْمَانِ الْقَسَامَةِ بِأَنْ يَقُولَ فِي الشَّهَادَةِ عَلَى الْجَرْحِ مَعَ كُلِّ يَمِينٍ مِنْ الْخَمْسِينَ لَقَدْ جَرَحَهُ وَلَقَدْ مَاتَ مِنْ جُرْحِهِ، فَإِنْ قُلْت. قَدْ تَقَرَّرَ أَنَّ إقْرَارَهُ بِكَوْنِهِ قَتَلَهُ لَا بُدَّ مِنْ شَاهِدَيْنِ عَلَيْهِ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْعَمْدِ وَالْخَطَأِ، وَأَمَّا الْإِقْرَارُ بِأَنَّهُ جَرَحَهُ أَوْ ضَرَبَهُ عَمْدًا يَكْفِي فِيهِ شَهَادَةُ وَاحِدٍ فَمَا الْفَرْقُ؟ قُلْنَا: إنَّ الْقَتْلَ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِعَدْلَيْنِ فِي الْعَمْدِ وَالْخَطَأِ، وَالْجُرْحُ يَثِبُ عِنْدَ مَالِكٍ بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ، وَاعْلَمْ أَنَّ الْقَسَامَةَ تَجِبُ وَإِنْ تَعَدَّدَ اللَّوْثُ.

[قَوْلُهُ: أَنَّهُ مِنْ ذَلِكَ إلَخْ] تَقْدِيمُ الْجَارِّ وَالْمَجْرُورِ يُفِيدُ الْحَصْرَ إشَارَةً إلَى أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَأْتُوا بِمَا يَدُلُّ عَلَى الْحَصْرِ، وَمِنْ ذَلِكَ أَنْ يَقُولُوا: إنَّمَا مَاتَ مِنْ جَرْحِهِ أَوْ ضَرْبِهِ كَمَا تَقَدَّمَ.

[قَوْلُهُ: أَمَّا إنْ مَاتَ بِفَوْرِهِ أَوْ أُنْفِذَتْ مَقَاتِلُهُ إلَخْ] وَأَمَّا لَوْ شَهِدَ الشَّاهِدَانِ عَلَى إقْرَارِ الْمَقْتُولِ بِأَنَّ فُلَانًا جَرَحَهُ أَوْ ضَرَبَهُ فَلَا بُدَّ مِنْ الْقَسَامَةِ وَلَوْ لَمْ يَتَأَخَّرْ الْمَوْتُ لِضَعْفِ أَمْرِ الْإِقْرَارِ بِخِلَافِ الْمُعَايَنَةِ.

[قَوْلُهُ: يَوْمًا فَصَاعِدًا] هَذَا مُحْتَرَزُ قَوْلُهُ مَاتَ بِفَوْرِهِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَنْظُرُ فِيهِ لِلْعُرْفِ وَلَا يَتَقَيَّدُ بِالْيَوْمِ كَمَا هُوَ ظَاهِرُهُ وَحَرِّرْ.

[قَوْلُهُ: وَلَوْ أَكَلَ وَشَرِبَ] الصَّوَابُ وَلَوْ لَمْ يَأْكُلْ وَلَمْ يَشْرَبْ.

[قَوْلُهُ: وَإِذَا نَكَلَ] بِفَتْحِ الْكَافِ فِي الْمَاضِي وَضَمِّهَا فِي الْمُسْتَقْبَلِ.

[قَوْلُهُ: أَوْ بَعْضُهُمْ] أَيْ وَكَانُوا مُسَاوِينَ لِمَنْ لَمْ يَنْكُلْ، وَأَوْلَى لَوْ كَانُوا أَعْلَى مِنْهُ فِي الدَّرَجَةِ كَمَا لَوْ نَكَلَ الِابْنُ مَعَ وُجُودِ الْعَمِّ، وَأَمَّا لَوْ كَانَ ذَلِكَ النَّاكِلُ أَبْعَدَ كَالْعَمِّ مَعَ وُجُودِ الْأَخِ فَلَا عِبْرَةَ بِنُكُولِهِ.

[قَوْلُهُ: وَكَانَتْ الْقَسَامَةُ وَجَبَتْ إلَخْ] هَذَا الْقَيْدُ مُضِرٌّ إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ وَجَبَتْ الْقَسَامَةُ بِمَا ذَكَرَ أَوْ بِغَيْرِهِ.

[قَوْلُهُ: حَلَفَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِمْ إلَخْ] مُلَخَّصُهُ أَنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَاحِدٌ فَقَطْ، فَجَعْلُ عَصَبَةِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الَّذِي يَسْتَعِينُ بِهِمْ مُدَّعًى عَلَيْهِمْ تَغْلِيبٌ. فَقَوْلُ الشَّارِحِ: وَيَحْلِفُ الْمُتَّهَمُ مَعَهُمْ قَرِينَةٌ دَالَّةٌ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ بِالْمُدَّعَى عَلَيْهِمْ مَا يَشْمَلُ عَصَبَةَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ. وَقَوْلُهُ: غَيْرَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ حَالٌ مِنْ قَوْلِهِ وَيَحْلِفُ. وَقَوْلُهُ: الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إظْهَارٌ فِي مَحَلِّ الْإِضْمَارِ، وَقَوْلُهُ: وَحْدَهُ حَالٌ مِنْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَهِيَ مُؤَكِّدَةٌ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ حَالًا مِنْ فَاعِلِ حَلَفَ بَعْدَهُ، وَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ يَسْتَعِينُ بِعَاصِبِهِ وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا عَلَيْهِ الْعَلَّامَةُ خَلِيلٌ فِي مُخْتَصَرِهِ. وَذَكَرَ ابْنُ مَرْزُوقٍ مَا يُفِيدُ ضَعْفَ كَلَامِ الْعَلَّامَةِ خَلِيلٍ وَاعْتِمَادَ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ الْمُصَنِّفُ لِأَنَّهُ مَذْهَبُ ابْنِ الْقَاسِمِ، فَلَوْ أَرَادَ النَّاكِلُ مِنْ الْمُدَّعِينَ أَنْ يَرْجِعَ إلَى الْحَلِفِ فَإِنَّهُ لَا يُجَابُ إلَى ذَلِكَ.

[قَوْلُهُ: فَإِنْ نَكَلَ حُبِسَ حَتَّى يَحْلِفَ أَبَدًا] هَذَا أَحَدُ قَوْلَيْنِ، وَاقْتَصَرَ بَعْضُ شُرَّاحِ الْعَلَّامَةِ خَلِيلٍ عَلَى قَوْلِهِ، وَمَنْ نَكَلَ مِنْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِمْ الْقَتْلَ حُبِسَ حَتَّى يَحْلِفَ فَإِنْ طَالَ أَزْيَدَ مِنْ سَنَةٍ ضُرِبَ مِائَةً

<<  <  ج: ص:  >  >>