تَقَدَّمَ الْحُرِّيَّةُ فَفَارَقَا الْحُرَّ فِي ذَلِكَ (وَ) فِي أَنَّهُ (لَا تَغْرِيبَ عَلَيْهِمَا) ؛ لِأَنَّ فِيهِ ضَرَرًا عَلَى السَّيِّدِ (وَ) كَذَلِكَ (لَا) تَغْرِيبَ (عَلَى الْمَرْأَةِ) ؛ لِأَنَّهَا مُحْتَاجَةٌ إلَى الْحِفْظِ وَالصِّيَانَةِ، فَفِي تَغْرِيبِهَا تَعْرِيضٌ لِهَتْكِهَا وَمُوَاقَعَةِ مِثْلِ الَّذِي غُرِّبَتْ مِنْ أَجْلِهِ.
ثُمَّ شَرَعَ يُبَيِّنُ الطُّرُقَ الَّتِي يَثْبُتُ بِهَا الزِّنَا وَحَصَرَهَا فِي ثَلَاثَةٍ فَقَالَ: (وَلَا يُحَدُّ الزَّانِي إلَّا بِاعْتِرَافٍ مِنْهُ) عَلَى نَفْسِهِ بِالزِّنَا وَلَوْ مَرَّةً (أَوْ بِحَمْلٍ يَظْهَرُ) إذَا لَمْ يَكُنْ لَهَا زَوْجٌ مَثَلًا (أَوْ بِشَهَادَةِ أَرْبَعَةِ رِجَالٍ أَحْرَارٍ بَالِغِينَ عُدُولٍ يَرَوْنَهُ كَالْمِرْوَدِ) بِكَسْرِ الْمِيمِ (فِي الْمُكْحُلَةِ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَالْحَاءِ وَيَشْهَدُونَ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ (وَإِنْ لَمْ يُتِمَّ أَحَدُهُمْ الصِّفَةَ) بِأَنْ يَقُولَ: رَأَيْته بَيْنَ فَخِذَيْهَا وَلَا أَدْرِي مَا وَرَاءَ ذَلِكَ (حُدَّ الثَّلَاثَةُ الَّذِينَ أَتَمُّوهَا) حَدَّ الْقَذْفِ وَلَا حَدَّ عَلَى الرَّابِع؛ لِأَنَّهُ قَصَدَ الشَّهَادَةَ وَلَمْ يَقْصِدْ الْقَذْفَ.
(وَلَا حَدَّ عَلَى مَنْ لَمْ يَحْتَلِمْ) ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُكَلَّفٍ وَيُؤَدَّبُ كَمَا يُؤَدَّبُ فِي الْمَكْتَبِ (وَيُحَدُّ وَاطِئُ أَمَةِ وَالِدِهِ) عَلَى الْمَذْهَبِ لِعَدَمِ الشُّبْهَةِ لَهُ فِي مَالِ أَبِيهِ وَلَا تُقَوَّمُ عَلَيْهِ. وَلَا تَحْرُمُ عَلَى الْأَبِ وَيَسْتَبْرِئُهَا إنْ أَرَادَ وَطْأَهَا (وَلَا يُحَدُّ وَاطِئُ أَمَةِ وَلَدِهِ) ؛ لِأَنَّ لَهُ شُبْهَةً فِي مَالِهِ (وَ) لَكِنْ (تُقَوَّمُ عَلَيْهِ) يَوْمَ وَطِئَ وَإِنْ كَانَ مُعْدَمًا؛ لِأَنَّهُ
ــ
[حاشية العدوي]
الْمُحَارِبِ وَالْمَرْأَةِ الْمُحَارِبَةِ إذَا رَضِيَ السَّيِّدُ أَوْ رَضِيَتْ الْمَرْأَةُ بِالنَّفْيِ فَلَهَا ذَلِكَ حَيْثُ وَجَدَتْ الْمَرْأَةُ رُفْقَةً مَأْمُونَةً وَحَرِّرْ الْفَرْقَ، لَكِنَّ قَوْلَ الشَّارِحِ لِأَنَّ فِيهِ ضَرَرًا عَلَى السَّيِّدِ يُفِيدُ أَنَّهُ إذَا رَضِيَ بِالتَّغْرِيبِ أَنَّهُ يُغَرَّبُ وَقَدْ عَلِمْت خِلَافَهُ.
[قَوْلُهُ: لَا تَغْرِيبَ عَلَى امْرَأَةٍ] وَإِنَّمَا عَلَيْهَا الْجَلْدُ فَقَطْ وَلَوْ رَضِيَتْ بِالتَّغْرِيبِ أَوْ رَضِيَ زَوْجُهَا.
[قَوْلُهُ: وَالصِّيَانَةِ] عَطْفُ تَفْسِيرٍ، وَقَوْلُهُ: لِهَتْكِهَا أَيْ الَّذِي هُوَ ضِدُّ الصِّيَانَةِ أَفَادَهُ فِي التَّحْقِيقِ.
[قَوْلُهُ: وَمُوَاقَعَةِ] مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ مِثْلِهَا أَوْ وُقُوعٍ فَالْمُفَاعَلَةُ لَيْسَتْ عَلَى بَابِهَا
[قَوْلُهُ: إلَّا بِاعْتِرَافٍ مِنْهُ عَلَى نَفْسِهِ بِالزِّنَا] حَيْثُ أَقَرَّ طَائِعًا وَاسْتَمَرَّ عَلَى إقْرَارِهِ وَلَوْ مَرَّةً، وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مِمَّنْ يَصِحُّ اعْتِرَافُهُ بِأَنْ يَكُونَ بَالِغًا عَاقِلًا غَيْرَ مُكْرَهٍ.
[قَوْلُهُ: إذَا لَمْ يَكُنْ لَهَا زَوْجٌ مَثَلًا] أَيْ وَلَا سَيِّدٌ مُقِرٌّ بِوَطْئِهَا، وَقَدْ يُبْحَثُ فِي كَلَامِ الشَّارِحِ بِأَنَّ لَفْظَةَ مَثَلًا تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ هَذَا أَوْ هَذَا مَعَ أَنَّ الْمُرَادَ نَفْيُ الزَّوْجِ وَالسَّيِّدِ، وَمِثْلُ الْخَالِيَةِ مِنْهُمَا ذَاتُ السَّيِّدِ أَوْ الزَّوْجِ الَّذِي لَا يُولَدُ لَهُ فَزَوْجَةُ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ يَلْزَمُهُمَا الْحَدُّ أَوْ تَزَوَّجَتْ بِمَنْ يُولَدُ لَهُ لَكِنْ وَلَدَتْ لِمُدَّةٍ لَا يَلْحَقُ الْوَلَدُ فِيهَا بِزَوْجِهَا كَمَا لَوْ وَضَعَتْ حَمْلًا كَامِلًا لِخَمْسَةِ أَشْهُرٍ أَوْ أَقَلَّ مِنْ يَوْمِ الدُّخُولِ فَإِنَّهَا تُحَدُّ.
[قَوْلُهُ: يَرَوْنَهُ] أَيْ ذَكَرَ الزَّانِي فِي فَرْجِهَا.
[قَوْلُهُ: بِكَسْرِ الْمِيمِ] أَيْ وَفَتْحِ الْوَاوِ.
[قَوْلُهُ: وَيَشْهَدُونَ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ] أَيْ الَّذِي هُوَ وَقْتُ الْأَدَاءِ وَلَا بُدَّ مِنْ اتِّحَادِ الرُّؤْيَا أَيْ أَنَّ الْأَرْبَعَةَ يَجْتَمِعُونَ فِي النَّظَرِ لِلذَّكَرِ فِي الْفَرْجِ، فَلَوْ اجْتَمَعُوا وَنَظَرَ وَاحِدٌ بَعْدَ وَاحِدٍ فَلَا يَكْفِي ذَلِكَ لِاحْتِمَالِ تَعَدُّدِ الْوَطْءِ، وَالْأَفْعَالُ لَا يُضَمُّ بَعْضُهَا إلَى بَعْضٍ وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ اتِّحَادِ وَقْتِ الْأَدَاءِ وَاتِّحَادِ وَقْتِ الرُّؤْيَا، وَيَذْكُرُوا اتِّحَادَ وَقْتِ الرُّؤْيَا لِلْقَاضِي فَإِنْ اخْتَلَفُوا فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ بَطَلَتْ شَهَادَتُهُمْ، وَكَذَا لَوْ اخْتَلَفُوا فِي أَمَاكِنِ الرُّؤْيَا أَوْ فِي الطَّوْعِ أَوْ الْإِكْرَاهِ أَوْ فِي الزِّنَا وَالشُّبْهَةِ، وَكَذَا لَا بُدَّ أَنْ يَقُولُوا لِلْقَاضِي أَنَّهُ أَدْخَلَ فَرْجَهُ فِي فَرْجِهَا كَالْمِرْوَدِ فِي الْمُكْحُلَةِ، وَيَجِبُ تَفْرِيقُهُمْ عِنْدَ الْأَدَاءِ بَعْدَ إتْيَانِهِمْ جَمِيعًا، وَيَجُوزُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ شُهُودِ الزِّنَا أَنْ يَنْظُرَ لِلْعَوْرَةِ قَصْدًا لِيَعْلَمَ كَيْفَ تُؤَدَّى الشَّهَادَةُ.
[قَوْلُهُ: وَلَا حَدَّ عَلَى الرَّابِعِ] بَلْ يُعَاقَبُ بِاجْتِهَادِ الْإِمَامِ وَلَوْ زَادَ عَلَى الْحَدِّ وَإِنَّمَا اشْتَرَطَ مَا ذَكَرَ تَغْلِيظًا حَتَّى لَا يَكَادَ يَثْبُتُ الزِّنَا عَلَى أَحَدٍ قَصْدًا لِلسَّتْرِ. وَقَوْلُ الشَّارِحِ: لِأَنَّهُ قَصَدَ الشَّهَادَةَ فِيهِ أَمْرَانِ: الْأَوَّلُ أَنَّ الْآخَرِينَ قَدْ قَصَدُوا أَيْضًا الشَّهَادَةَ. الثَّانِي: أَنَّ قَصْدَ الشَّهَادَةِ يَكُونُ بِالشَّهَادَةِ بِالْفِعْلِ الْمُوجِبِ لِلْحَدِّ وَكَوْنُهُ بَيْنَ الْفَخِذَيْنِ لَا يُوجِبُ الْحَدَّ.
[قَوْلُهُ: وَلَا حَدَّ عَلَى مَنْ لَمْ يَحْتَلِمْ] أَيْ لَمْ يَبْلُغْ فَاعِلًا أَوْ مَفْعُولًا ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى. وَقَوْلُهُ: وَيُؤَدَّبُ أَيْ يَجِبُ عَلَى الْوَالِي تَأْدِيبُهُ اسْتِصْلَاحًا لِحَالِهِ، وَأَمَّا لَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا بَالِغًا دُونَ غَيْرِهِ فَإِنْ كَانَ الْبَالِغُ الْفَاعِلَ حُدَّ بِشَرْطِ إطَاقَةِ الْمَفْعُولِ وَعَكْسُهُ بِأَنْ بَلَغَ الْمَفْعُولُ دُونَ الْفَاعِلِ فَلَا حَدَّ نَعَمْ يُعَزَّرُ الْمَفْعُولُ.
[قَوْلُهُ: أَمَةِ وَالِدِهِ] أَيْ أَوْ وَالِدَتِهِ وَإِذَا وَلَدَتْ كَانَ الْوَلَدُ رَقِيقًا لَا يَعْتِقُ عَلَى سَيِّدِ الْأُمِّ. وَقَوْلُهُ: عَلَى الْمَذْهَبِ وَمُقَابِلُهُ لَا يُحَدُّ لِأَنَّ لَهُ شُبْهَةً فِي مَالِ الْأَبِ مَتَى احْتَاجَ أَنْفَقَ عَلَيْهِ.
[قَوْلُهُ: أَمَةِ وَلَدِهِ] الْمُرَادُ أَمَةُ فَرْعِهِ وَإِنْ سَفَلَ.
[قَوْلُهُ: لِأَنَّ لَهُ