للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَاخْتُلِفَ هَلْ اللَّفْظَانِ بِمَعْنًى وَاحِدٍ أَمْ لَا؟ فَقِيلَ: الْعَدَالَةُ فِي الْفِعْلِ وَالرِّضَا فِي التَّحَمُّلِ بِالشَّهَادَةِ أَنْ يَكُونَ فَطِنًا غَيْرَ مُغَفَّلٍ.

وَالْعَدَالَةُ هَيْئَةٌ رَاسِخَةٌ فِي النَّفْسِ تَحْمِلُهُ عَلَى مُلَازَمَةِ التَّقْوَى، وَقِيلَ: الرِّضَا فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّاسِ وَالْعَدَالَةُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى: (وَلَا يُقْبَلُ فِي ذَلِكَ) أَيْ فِي التَّزْكِيَةِ (وَلَا فِي التَّجْرِيحِ وَاحِدٌ) إذَا زَكَّاهُ فِي الْعَلَانِيَةِ.

وَأَمَّا فِي السِّرِّ فَيَجُوزُ فِيهِ وَاحِدٌ عَلَى الْمَشْهُورِ (وَتُقْبَلُ شَهَادَةُ الصِّبْيَانِ) فِيمَا يَقَعُ بَيْنَهُمْ (فِي الْجِرَاحِ) وَكَذَلِكَ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ فِي الْقَتْلِ عَلَى الْمَشْهُورِ فِيهِ، وَفِي الْجِرَاحِ بِأَحَدَ عَشَرَ شَرْطًا ذَكَرَ الشَّيْخُ مِنْهَا اثْنَيْنِ أَحَدُهُمَا مَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ: (قَبْلَ أَنْ يَفْتَرِقُوا) ؛ لِأَنَّ تَفْرِقَتَهُمْ مَظِنَّةُ تَعْلِيمِهِمْ، وَالْآخَرُ أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ: (أَوْ يَدْخُلُ بَيْنَهُمْ كَبِيرٌ) ؛ لِأَنَّهُ مَظِنَّةُ تَعْلِيمِهِمْ أَيْضًا، ظَاهِرُهُ كَالْمُخْتَصَرِ سَوَاءٌ كَانَ الْكَبِيرُ ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى حُرًّا كَانَ أَوْ عَبْدًا مُسْلِمًا كَانَ أَوْ كَافِرًا، وَبَقِيَّةُ الشُّرُوطِ مَذْكُورَةٌ فِي الْأَصْلِ. ج: يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ الشَّيْخِ أَنَّ شَهَادَةَ النِّسَاءِ فِي الْمَأْتَمِ وَالْأَعْرَاسِ مَقْبُولَةٌ وَهُوَ أَحَدُ

ــ

[حاشية العدوي]

يَكُونَ مِنْ أَهْلِ مَحَلَّتِهِ وَسُوقِهِ؛ لِأَنَّهُمْ أَقْرَبُ إلَى تَحْقِيقِ مَعْرِفَتِهِ مِنْ غَيْرِهِمْ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِمْ عُدُولٌ قُبِلَ غَيْرُهُمْ وَكَذَا إنْ كَانَ غَيْرُهُمْ أَشَدَّ بُرُوزًا مِنْهُمْ اهـ الْمُرَادُ مِنْهُ.

[قَوْلُهُ: الْعَدَالَةُ فِي الْفِعْلِ] أَيْ الْعَدَالَةُ تَكُونُ فِي الْفِعْلِ أَيْ بِأَنْ يُؤَدِّيَ الْفَرَائِضَ كَالصَّلَاةِ وَنَحْوِهَا تَارِكًا لِلزِّنَا وَنَحْوِهِ. وَقَوْلُهُ: وَالرِّضَا فِي التَّحَمُّلِ أَيْ الرِّضَا يَكُونُ فِي التَّحَمُّلِ. وَقَوْلُهُ: أَنْ يَكُونَ أَيْ بِأَنْ يَكُونَ تَفْسِيرٌ لِلرِّضَا فِي التَّحَمُّلِ أَيْ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ لَمَّا كَانَتْ تُؤَدِّي لِقَبُولِ التَّحَمُّلِ وَالرِّضَا بِهِ فُسِّرَتْ بِهِ.

[قَوْلُهُ: غَيْرَ مُغَفَّلٍ] تَفْسِيرٌ لِقَوْلِهِ: فَطِنًا أَيْ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ تَصَنُّعَاتُ الشُّهُودِ.

قَالَ الْبِسَاطِيُّ: التَّغَفُّلُ عَدَمُ اسْتِحْضَارِ الْقُوَّةِ الْمُنَبِّهَةِ مَعَ وُجُودِهَا، فَالْبَلِيدُ لَا قُوَّةَ لَهُ أَلْبَتَّةَ وَالْمُغَفَّلُ مَنْ لَهُ قُوَّةٌ لَكِنَّهُ لَمْ يَسْتَعْمِلْهَا.

[قَوْلُهُ: وَالْعَدَالَةُ] أَيْ الَّتِي قُلْنَا إنَّهَا فِي الْقَوْلِ وَقَوْلُهُ هَيْئَةٌ إلَخْ.

أَقُولُ: لَا يَخْفَى أَنَّ الْعَدَالَةَ عَلَى هَذَا وَصْفٌ وُجُودِيٌّ وَيَكُونُ تَعَلُّقُهَا بِالْفِعْلِ بِاعْتِبَارِ مُتَعَلِّقِهِ الَّذِي أَشَارَ لَهُ بِقَوْلِهِ: تَحْمِلُهُ عَلَى مُلَازَمَةِ التَّقْوَى وَالشَّهَادَةِ بِهَا بِاعْتِبَارِ مَا دَلَّ عَلَيْهَا مِنْ مُتَعَلِّقِهَا.

وَقَوْلُهُ: تَحْمِلُهُ أَيْ تَكُونُ سَبَبًا عَادِيًّا لِمُلَازَمَتِهِ التَّقْوَى، وَلَا مَانِعَ مِنْ أَنْ نَقُولَ: الْمُرَادُ تَسْتَلْزِمُ عَقْلًا مُلَازَمَةَ التَّقْوَى اسْتِلْزَامَ الْجَوْهَرِ لِلْعَرَضِ، وَالْمُفَاعَلَةُ لَيْسَتْ عَلَى بَابِهَا أَوْ عَلَى بَابِهَا مُبَالَغَةٌ، وَالتَّقْوَى امْتِثَالُ الْأَوَامِرِ وَاجْتِنَابُ النَّوَاهِي. وَقَوْلُهُ: فِيمَا بَيْنَهُ إلَخْ مَصْدُوقُ مَا فِي هَذَا وَمَا بَعْدَهُ الْمُعَامَلَةُ أَيْ الْمُعَامَلَةُ الَّتِي بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّاسِ، وَالْمُعَامَلَةُ الَّتِي بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَبِّهِ أَمَّا الثَّانِيَةُ فَكَالصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ أَيْ بِأَنْ يَأْتِيَ بِمَا ذُكِرَ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي أَمَرَ اللَّهُ بِهِ، وَأَمَّا الْأَوْلَى فَكَالْبِيَاعَاتِ وَغَيْرِهَا مِمَّا هُوَ كَثُرَ أَيْ تَقَعُ مِنْهُ عَلَى الْوَجْهِ الشَّرْعِيِّ.

[قَوْلُهُ: أَيْ فِي التَّزْكِيَةِ] أَيْ وَالتَّذْكِيرُ بِاعْتِبَارِ الْمَذْكُورِ.

[قَوْلُهُ: وَأَمَّا فِي السِّرِّ فَيَجُوزُ فِيهِ وَاحِدٌ عَلَى الْمَشْهُورِ] وَمُقَابِلُهُ لَا بُدَّ مِنْ التَّعَدُّدِ فِي السِّرِّ أَيْضًا أَفَادَهُ فِي التَّحْقِيقِ. وَيَجُوزُ لِلرَّجُلِ أَنْ يُعَدِّلَ آخَرَ وَإِنْ لَمْ يَعْرِفْ اسْمَهُ وَلَا كُنْيَتَهُ الْمَشْهُورَ بِهَا وَلَا اللَّقَبَ وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ سَبَبَ عَدَالَتِهِ؛ لِأَنَّ أَسْبَابَ الْعَدَالَةِ كَثِيرَةٌ بِخِلَافِ مَنْ يُجَرِّحُ شَاهِدًا فِي شَهَادَتِهِ فَإِنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يُعَيِّنَ سَبَبَ الْجَرْحِ لِاخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ فِيهِ، فَرُبَّمَا اعْتَمَدَ فِيهِ عَلَى مَا يَقْضِيهِ كَمَا وَقَعَ لِبَعْضِهِمْ أَنَّهُ جَرَّحَ شَاهِدًا فِي شَهَادَتِهِ فَسُئِلَ عَنْ سَبَبِهِ فَقَالَ: رَأَيْته يَبِيعُ وَلَا يُرَجِّحُ الْمِيزَانَ، فَلَوْ شَهِدَ اثْنَانِ بِتَجْرِيحِ شَخْصٍ وَشَهِدَ اثْنَانِ بِتَعْدِيلِهِ فَإِنَّ شَاهِدَ الْجَرْحِ مُقَدَّمٌ عَلَى شَاهِدِ التَّعْدِيلِ؛ لِأَنَّ الْمُعَدِّلَ يَحْكِي عَنْ ظَاهِرِ الْأَمْرِ وَالْمُجَرِّحَ عَنْ الْبَاطِنِ.

[قَوْلُهُ: فِي الْجِرَاحِ] مُتَعَلِّقٌ بِتَقْدِيرِهِ الَّذِي قَدَّرَهُ يُلْجِئُ إلَى أَنَّ فِي بِمَعْنَى مِنْ أَوْ عَلَى بَابِهَا، وَيَكُونُ مِنْ ظَرْفِيَّةِ الْعَامِّ فِي الْخَاصِّ.

[قَوْلُهُ: عَلَى الْمَشْهُورِ فِيهِ وَفِي إلَخْ] هَذَا يُفِيدُ وُقُوعَ خِلَافٍ فِي الْجِرَاحِ أَيْضًا وَهُوَ كَذَلِكَ.

[قَوْلُهُ: قَبْلَ أَنْ يَفْتَرِقُوا] فَإِنْ تَفَرَّقُوا لَمْ تَصِحَّ شَهَادَتُهُمْ إلَّا إنْ شَهِدَ الْعُدُولُ قَبْلَ تَفَرُّقِهِمْ.

[قَوْلُهُ: وَبَقِيَّةُ الشُّرُوطِ مَذْكُورَةٌ] الثَّالِثُ: أَنْ يَكُونُوا أَحْرَارًا. الرَّابِعُ: أَنْ يَكُونُوا مَحْكُومًا بِإِسْلَامِهِمْ. الْخَامِسُ: أَنْ يَشْهَدُ مِنْهُمْ اثْنَانِ فَصَاعِدًا. السَّادِسُ: أَنْ يَكُونُوا مُتَّفِقِينَ فِي الشَّهَادَةِ. السَّابِعُ: أَنْ يَكُونُوا ذُكُورًا. الثَّامِنُ: أَنْ لَا يَكُونَ الشَّاهِدُ قَرِيبًا لِلْمَشْهُودِ لَهُ وَلَا عَدُوًّا لِلْمَشْهُودِ عَلَيْهِ. التَّاسِعُ: أَنْ يَكُونُوا مُمَيِّزِينَ

<<  <  ج: ص:  >  >>