الْمَشْهُورِ، وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ فِي بَابِهِ.
(وَالتَّنَفُّلُ بِالصَّوْمِ) فِي الْأَوْقَاتِ الَّتِي لَا نَهْيَ فِيهَا (مُرَغَّبٌ فِيهِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ} [الزمر: ١٠] قِيلَ هُمْ الصَّائِمُونَ، وَلِمَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ سُفْيَانَ بْنَ عُيَيْنَةَ عَمَّا يَرْوِيهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ: «كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ إلَّا الصَّوْمَ فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ» . فَقَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: هَذَا مِنْ أَجْوَدِ الْأَحَادِيثِ وَأَحْكَمِهَا إذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ يُحَاسِبُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَبْدَهُ وَيُؤَدِّي مَا عَلَيْهِ مِنْ الْمَظَالِمِ مِنْ سَائِرِ عَمَلِهِ حَتَّى لَا يَبْقَى إلَّا الصَّوْمُ يَتَحَمَّلُ اللَّهُ مَا بَقِيَ مِنْ الْمَظَالِمِ وَيُدْخِلُهُ بِالصَّوْمِ الْجَنَّةَ (وَكَذَلِكَ صَوْمُ يَوْمِ عَاشُورَاءَ) بِالْمَدِّ وَهُوَ الْعَاشِرُ مِنْ الْمُحَرَّمِ مُرَغَّبٌ فِيهِ بِمَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سُئِلَ عَنْ صَوْمِ يَوْمِ عَرَفَةَ فَقَالَ: يُكَفِّرُ السَّنَةَ الْمَاضِيَةَ وَالْقَابِلَةَ. وَسُئِلَ عَنْ صَوْمِ يَوْمِ عَاشُورَاءَ فَقَالَ: يُكَفِّرُ السَّنَةَ الْمَاضِيَةَ» ".
(وَ) كَذَلِكَ صَوْمُ شَهْرِ (رَجَبٍ) مُرَغَّبٌ فِيهِ لِمَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ أَنَّ سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ سُئِلَ عَنْ صِيَامِ رَجَبٍ فَقَالَ: أَخْبَرَنِي ابْنُ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَصُومُ حَتَّى نَقُولَ لَا يُفْطِرُ وَيُفْطِرُ حَتَّى نَقُولَ لَا يَصُومُ» (وَ) كَذَلِكَ صَوْمُ شَهْرِ (شَعْبَانَ)
ــ
[حاشية العدوي]
فِي التَّحْقِيقِ بَعْدَ مَا ذُكِرَ هُنَا عَلَى شَرَائِطَ أَحْكَمَتْهَا السُّنَّةُ. [قَوْلُهُ: عَلَى الْمَشْهُورِ إلَخْ] مُقَابِلُهُ أَنَّهُ سُنَّةٌ حَكَاهُ فِي التَّحْقِيقِ.
[قَوْلُهُ: الَّتِي لَا نَهْيَ فِيهَا] أَيْ نَهْيَ تَحْرِيمٍ، أَوْ كَرَاهَةٍ [قَوْلُهُ: بِغَيْرِ حِسَابٍ] حَالٌ مِنْ الْأَجْرِ أَيْ لَا يُهْتَدَى إلَيْهِ حِسَابُ الْحِسَابِ. [قَوْلُهُ: قِيلَ هُمْ الصَّائِمُونَ] أَيْ قَالَ: بَعْضُهُمْ هُمْ الصَّائِمُونَ.
وَقَالَ آخَرُونَ: الْمُرَادُ بِهِمْ الصَّابِرُونَ عَلَى مُفَارَقَةِ أَوْطَانِهِمْ وَغَيْرِهَا. [قَوْلُهُ: أَنَّ رَجُلًا] بَدَلٌ مِنْ مَا أَوْ خَبَرٌ لِمُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ، فَأَنَّ مَفْتُوحَةٌ عَلَى كُلِّ حَالٍ وَلَمْ يُعَيِّنْ ذَلِكَ الرَّجُلَ. [قَوْلُهُ: عَمَّا يَرْوِيهِ عَنْ رَبِّهِ] لَيْسَ الْقَصْدُ كُلَّ مَا يَرْوِيهِ عَنْ رَبِّهِ وَلَا جِنْسَ مَا يَرْوِيهِ عَنْ رَبِّهِ مِنْ حَيْثُ هُوَ، بَلْ الْقَصْدُ الْجِنْسُ فِي تَحَقُّقِهِ فِي فَرَدَّ الْمُبَيِّنَ بَعْدُ بِقَوْلِهِ كُلُّ عَمَلِ فَهُوَ بَدَلٌ، أَوْ عَطْفُ بَيَانٍ، أَوْ خَبَرٌ لِمُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ.
وَقِسْ عَلَى ذَلِكَ كُلَّ مَا مَاثَلَهُ فَلَا حَاجَةَ إلَى الْإِعَادَةِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ السُّؤَالَ مِنْ حَيْثُ مَعْنَاهُ فَقَطْ لَا مِنْ حَيْثُ ذَلِكَ وَجَوْدَتِهِ وَإِحْكَامِهِ، وَإِنْ أَجَابَهُ بِقَوْلِهِ: هَذَا أَجْوَدُ الْأَحَادِيثِ وَأَحْكَمُهَا وَالْأَحْكَامُ الْخُلُوُّ عَنْ الِاشْتِبَاهِ وَعَطْفُهُ عَلَى مَا قَبْلَهُ تَفْسِيرٌ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ تَوْطِئَةٌ لِلْجَوَابِ الْمَقْصُودِ. [قَوْلُهُ: ابْنِ آدَمَ] وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْجِنَّ كَذَلِكَ. [قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ لِي] قَالَ فِي التَّحْقِيقِ: وَمَعْنَى قَوْلِهِ فَإِنَّهُ لِي أَيْ لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ غَيْرِي، وَقِيلَ: تَشَبَّهَ بِوَصْفِي اهـ.
[قَوْلُهُ: وَأَنَا أَجْزِي بِهِ] بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَالْبَاءُ سَبَبِيَّةٌ أَيْ أَقْضِي دَيْنَهُ بِسَبَبِهِ. [قَوْلُهُ: وَأَحْكَمِهَا] عَطْفُ تَفْسِيرٍ أَيْ أَتْقَنَهَا أَيْ الَّذِي مَعْنَاهُ بَيِّنٌ لَا اشْتِبَاهَ فِيهِ. [قَوْلُهُ: حَتَّى لَا يَبْقَى إلَخْ] حَاصِلُهُ أَنَّ ثَوَابَهُ لَا يُؤْخَذُ فِي الْمَظَالِمِ بِخِلَافِ ثَوَابِ غَيْرِهِ، وَاعْتُرِضَ بِوَجْهَيْنِ، الْأَوَّلُ: أَنَّهُ وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ ثَوَابَهُ كَثَوَابِ غَيْرِهِ يُؤْخَذُ بِالْمَظَالِمِ ذَكَرَهُ الْقُرْطُبِيُّ. الثَّانِي: أَنَّ تَضْعِيفَ الْحَسَنَةِ غَيْرَ الصَّوْمِ لَا يُؤْخَذُ فِي الْمَظَالِمِ أَيْضًا، وَقِيلَ فِي مَعْنَاهُ إنَّهُ لَمْ يَعْبُدْ بِهِ غَيْرِي بِخِلَافِ غَيْرِهِ مِنْ الْعِبَادَاتِ كَالسُّجُودِ فَإِنَّهُ عُبِدَ بِهِ غَيْرُهُ. [قَوْلُهُ: عَبْدَهُ] أَيْ جِنْسَ عَبْدِهِ [قَوْلُهُ: بِالْمَدِّ] وَحُكِيَ فِيهِ الْقَصْرُ وَهُوَ اسْمٌ إسْلَامِيٌّ لَا يُعْرَفُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ كَمَا أَفَادَهُ فِي التَّحْقِيقِ [قَوْلُهُ: وَهُوَ الْعَاشِرُ مِنْ الْمُحَرَّمِ] أَيْ فَلِذَلِكَ سُمِّيَ عَاشُورَاءَ أَفَادَهُ تت بِقَوْلِهِ: وَسُمِّيَ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ عَاشِرُ الْمُحَرَّمِ. [قَوْلُهُ: بِمَا رَوَاهُ] أَيْ بِسَبَبِ. [قَوْلُهُ: فَقَالَ يُكَفِّرُ السَّنَةَ إلَخْ] هَلْ صُورَةُ السُّؤَالِ مَا الَّذِي يُكَفِّرُهُ صَوْمُ يَوْمِ عَرَفَةَ، أَوْ شَيْءٌ آخَرُ اُنْظُرْهُ فَحِينَئِذٍ يَكُونُ يَوْمُ عَرَفَةَ أَفْضَلَ مِنْ يَوْمِ عَاشُورَاءَ؛؛ لِأَنَّ التَّكْفِيرَ مَنُوطٌ بِالْأَفْضَلِيَّةِ كَمَا أَفَادَهُ فِي التَّحْقِيقِ. [قَوْلُهُ: وَسُئِلَ عَنْ صَوْمِ يَوْمِ عَاشُورَاءَ] هَذَا مَحَلُّ الشَّاهِدِ [قَوْلُهُ: رَجَبٍ] سُمِّيَ رَجَبًا مِنْ التَّرْجِيبِ وَهُوَ التَّعْظِيمُ. [قَوْلهُ: حَتَّى نَقُولَ لَا يُفْطِرُ] أَيْ بِحَيْثُ يُعْتَقَدُ أَنَّهُ يَصُومُهُ كُلَّهُ، وَالشَّاهِدُ فِي هَذَا الطَّرَفِ دُونَ الطَّرَفِ الَّذِي بَعْدَهُ.
تَنْبِيهٌ:
ظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّ ثَوَابَ صَوْمِهِ يَفْضُلُ ثَوَابَ صَوْمِ غَيْرِهِ، وَلَوْ مِنْ بَاقِي الْحُرُمِ إذْ لَوْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ لَمْ يَكُنْ لِذِكْرِهِ دُونَ بَاقِيهَا وَجْهٌ وَلَيْسَ كَذَلِكَ كَمَا أَشَارَ لَهُ الشَّيْخُ زَرُّوقٌ بَلْ وَرَدَ أَنَّ صَوْمَ الْمُحَرَّمِ أَفْضَلُ مِنْ صَوْمِ رَجَبٍ، أَوْ غَيْرِهِ مِنْ الْحُرُمِ عج.