للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأخرج الطبري بسنده عن ابن زيد (١) قال في هذه الآية: (كان أبي يقول: لا تواعدها سرا، ثم تمسكها، وقد ملكت عقدة نكاحها، فإذا حلَّت أظهرت ذلك وأدخلتها) (٢)

ولما كانت هذه المواعدة في جميع صورها لا تقع إلا في حالة تستر من الناس واستخفاء أمر الله عباده بالحذر منه ومراقبته, فقال: {وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ} وهذا فيه تنبيه على أنه تعالى لما كان عالماً بالسر والعلانية، وجب الحذر في كل ما يفعله الإنسان في سره وجهره (٣) , وهذا من أعظم ما يصلح العبد ويربطه بخالقه جل وعلا وهو ربط الأوامر والنواهي بما يقوم في قلب العبد من الخوف والرجاء والمحبة والخوف, فهذه الأعمال مما تعين العبد على تطبيق شرع الله وتنفيذ أمره.

• المطلب الثالث: مراقبة الله تعالى عند رغبة الولي في نكاح اليتيمة التي في حجره.

كان العرب في الجاهلية إذا كانت اليتيمة في حجره, كره أن يشاركه فيها أحد غيره فإن كانت جميلة تزوجها بدون أن يُصْدِقها, أما إن كانت دميمة عضلها ومنعها من الزواج خشية أن يشاركه أحد في مالها أو يفوت عليه هذا المال, فأنزل الله قوله (٤):

{وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ فِي يَتَامَى النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْوِلْدَانِ وَأَنْ تَقُومُوا لِلْيَتَامَى بِالْقِسْطِ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِهِ عَلِيمًا (١٢٧)} [النساء: ١٢٧].


(١) {هو أسامة بن زيد، أبو زيد الليثي مولاهم المدني. الإمام العالم الصدوق حدث عن سعيد بن المسيب، ومحمد ابن كعب القرظي، وعمرو بن شعيب، روى عنه حاتم بن إسماعيل، وابن وهب، وأنس بن عياض، قال يحيى ابن معين: ليس به بأس. وقال أبو حاتم: يكتب حديثه ولا يحتج به, وقد يرتقي حديثه إلى رتبة الحسن، استشهد به البخاري وأخرج له مسلم في المتابعات, توفي ١٥٣ هـ. (سير أعلام النبلاء ٦/ ٣٤٢, ٣٤٣)
(٢) {جامع البيان (٥/ ١١٠).
(٣) {التفسير الكبير (٦/ ١٤٥).
(٤) {انظر: تفسير ابن أبي حاتم (٤/ ١٠٧٧) , تفسير القرآن العظيم (٢/ ٤٢٤).

<<  <   >  >>