للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومما يدل على وجوب الشكر في هذه الآية تعليق التوحيد والعبادة به, لأن الشكر لا يصح إلا بالتوحيد, واختصاص الله جل وعلا بالعبودية سبب للشكر, وهذا يدل على ارتفاع الأمرين بارتفاع أحدهما, وأن من لم يشكر الله لم يعبده وحده, وان من شكره فقد عبده ووحّده. (١)

ولما كان العمل الصالح من الشكر كما قال تعالى: {اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا} [سبأ: ١٣] فقد أمر الله الرسل به كما أمر به عباده المؤمنين فقال تعالى: {يَاأَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ (٥١)} [المؤمنون: ٥١].

وهذا يدل على أن كل رسول أمر في زمنه بالأكل من الحلال وبالعمل الصالح.

وأمر الله جل وعلا بالشكر بعد الأكل من الطيبات؛ لأن الشكر يحفظ النعم الموجودة ويجلب النعم المفقودة. (٢)

• المطلب الثاني: بيان منة الله على عباده بنعمة الرزق مع تنوعه, وأن غاية ذلك هو الشكر (٣).

امتن الله على عباده بما سخر لهم من المطعومات والمشروبات مع تعددها وتنوعها, فمرة يمتن عليهم بما خرج من الأرض, وتارة يمتن عليهم بما سخر لهم من الأنعام وتارة بما سخر لهم من صيد البحر وطعامه, وتارة يذكرهم بأنه هو المتفرد بالإطعام سبحانه دون غيره والمتكفل بجعله طيبا للآكلين, والآيات في هذا كثيرة, وسأذكر في هذا المقام بإذن الله من الآيات ما يدل على نظائرها من الآيات الأخرى, فمن ذلك قوله تعالى: {قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ يُطْعِمُ وَلَا يُطْعَمُ قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (١٤)} [الأنعام: ١٤].


(١) انظر: نظم الدرر (١/ ٣١٥) , تيسير الكريم الرحمن, (ص ٨١).
(٢) المصدر السابق (ص ٨١).
(٣) انظر: مدارج السالكين (٢/ ٢٥١).

<<  <   >  >>