للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[المبحث الأول: الرفق بالمدين والتخفيف عليه]

إن من تيسير الله تعالى على جميع خلقه أن أنزل لهم رحمته, فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (إن لله مائة رحمة, أنزل منها رحمة واحدة بين الجن والإنس والبهائم والهوام, فبها يتعاطفون, وبها يتراحمون, وبها تعطف الوحش على ولدها, وأخر الله تسعا وتسعين رحمة يرحم بها عباده يوم القيامة) (١).

فبهذه الرحمة يحصل من التيسير على العباد فيما بينهم خير كثير, وهذا من تيسير الله لعباده.

ومن مظاهر هذا التيسير الرفق بالمدين والتخفيف عنه.

فلقد كان من المظاهر المنتشرة لدى العرب في الجاهلية التعامل بالربا في المداينات, وقد كان فيه من المشقة والعنت على المدين ما يثقل كاهله ويوقعه في الحرج إضافة إلى ما في ذلك من الظلم والبغي فقد كان الدائن إذا أراد أن يستوفي حقه من المدين يقول له: (إما أن تقضي وإما أن تربي) , فلما حرم الله عز وجل هذه العادة الظالمة الشاقة التي تضطر المدين إلى أضيق السبل ندب إلى السبيل القويم, الذي يحصل به التفريج عن المعسر, ولا يضيع حق الدائن مع الفضل العظيم والأجر من عند الله (٢) , فقال: {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (٢٨٠)} [البقرة: ٢٨٠].

فأرشد العباد إلى إنظار الغرماء ممن لا يقدر على رد رأس المال بعد بطلان الربا, أو أيِّ غريم مدين حتى يوسر (٣).

وهذا من حكمة الله تعالى في تيسيره على عباده, ليرحم الغني الفقير, وينظِر الدائن المدين.


(١) أخرجه البخاري, كتاب الرقاق, باب الرجاء مع الخوف برقم (٦١٠٤) , ومسلم في كتاب التوبة, باب في سعة رحمة الله وأنها سبقت غضبه برقم (٢٧٥٢) واللفظ لمسلم.
(٢) انظر: تفسير القرآن العظيم (١/ ٧١٧).
(٣) وهذا القول هو الذي اختاره ابن جرير الطبري (٦/ ٣٤) , وابن كثير (١/ ٧١٧).

<<  <   >  >>