وإن من العجب أن يتطلب الناس بعد ذلك بيوعا محرمة وعقودا فاسدة متذرعين بقاعدة التيسير في الشريعة! وهذا من الجهل والخطأ, فمهما ظنوا أن هذه المعاملات فيها تيسير لهم فهي في حقيقتها جالبة للمشقة والحرج. فاليسر كله في اتباع الشريعة, والمشقة والعنت في الإعراض عنها.
• المطلب الثالث: تنوع طبائع الناس في اختيارهم طرق كسبهم وسبل معاشهم.
إن من تيسير الله لهذه الأمة أن نوع بين عباده طرق كسبهم وأسباب عيشهم, ولو كان الناس كلهم متجهين لنوع واحد من أنواع الكسب, وطريقة واحدة من طرق المعاش لحصلت المشقة بين الناس ولفسد الكون, فقد جعل الله تعالى الخلق بعضه محتاجا إلى بعض فهذا بائع وذلك مشتري, وذاك أجير والآخر مستأجر, وآخر يضارب بماله وصاحبه يبذل وقته وجهده ليتاجر له بالمال.
وقد بين الله تعالى هذه الحكمة العظيمة في قوله: {أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ (٣٢)} [الزخرف: ٣٢] ولولا تسخير الناس بعضهم لبعض لتعسرت أمور الناس وأحوالهم, ولما اختار الناس من الأعمال إلا أرفعها ولكنه تعالى قسم معايشهم بحكمته فإما راض بصنعته لا يبغي غيرها, وإما كاره لها لكنه يكابد فيها لا يجد لها بدلا (١)