للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فلما تعلّت من نفاسها تجملت للخطاب, فدخل عليها أبو السنابل بن بعكك (١) رجل من بني عبد الدار فقال لها ما لي أراك تجملت للخطاب ترجين النكاح, فإنك والله ما أنت بناكح حتى تمر عليك أربعة أشهر وعشرا.

قالت سبيعة: فلما قال لي ذلك جمعت علي ثيابي حين أمسيت وأتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فسألته عن ذلك فأفتاني بأني قد حللت حين وضعت حملي وأمرني بالتزوج إن بدا لي) (٢)

وبهذا يتبين ما في العدة من حكمة عظيمة لحفظ العرض والحرص على عدم اختلاط الأنساب (٣).

• المطلب الرابع: مشروعية اللعان.

وذلك أن في اللعان نفي العار والمسبة الذي يلحق الزوج بزنا امرأته, ونفيا لإلحاق ولد غيره به ولا سبيل لإثبات ذلك ببينة لأنها لا تقر قول زوجها فشرع الله لهما التحالف بأغلظ الأيمان وتأكيدها بدعائه على نفسه باللعنة ودعائها على نفسها بالغضب إن كانا كاذبين ثم يفسخ النكاح بينهما إذ لا يمكن أحدهما أن يصفو للآخر أبدا فهذا أحسن حكم يفصل به بينهما في الدنيا وليس بعده أعدل منه ولا أحكم ولا أصلح (٤).

وبهذه الأحكام التي ذكرها الله في كتابه تتبين أهمية حفظ الأعراض وكيف اهتم القرآن ببيانها وتفصيل أحكامها لما فيها من النفع البيّن للمجتمع من إثبات الانتساب إلى الآباء ومنع حصول الفوضى باختلاط الأنساب وما يترتب على ذلك من حقوق في النفقات والمواريث والأعراض, فلو اجتمع الخلق على أن يأتوا بما يحقق هذا الأمر كما شرع الله لم يهتدوا إلى ذلك فتبارك من أبان ربوبيته ووحدانيته وحكمته وعلمه في شرعه وخلقه.


(١) هو أبو السنابل بن بعكك بن الحارث بن عميلة بفتح أوله ابن السباق بن عبد الدار القرشي العبدري اسمه صبة بموحدة وقيل بنون وقيل عمرو وقيل عامر وقيل أصرم وقيل لبيد ربه بالإضافة= ... وقيل حبة أو حنة وقال البخاري: لا أعلم أنه عاش بعد النبي صلى الله عليه وسلم. وقال ابن سعد وغيره أقام بمكة حتى مات وهو من مسلمة الفتح (الإصابة ٧/ ٤٨) (أسد الغابة (٥/ ١٥٦).
(٢) أخرجه البخاري في كتاب المغازي, باب من فضل من شهد بدرا برقم (٣٧٧٠) , ومسلم في كتاب الطلاق, باب انقضاء عدة المتوفى عنها زوجها وغيرها بوضع الحمل برقم (١٤٨٤).
(٣) لمن أراد الاستزادة فإن للعلامة ابن القيم رحمه الله كلاما طويلا عن حكمة العدة والفرق بين كل عدة وغيرها. انظر: (إعلام الموقعين (ص ٣٠٨ - ٣١٠).
(٤) المصدر السابق (ص ٣٣٢).

<<  <   >  >>