[المبحث الخامس: تقديم حقوق الله تعالى على مصالح الدنيا]
جاءت الشريعة الإسلامية بما تَصلُح به حياة البشرية, كيف لا وهي من عند أحكم الحاكمين -جل وعلا- الذي خلق الخلق وهو أعلم بما يصلحهم.
وإن أعظم صلاح للبشرية هو إقامة شرع الله في الأرض وحفظ الدين, إذ به النجاة في الدنيا والآخرة, ولا يتم ذلك إلا بالقيام بحق الله سبحانه وتعالى كما أمر.
وقد جبل الله النفس الإنسانية على حب المال والتكسب, وأمره باتخاذ الطرق الشرعية في ذلك.
ومع بريق الأموال وحب التجارة, وظهور الجشع قد تطغى النفس الأمارة, وتنسى شكر المنعِم المولى, فتضيِّع حق الله تعالى, رغبة في تنمية المال أو خوفا من الخسارة والزوال.
وقد جاءت الآيات في كتاب الله تبين خطر من وقع في هذا المزلق, وممتدحة من قدم حق الله تعالى على تجارته ومعاشه.
• المطلب الأول: بيان عقوبة من قدم التجارة على حق الله عز وجل.
أمر الله رسوله - صلى الله عليه وسلم - بالهجرة إلى المدينة, جاء الوعيد الشديد لمن لم يهاجر خوفا من كساد تجارته وضياعها (١) , فقال تعالى: {قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ (٢٤)} [التوبة: ٢٤]