للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المرتبة من أعظم مراتب المراقبة, لما فيها من الإحسان إلى اليتيم بتثمير ماله والاتجار به دون ظلمه أو الأخذ منه.

• المطلب الثاني: مراقبة الله تعالى في أداء الأمانات.

ومن المواضع التي أشارت إلى مراقبة الله, قوله جل وعلا في الأمانة: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا (٥٨)} [النساء: ٥٨]

ويدخل في هذه الآية كل من هو مؤتمن على أمانة في دِين أو دنيا, ومن ذلك قضاء الدين ورد الحقوق إلى أصحابها, لأن (الأمانة) جاءت بلفظ الجمع فيدخل فيها كل ما يمكن أن يؤتمن الإنسان عليه (١).

وقد ختمت الآية بقوله: {إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا} وهذان الاسمان يستلزمان مراقبة الله تعالى إذ هو سميع لما نقول, بصير بما نفعل, فمن تعبد الله تعالى بهذين الاسمين حصلت له المراقبة (٢)

وعن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قرأ هذه الآية ثم قال: (رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَضَعُ إِبْهَامَهُ عَلَى أُذُنِهِ وَالَّتِي تَلِيهَا عَلَى عَيْنِهِ) (٣).

والإحسان في أداء الدين من المراقبة, وهو أن يؤدي العبد الدّيْن على الوجه الأكمل فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: كَانَ لِرَجُلٍ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - دَيْنٌ فَهَمَّ بِهِ أَصْحَابُهُ فَقَالَ دَعُوهُ فَإِنَّ لِصَاحِبِ الْحَقِّ مَقَالًا وَقَالَ اشْتَرُوا لَهُ سِنًّا فَأَعْطُوهَا إِيَّاهُ فَقَالُوا إِنَّا لَا نَجِدُ سِنًّا إِلَّا سِنًّا هِيَ أَفْضَلُ مِنْ سِنِّهِ قَالَ: (فَاشْتَرُوهَا فَأَعْطُوهَا إِيَّاهُ فَإِنَّ مِنْ خَيْرِكُمْ أَحْسَنَكُمْ قَضَاءً) (٤).


(١) انظر: جامع البيان (٨/ ٤٩٤) , تفسير القرآن العظيم (٢/ ٣٣٨) , أضواء البيان (٥/ ٥٦٩)
(٢) انظر: مدارج السالكين, ابن القيم (٢/ ٦٥).
(٣) أخرجه أبو داود, كتاب السنة، باب في الجهمية, برقم (٤٧٢٨) , قال الألباني صحيح الإسناد, والإشارة منه صلى الله عليه وسلم أراد بها تحقيق إثبات السمع والبصر لله ببيان محلهما من الإنسان يريد أن له سمعا وبصرا, ولم يرد بذلك الجارحة فان الله تعالى منزه عن مشابهة المخلوقين, (انظر: فتح الباري ١٣/ ٣٧٣)
(٤) رواه البخاري, كِتَاب فِي الِاسْتِقْرَاضِ وَأَدَاءِ الدُّيُونِ وَالْحَجْرِ وَالتَّفْلِيسِ, باب حسن القضاء, برقم (٢٢٦٣) , ومسلم في كتاب المساقاة, باب من استسلف شيئا فقضى خيرا منه, برقم (١٦٠١).

<<  <   >  >>