وهكذا سخر الله تبارك وتعالى الغريزة الفطرية, ووجه عباده من الظلم فيها إلى التكافل ومن الاعتداء إلى الإحسان.
فبعد أن كان الرجل يظلم اليتيمة بنكاحه لها, نهاه الله عن هذا السلوك المشين, وأباح الله له أن يكفل ما طاب له من النساء بطريق النكاح.
وبهذا تظهر حكمة النكاح في التكافل الاقتصادي بين أفراد المجتمع.
• المطلب الثالث: قطع كل سبيل يفضي إلى التباغض بين الأقربين.
فالله جل وعلا حين جعل النكاح سببا للتناسب والتصاهر لتحصل المحبة والمودة بين الأقارب والأرحام, حرم قطع ما أمر بصلته, ووعد قاطعي الأرحام بالعقاب الأليم فقال: {وَالَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ (٢٥)} [الرعد: ٢٥].
ولقد وجد في الجاهلية صور من صور النكاح تفضي إلى قطع الأرحام وتغلب عليها ظهور الشحناء والتباغض بين الأقربين, وذلك ينافي حكمة النكاح في التقارب والمحبة بين الناس.
ولذلك فقد حرم الله هذه الأنكحة التي تفضي إلى ذلك في آية المحرمات في قوله: {وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ} الآية .... إلى قوله ... {وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا (٢٣)}
[النساء: ٢٢ , ٢٣].
ومن هذه الصور:
١. تحريم نكاح زوجة الأب, وتحريم نكاح زوجة الابن.
فقد وجد من العرب من نكح زوجة أبيه, وروي عن بعضهم في زمن النبي - صلى الله عليه وسلم - من كان يرغب في ذلك فأنزل الله قوله: {وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتًا وَسَاءَ سَبِيلًا (٢٢)} [النساء: ٢٢]. وذلك تحريما لهذا النكاح وتبشيعا لفاعله, وذلك أن حق الأب من أعظم الحقوق, ومن حق الأب احترامه ولو بعد موته والبعد عما يؤذيه, فإذا نكح الابن زوجة أبية دل على عدم احترامه