للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وهكذا نجد القرآن عالج هذه القضية علاجا خفف فيه على المرأة ما كانت تجده قبل ذلك من تعليق النكاح بالإيلاء, وأمهل الرجل مهلة تناسب ما آلى من أجله.

• المطلب الثاني: في النشوز والإعراض من الزوج.

الأصل في الحياة الزوجية أن تقوم على المعاشرة بالمعروف, لكن قد يتخللها بعض المشاكل التي تحصل بين الزوجين ومن هذه الحالات إذا خافت المرأة نشوز زوجها أو إعراضه عنها لسبب من الأسباب, فينصرف عنها إلى غيرها أو يرغب في فراقها خوفا من ظلمها.

ولما كان الأصل تحريم أخذ الرجل من مهر زوجته ووجوب النفقة عليها والعدل لها في القسم جاءت الآيات رافعة الجناح في هذه الحالة بقوله: {وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ وَإِنْ تُحْسِنُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا (١٢٨)} [النساء: ١٢٨].

فبين الله تعالى أن الصلح خير من الفراق على أية حال, وذلك إذا رضيت المرأة أن تصالح زوجها فتتنازل عن قسمها في المبيت أو عن نفقتها أو على إعطائه مالا إبقاء لهذا العقد الوثيق, واستعطافا له, وإبقاء المودة بينهما.

وهذا من التخفيف فيما فيه مصلحة الزوجين وبقاء النكاح, وقد أشار جل وعلا إلى ذلك بقوله: {وَالصُّلْحُ خَيْرٌ} (١).

ومع هذا التخفيف فقد حث الله تعالى الزوج على الإحسان إلى زوجته في حقها كاملا ومعاشرتها بالمعروف فإن ذلك أكمل, فإن المرأة وإن تنازلت عن حقها فإن نفسها جبلت على الشح والغيرة أن ترى ضرتها خيرا منها فقد ترجع فيما تصالحا عليه, فقد روي أن رافع بن خديج رضي الله عنه تزوج على امرأته الكبيرة شابة فآثر الشابَّة عليها، فأبت الكبيرة أن تَقِرَّ على الأثرة، فطلقها تطليقة وتركها. فلما قارب انقضاء عِدَّتها خيَّرها بين


(١) انظر: جامع البيان (٩/ ٢٦٨) , المغني (١٠/ ٢٦٢) , تفسير القرآن العظيم (٢/ ٤٢٦).

<<  <   >  >>