للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

كما قسمت باعتبار آثارها على الأمة إلى حِكم ضرورية يختل نظام الحياة باختلالها وإلى حِكم حاجية تحتاج الأمة إليها لانتظام مصالحها وأمورها, وإلى حِكم تحسينية يكون بها كمال الأمة في نظامها, فتبلغ بها مرتبة عالية من الرقي والتحضر, وحسن المعاملة والمظهر (١).

المبحث الأول: الغاية من تكليف الله تعالى للعبد.

من المعلوم أن الله جل وعلا خلقنا وأوجدنا من العدم, فقال: {قُلْ هُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ (٢٣)} [الملك: ٢٣] وهو أعلم بما يصلح عباده وما هو نافع لهم , وما هو ضار عليهم.

ولما كان الأمر كذلك, أَمَرَهم ونَهاهم, وشرع لهم دينه ليقوموا به حق قيام كما

قال: {شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ} [الشورى: ١٣] , وقد كان هذا الدين الذي رضيه الله لنا وشرعه, لغاية عظمى ومقصد أسمى ألا وهو: طاعته سبحانه وتعالى وامتثال ما أمر به والتعبد له بما شرع فقد قال تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (٥٦)} [الذاريات: ٥٦] بمعنى: وما خلقت الجن والإنس إلا ليذعنوا لي بالعبودية, كما قال ابن عباس رضي الله عنه في هذه الآية: (إلا ليقروا بالعبودية طوعا وكرها) (١).

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيما يرويه عن ربه عز وجل:

(ابن آدم تفرغ لعبادتي أملأ صدرك غنى وأسد فقرك, وإلا تفعل ملأت صدرك شغلا ولم أسد فقرك) (٢).


(١) انظر: طرق الكشف عن مقاصد الشارع (ص ٢٦ - ٣١) , مقاصد الشريعة عند العز بن عبد السلام (ص ١٥٨, ١٦٢).
(١) جامع البيان, وقد أخرجه الطبري من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس (٢٢/ ٤٤٤).
(٢) أخرجه الترمذي, كتاب الزهد, باب رقم (٣٠) ورقمه (٢٤٦٦) وقال: هذا حديث حسن غريب, وأخرجه ابن ماجه, كتاب الزهد باب الهم بالدنيا, برقم (٤١٠٧) , وابن حبان في صحيحه, كتاب البر والإحسان باب الإخلاص وأعمال السر برقم (٣٩٣) , وصححه الحاكم في مستدركه وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه (كتاب الرقاق برقم ٧٩٢٦) , وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (٣/ ٣٤٦) برقم (١٣٥٩).

<<  <   >  >>