للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولقد تضافرت أقوال العلماء رحمهم الله تعالى في تقرير هذه المسألة وبيان سر العبودية لله تعالى, وأن التكاليف الشرعية هي سر سعادة العبد وفلاحه, لأنها تخرجه من داعية الهوى حتى يكون عبدا لله اختيارا كما هو عبد لله اضطرارا (١).

فبيّن ابن قدامة رحمه الله, أن مقتضى التكليف: الطاعة والامتثال (٢).

وأكد الإمام الشاطبي رحمه الله على هذا وبين أن الشرع إنما جاء بالتعبد وأنه المقصود من بعثة الأنبياء والمرسلين عليهم الصلاة والسلام، ثم حشد أدلة كثيرة من كتاب الله على ذلك ومنها قوله تعالى: {الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ (١) أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنَّنِي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ (٢)} [هود: ١, ٢] وقوله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ (٢٥)} [الأنبياء: ٢٥] (٣).

فالعبد مجبول على التعبد محتاج له، بل مفتقر إليه، كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله (٤): (واعلم أن فقر العبد إلى الله أن يعبده ولا يشرك به شيئا ليس له نظير فيقاس به لكن يشبه من بعض الوجوه, حاجة الجسد إلى الطعام والشراب و بينهما فروق كثيرة, فإن حقيقة العبد قلبه وروحه وهي لا صلاح لها إلا بإلهها الله الذي لا إله إلا هو, فلا


(١) انظر: الموافقات (٢/ ٤٦٩).
(٢) روضة الناظر , ابن قدامة (١/ ٤٧).
(٣) الموافقات (١/ ٥٥).
(٤) أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام بن عبد الله بن أبي القاسم الخضر النميري الحراني الدمشقي الحنبلي، أبو العباس، تقي الدين ابن تيمية: شيخ الإسلام, ولد في حران وتحول به أبوه إلى دمشق فنبغ واشتهر, وطلب إلى مصر من أجل فتوى أفتى بها فقصدها، فتعصب عليه جماعة من أهلها فسجن مدة ونقل إلى الإسكندرية, ثم أطلق فسافر إلى دمشق سنة ٧١٢ هـ واعتقل بها سنة ٧٢٠ وأطلق ثم أعيد، ومات معتقلا بقلعة دمشق، فخرجت دمشق كلها في جنازته سنة ٧٢٨ هـ, كان كثير البحث في فنون الحكمة، داعية إصلاح في الدين, آية في التفسير والأصول فصيح اللسان، قلمه ولسانه متقاربان. (الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة ١/ ٨٨, ٨٩) (الأعلام للزركلي ١/ ١٤٤)

<<  <   >  >>