للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

تطمئن في الدنيا إلا بذكره وهي كادحة إليه كدحا فملاقيته, ولا بد لها من لقائه, ولا صلاح لها إلا بلقائه) (٢).

فيا حرمان من انصرف عن عبودية الله تعالى إلى عبودية غيره مما لا ينفع ولا يضر, بل يجلب الحسرة والندامة, وقد ترى في عبادة من صرف عن الله من المشقة والعنت ما لم يكلفهم الله به , ولكن حين انصرفوا عن شرع الله صرف الله عقولهم وأبصارهم عن الحق, وانطبق عليهم قول الحق: {الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا (١٠٤)} [الكهف: ١٠٤]

وما أبلغ ما وصفهم به ابن القيم (٣) رحمه الله، إذ يقول:

هربوا من الرق الذي خلقوا له ... فبلوا برق النفس والشيطان

لا ترض ما اختاروه هم لنفوسهم ... فقد ارتضوا بالذل والحرمان (٤)

فسِرُّ سعادة العبد هو في التعبد لله الذي له الأسماء الحسنى والصفات العليا والمنزه عن النقائص والعيوب, ولهذا قال إبراهيم الخليل عليه السلام: {لَا أُحِبُّ الْآفِلِينَ (٧٦)} [الأنعام: ٧٦] وكان أعظم آية في القرآن: {اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} [البقرة: ٢٥٥] الدائم الباقي الذي لا يزول ولا ويعدم ولا يفنى بوجه من الوجوه, فالتعبد لله هو غذاء الإنسان وقوته وصلاحه وقوامه.


(١) مجموع الفتاوى (١/ ٢٤).
(٢) محمد بن أبي بكر بن أيوب بن سعد بن حريز الزرعي الدمشقي شمس الدين ابن قيم الجوزية الحنبلي ولد سنة ٦٩١ وسمع على أبي بكر بن عبد الدائم و المجد الحراني وابن تيمية وكان جرئ الجنان واسع العلم عارفا بالخلاف ومذاهب السلف وكان كثير الصلاة والتلاوة حسن الخلق كثير التودد لا يحسد ولا يحقد, وله من التصانيف الهدي وأعلام الموقعين وبدائع الفوائد وتصانيف أخرى وكل تصانيفه مرغوب فيها بين الطوائف توفي سنة ٧٥١ هـ (الدرر الكامنة ٢, ابن حجر/٢٤٣).
(٣) الكافية الشافية, ابن القيم (ص ٣٤٨).

<<  <   >  >>