للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وآيات القرآن الكريم قد بينت هذا المعنى وقررته، بالأمر به تارة، وبيان حال الممتثلين لأمر الله ورسوله صلى الله عليه وسلم تارة, وذم من خالفوا أمره تعالى والتحذير من سوء عاقبتهم تارة أخرى.

ومن ذلك قول الله عز وجل: {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (٣٠)} [الروم: ٣٠] فهي الشريعة التي وضع الله تعالى في قلوب الخلق الميل إليها والتوجه لإقامتها وهذه هي الفطرة (١).

ويقول تعالى: {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ (١١٥)} [المؤمنون: ١١٥] أي: مخلوقون عبثا بلا قصد ولا إرادة منكم ولا حكمة لنا وإنما خلقناكم للعبادة وإقامة أوامر الله عز وجل (٢).

ويقول الترمذي الحكيم أبو عبد الله محمد بن علي: (٣) (إن الله تعالى خلق الخلق عبيدا ليعبدوه فيثيبهم على العبادة ويعاقبهم على تركها فإن عبدوه فهم اليوم له عبيد أحرار كرام من رق الدنيا ملوك في دار الإسلام وإن رفضوا العبودية فهم اليوم عبيد أباق سقاط لئام وغدا أعداء في السجون بين أطباق النيران) (٤).

وقد أمر جل وعلا أمرا أكيدا على الاستجابة والامتثال لأمره وأمر رسوله - صلى الله عليه وسلم - وأن هذه الاستجابة فيها حياة النفوس، فقال الحق عز وجل: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (٢٤)} [الأنفال: ٢٤] فناداهم الله تعالى بوصف الإيمان وهو الذي يقتضي أن


(١) مجموع الفتاوى (١/ ٢٥) , تيسير الكريم الرحمن (ص ٥٩٠).
(٢) تفسير القرآن العظيم, ابن كثير (٥/ ٥٠٠).
(٣) هو محمد بن علي بن الحسن بن بشر الحكيم الترمذي, أبو عبد الله, حدث عن: أبيه وقتيبة بن سعيد وعلي بن حجر, وحدث عنه يحيى بن منصور القاضي والحسن بن علي من مشايخ نيسابور, قال الذهبي: له حكم ومواعظ لولا هفوة بدت منه (سير أعلام النبلاء ١٣/ ٤٤٠)
(٤) الجامع لأحكام القرآن, القرطبي (١٥/ ٩٨).

<<  <   >  >>