للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ثم أعقب الله عز وجل بعد ذكر العفو عما كان في الجاهلية تهديدا للمتساهلين المتعمدين بقتل الصيد حال الإحرام فقال: {وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ}.

وقد اختلف أهل التفسير في هذا المعنى فمنهم (١) من أسقط الجزاء عمن تكرر منه القتل عمدا ويقال له: ينتقم الله منك.

ومنهم (٢) من قال: أن من عاد لقتل الصيد متعمدا بعد نهي الله تبارك وتعالى فإن الله ينتقم منه وعليه مع ذلك الجزاء. وهذا القول هو القول الراجح. (٣)

وهذا يدل على عظيم ما اقترف القاتل من الجرم خصوصا عند تكرر الفعل منه عمدا لأن الله تبارك وتعالى أوجب عليه في المرة الأولى الجزاء حتى يشعر بعظيم ما اقترفه, ثم زاد العقوبة على من تكرر منه الفعل بالانتقام منه, فحصل له الوبال في الدنيا والانتقام من الله جل وعلا إما في الدنيا أو الآخرة, ولا يلزم أن يكون الجزاء مانعا للانتقام. (٤)

ولا شك أنه لا يعود لمثل هذا الفعل متعمدا بعد بيان الحكم والتغليظ فيه إلا من خف قلبه من تعظيم الله تبارك وتعالى, والتساهل فيما أمر به, ولذلك ختم الله تبارك وتعالى الآية بقوله: {وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ}. فمن اعتز وتعاظم بقتل الصيد الذي حرم الله قتله وجعله آمنا, فإن الله تبارك وتعالى هو القوي القادر على الانتقام.

• المطلب الثالث: ذم عادات الجاهلية في اعتدائهم على الله وإشراك الأصنام معه في قسمة حروثهم وأنعامهم.

قال جل وعلا مبينا ما عليه أهل الشرك من السخف والتعدي عليه تبارك وتعالى: ... {وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالْأَنْعَامِ نَصِيبًا فَقَالُوا هَذَا لِلَّهِ


(١) وإلى هذا المعنى ذهب ابن عباس رضي الله عنهما, (انظر: جامع البيان ١٠/ ٥١).
(٢) وإليه ذهب عطاء بن أبي رباح وسعيد بن جبير (انظر: المصدر السابق ١٠/ ٤٩).
(٣) وقد رجحه ابن جرير الطبري في تفسيره (١٠/ ٥٥). وابن كثير في تفسيره وقال: جمهور السلف والخلف على إيجاب الجزاء لمن تكرر منه القتل (٣/ ١٩٦).
(٤) انظر: جامع البيان (١٠/ ٥٥).

<<  <   >  >>