نَحْنُ الزَّارِعُونَ (٦٤) لَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَاهُ حُطَامًا فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ (٦٥) إِنَّا لَمُغْرَمُونَ (٦٦) بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ (٦٧) أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ (٦٨) أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ (٦٩) لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجًا فَلَوْلَا تَشْكُرُونَ (٧٠)} [الواقعة: ٦٣ - ٧٠].
فأمرنا الله بالنظر في هذا الزرع الذي غاية ما نقوم به هو حرث الأرض ووضع الحب فيها, ثم يتكفل الله بزرعها وحفظها من التعفن والأرضة والدواب, ثم يخرج هذه الحبة من التراب نباتا أخضر يانعا, أو شجرا باسقا مليئا بالثمر, ولو شاء الله لأهلكه, أو جعله يابسا فلا نستطيع الانتفاع به, وحينها تحصل الندامة ويعلم العباد أنهم قد أصابهم العذاب والحرمان من الله بسبب كفرهم وعدم شكرهم.
وكذلك الأمر في الماء الذي نشرب منه, كيف أنعم الله علينا وأنزله من السحاب عذبا طيبا مستساغا, ولو شاء لأنزله مالحا لا نستطيع تذوقه فضلا عن شربه أو الارتواء به.
والحكمة من هذا النظر إنما هو شكر الله, والقيام بعبادته وحده لا شريك له, والاجتهاد في طاعته والبعد عن معصيته, ولذلك ختم الله هذه الآيات بقوله: {فَلَوْلَا تَشْكُرُونَ}.
• المطلب الثالث: بيان عاقبة من كفروا بالنعمة ولم يشكروا الله عليها.
لما أمر الله عز وجل عباده بالشكر, وعدد لهم أنواع النعم ليشكروه وأمرهم أن يتفكروا فيها وأنه لو شاء لسلبها عنهم, بين لعباده عاقبة من كفر بنعمة الله فلم يشكرها ولم يؤد حقها, وذاك لبيان أهمية الشكر وأنه مطية لنجاة العبد وفلاحه في الدنيا والآخرة, فضرب لهم الأمثال وقص عليهم القصص, وبيّن لهم حقيقة الشكر الذي يريده منهم.
قال تعالى: {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ (١١٢) وَلَقَدْ جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْهُمْ فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمُ الْعَذَابُ وَهُمْ ظَالِمُونَ (١١٣)} [النحل: ١١٢ , ١١٣]. وهذا مثل ضربه الله بهذه القرية, وقد اختلف المفسرون في المراد بها فمن العلماء من ذكر أن هذا مثل ضربه الله لأهل مكة, حين