إن من المعلوم لدى الفطر السليمة أن الكائنات مفطورة على حاجتهم للطعام والشراب ولو منعوا منها لهلكوا, ثم إن العباد لما كانوا مأمورين بعبادة الله وحده لا شريك له وكان لا يمكنهم تحقيق هذه العبودية إلا بسلامة البدن التي تحصل بالطعام والشراب, فإن من رحمة الله وتيسيره لهذه الأمة أن وسع لها في أرزاقها ونوع لها طعامها وشرابها, وهذا التيسير إنما هو بسبب الانقياد لأمر الله واتباع الشريعة الإسلامية السمحة.
وقد جاء القرآن الكريم بتقرير هذا الأمر وتأكيده بوجوه عدة, ومن ذلك:
وقد جاءت هذه الآية بعد آية المحرمات من الأطعمة وكأن سائلا يسأل, ما يباح لنا من المطاعم؟ فجاء الجواب:{قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ}(١).
وبين هذا العموم في هذه الآية والتفصيل في تعداد المحرمات دلالة على تيسير الله وتوسعة الله لهذه الأمة بأن وسع لهم طرق الحلال من المطاعم والمشارب, وحصر لهم المحرمات
(١) انظر: المحرر الوجيز (٤/ ٣٥٠) , أنوار التنزيل وأسرار التأويل (١٤١) , مدارك التنزيل وحقائق التأويل (١/ ٣٠٧). وروي في سبب النزول: أن جبريل جاء إلى سول الله - صلى الله عليه وسلم - فوجد في البيت كلباً فلم يدخل فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم - ادخل فقال أنا لا أدخل بيتاً فيه كلب فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتل الكلاب فقتلت حتى بلغت العوالي فجاء عاصم بن عدي وسعد بن خيثمة وعويم بن ساعدة فقالوا يا رسول الله، ماذا يحل لنا من هذه الكلاب؟. قال ابن عطية: وظاهر الآية أن سائلاً سأل عما أحل للنا س من المطاعم لأن قوله تعالى: {قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ} ليس الجواب على ما يحل لنا من اتخاذ الكلاب اللهم إلا أن يكون هذا من إجابة السائل بأكثر مما سأل عنه وهذا موجود كثيراً من النبي - صلى الله عليه وسلم -.