[المبحث الثالث: تعميق مشاعر الأخوة]
امتن الله تعالى على عباده بأن جعلهم إخوة متحابين بعد أن كانوا أعداء متفرقين, وقد جاء الإسلام لحفظ هذه الرابطة العظيمة وهي الأخوة الإسلامية وتقوية سبلها ووسائلها بين المؤمنين, وسد كل طريق يقطع هذه العلاقة أو يؤثر فيها لما يحصل جراء ذلك من التفرق والعداءات.
ومن جملة ما حرمه الله تعالى لما يسببه من عداوة وخصومة بين المؤمنين, شرب الخمر كما قال تعالى: {إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ (٩١)} [المائدة: ٩١].
فذكر تعالى أنها توقع الخصومة بين المتحابين, وذلك أن أغلب اجتماع الناس يكون بقصد التآنس والمودة فإذا شربوا الخمر وزالت عقولهم حصل لهم عكس ما أرادوا من التباغض والعداء فيما بينهم وهذا غاية ما يريده الشيطان وهو التفريق بين الأخ وأخيه, وهذا ما حصل لقبيلتين من قبائل الأنصار شرِبوا. حتى إذا ثملوا، آذى بعضهم بعضا, فلما أن صَحوْا جعل الرجل منهم يرى الأثر بوجهه ولحيته فيقول: فعل بي هذا أخي فلان!
والله لو كان بي رءوفًا رحيمًا ما فعل بي هذا. حتى وقعت في قلوبهم ضغائن (١) - وكانوا إخوة ليس في قلوبهم ضغائن-
فهذه العداوة تجعل الإخْوة لا يجتمعون لنصرة دين أو عمل خير بل يصبح أمرهم بينهم شتاتا مفرقا, فلا خير في شراب يفرق بين الإخوة والأحباب.
• ولما كان إطعام الطعام الطيب يزيد المحبة وتحصل به المواساة فقد جاءت الشريعة بالحث عليه.
وفي قوله تعالى في قصة موسى والخضر: {فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ فَأَقَامَهُ قَالَ لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا (٧٧)} [الكهف: ٧٧].
(١) أخرجه الطبري بسنده إلى ابن عباس (١٠/ ٥٧١) , والحاكم في المستدرك, كتاب الأشربة برقم (٧٢١٩) , وقال الذهبي: صحيح على شرط مسلم.