وعد الله عز وجل أهل المراقبة من عباده بمغفرة الذنب وزيادة الأجر فقال: {إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ (١٢)} [الملك: ١٢] ففرق بين من يعيش في هذه الحياة لأجل متاعها وزخرفها, لا يربطه بالآخرة رابط ولا يذكره بالله مذكر وبين من يعيش مستشعرا عبودية الله واطلاعه عليه, وكل ما يحصل حوله أو يعرض له فهو بمثابة الموقظ الذي يبصره ويأخذ بيده إلى الهدى والرشاد.
فحين يقرأ العبد المسلم قوله تعالى: {وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ (٢٢)} [الذاريات: ٢٢] وقوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ (٥٨)} [الذاريات: ٥٨] يدعوه ذلك إلى مراقبة من في السماء جل وعلا الذي يراه, ويطعمه, ويرزقه, فهو سبحانه إن شاء أطعمه وإن شاء حرمه, فهو المستحق لهذه المراقبة جل وعلا.
ولذا جاءت الآيات في حديثها عن الأطعمة متضمنة للمراقبة ومصرحة بها في مواضع أخرى.
• المطلب الأول: مراقبة الله عز وجل حال الاضطرار والمخمصة.
أحل الله عز وجل لعباده الطيبات, وبين لهم ما حرم عليهم, ثم استثنى جل وعلا حالة الاضطرار في خمس مواضع من القرآن يذكر فيها هذه المحرمات وهي قوله: {إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (١٧٣)} [البقرة: ١٧٣]. وقوله في المائدة: {فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٣)} [المائدة: ٣].