للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وهذا مظهر من مظاهر التيسير ورفع الحرج على الأمة أن أباح لها التكسب وغيره من الحاجيات خوفا من الملل و الانقطاع عن العبادة, وللقيام بما يصلح أمور المعاش للعباد (١).

• المطلب الثاني: إباحة صنوف المعاملات التي يحصل بها النفع والتيسير على الأمة.

فمن صور التيسير ورفع الحرج أن أباح الله تعالى من البيوع ما فيه نفع للعباد وحرم عليهم ما فيه ضرر عليهم فللناس أن يبيعوا كيف شاؤوا بسائر أنواع المعاملات ما لم يرد فيها نهي أو تضمنت شروطا ليست من الكتاب أو السنة (٢).

وفي ذلك يقول ابن تيمية: (و العادات الأصل فيها العفو فلا يحظر منها إلا ما حرمه الله وإلا دخلنا في معنى قوله {قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَامًا وَحَلَالًا} [يونس: ٥٩] و لهذا ذم الله المشركين الذين شرعوا من الدين ما لم يأذن به الله .... ) ثم قال:

(وهذه قاعدة عظيمة نافعة و إذا كان كذلك فنقول البيع و الهبة و الإجارة و غيرها هي من العادات التي يحتاج الناس إليها في معاشهم كالأكل و الشرب و اللباس فإن الشريعة قد جاءت في هذه العادات بالآداب الحسنة فحرمت منها ما فيه فساد و أوجبت ما لابد منه و كرهت ما لا ينبغي و استحبت ما فيه مصلحة راجحة في أنواع هذه العادات و مقاديرها و صفاتها, و إذا كان كذلك فالناس يتبايعون و يستأجرون كيف شاءوا ما لم تحرم الشريعة كما يأكلون و يشربون كيف شاءوا ما لم تحرم الشريعة وإن كان بعض ذلك قد يستحب أو يكون مكروها و ما لم تحد الشريعة في ذلك حدا فيبقون فيه على الإطلاق الأصلي) (٣).

وبهذه القاعدة تتبين مظاهر التيسير ورفع الحرج على الأمة في تعاملاتها من بيع وشراء ومداينات ونحوها فكل هذه المعاملات ما وضعت إلا تيسيرا على الأمة.


(١) انظر: الموافقات (٢/ ٤٤٠ - ٤٤٦).
(٢) انظر: مقاصد الشريعة الإسلامية, د. محمد اليوبي (ص ٤٠٥).
(٣) مجموع الفتاوى (٢٩/ ١٨).

<<  <   >  >>