للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

• المطلب الثاني: المراقبة توصل العبد إلى محبة الله تعالى, وأهلها مشهود لهم بالفضل والإحسان.

شهد الله لأهل المراقبة من عباده بالفضل ورفع عنهم الحرج فزكاهم وأخبر بمحبته لهم فقال: {لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا إِذَا مَا اتَّقَوْا وَآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ثُمَّ اتَّقَوْا وَآمَنُوا ثُمَّ اتَّقَوْا وَأَحْسَنُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (٩٣)} ... [المائدة: ٩٣].

فبين الله عز وجل أنهم لما اتقوا ربهم أوصلهم ذلك إلى المراقبة والإحسان, فلما كان هذا حالهم قبل نزول تحريم الخمر, بين أنهم حتى وإن ماتوا وقد شربوها قبل التحريم فقد رفع عنهم الجناح وزال عنهم إثمها ورجسها لما كان منهم من المراقبة.

وذلك أنهم راقبوا الله تعالى فيما كان محرما عليهم, ثم راقبوه فيما قد حرم عليهم إلى أن لقوا الله تعالى وهم على هذه الحالة.

كما أن في هذه الآية شهادة لأصحاب هذه المنزلة من الأحياء فهي أدعى لثباتهم, وأقوى في استجابتهم وإذعانهم, وهو ما حصل من الصحابة رضوان الله عليهم حين نزول آية تحريم الخمر, وقد شهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لبعض أصحابه بهذه المنزلة العظيمة, فعن ابن مسعود رضي الله عنه قال في قوله تعالى: {ثُمَّ اتَّقَوْا وَأَحْسَنُوا} قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (قيل لي: أنت منهم) (١)

وفي هذه الآية دليل على أن المتقي المحسن أفضل من المتقي المؤمن الذي عمل الصالحات، فضّله بأجر الإحسان. (٢)

أما شارب الخمر حين لم يراقب الله تعالى حال شربه ولم يستح من نظر الله تعالى له كان من عقوبته أن الله تعالى لا ينظر إليه يوم القيامة, فعن ابن عمر رضي الله عنهما قال:


(١) رواه مسلم في صحيحه, كتاب الفضائل, باب من فضائل عبدالله بن مسعود وأمه رضي الله عنهما, برقم (٢٤٥٩).
(٢) الجامع لأحكام القرآن (٨/ ١٧٢).

<<  <   >  >>